نحن وإيران والقمم العربية

16 يونيو 2019
+ الخط -
في كتابه الشرق الأوسط والعرب، من هو العدو ومن هو الصديق؟ تحدث بيلياف إيغور عن موقف جمال عبد الناصر الرافض لـ "حلف بغداد" الذي تشكّل في عام 1955 بإملاء من الولايات المتحدة الأميركية لمواجهة المدّ الشيوعي في المنطقة.

التقى عبد الناصر كلًا من جيرهارد ممثل البنتاغون، وبيل أيفلاند ممثل وكالة الاستخبارات الأميركية آنذاك، في القاهرة في عام 1954، وتحدّث إليهما ناقلًا صورة العدو الحقيقي، وفقًا لوجهة النظر الاستراتيجية العسكرية العربية المنطقية في ذلك الوقت، فكان ممّا قاله: "في منطقتنا نعرف عدوين فقط: الإسرائيليين الذين نُعدّ في حالة حرب معهم، والإنكليز الذين يحتلون أراضي العرب. ولا يعرف العرب شيئًا من ذلك عن الروس. ومن السخف حتى محاولة حثّ العرب للنضال أو الحرب تحت راية مزاعم خطر اعتداء الاتحاد السوفييتي".

وبالفعل، هذا ما كانت تحاول الولايات المتحدة إيهام العرب به حين ظهرت دعوتها لتشكيل حلف عسكري ضد أي اعتداء "محتمل" من الاتحاد السوفييتي.


اليوم أيضًا لم تتغير الأمور كثيرًا؛ تُعقد مؤتمرات وقمم وتحالفات، لمناقشة الخطر الإيراني على المنطقة، وبإملاءات غير خافية من الولايات المتحدة الأميركية، في الوقت الذي لا يزال العرب يجابهون فيه الاحتلال نفسه والتهديدات نفسها منذ زمن حلف بغداد، وما قبله، بل وفي ذروة تجبر الاحتلال الصهيوني وتصعيداته التي يواجهها الفلسطينيون على الأرض، والصفاقة الأميركية في إعلان دعمها اللامحدود له. لكن مع فارق وحيد بين الحدثين التاريخيين، إذ يغيب اليوم الصوت الذي يعيد توجيه أنظار الجميع باتجاه عدو العرب الأول الذي يقيم على أرضهم وينازعهم وجودهم.

طبعًا نتفق على أننا نرفض جميع التدخلات الخارجية في المنطقة، أكانت من إيران أم من غيرها، لكن أن يتجاهل المؤتمرون الجذع الذي يقلع عيوننا كل يوم، ويحددوا إيران كعدو وحيد يتكاتفون ويستعدون لمواجهته، مع غياب كامل لذكر إسرائيل، فهذا ما لا يمكن تفسيره بغير أنه محاولة لخلق حالة من "التوهان" والتردد لدى الشعوب في تحديد ماهية العدو، أو على الأقل في إعادة ترتيب قائمة الأعداء وفقًا لأولويات المواجهة لديهم.

يبدو أن الكيانات السياسية التي نحتكم إليها في مجتمعاتنا العربية، ترى أن حاجتنا للعدو لا تقل أهمية عن حاجتنا للصديق أو الحليف، بل ربما تفوقها أهمية. وهي ترى، تمامًا كما يذكر بيار كونيسا في كتابه "صنع العدو"، أن وجود هذا العدو، الذي تقدمه للجمهور، يخدم الدولة في إعادة بناء وحدة الجماعة أو الهوية القومية من خلال التضحية بالكيان المعادي، وهو ما يؤكده دوركهام في قوله: "حين يعاني المجتمع يشعر بالحاجة لأن يجد أحدًا يمكنه أن يعزو إليه ألمه، ويستطيع أن ينتقم لخيبات أمله".

وهنا، أتساءل، أنا العربي البسيط، هل كان من الممكن، تاريخيًا، أن نتخلص من عداءاتنا الجانبية، كما حدث بسلاسة في بعض اللقاءات العربية أخيرًا، للتفرغ لمواجهة عدو مشترك بيننا؟ وهل نحن حقًا متفقون على من هو هذا العدو أو من هم الأعداء الذين يهددون وجودنا اليوم، أم أن عدو العرب صار مختزلًا بمن تصنفه السعودية عدوًا للجميع، وفي الوقت الذي تراه هي كذلك؟ والأهم من ذلك، هل لا تزال إسرائيل على قائمة الأعداء، أم أنها تحولت إلى حليف يمكن الاستعانة به في مواجهات تُحدد لنا ونُدفع لخوضها بالنيابة عن غيرنا؟
D88F6515-2641-4B76-9D90-9BDC22B8B5E4
منى عوض الله

محررة ومساعدة باحث لدى مشروع بحث وتوثيق الحركة الوطنية الفلسطينية.