نحن وأميركا... رياضيات وأنثروبولوجيا

29 سبتمبر 2014
هناك استشراق غبي جاهل، واستشراق آخر أكثر ذكاء (getty)
+ الخط -
يوماً بعد يوم، نفهم سرّ "الأفول الأميركي" أكثر. أفول أو انكفاء وجهان لعملة الفشل. هنا لا يعود مهماً التمييز بين ديمقراطيين أو جمهوريين يمسكون بزمام الفشل في واشنطن، ذلك أن لا فرق كبيراً بين القطبين، خصوصاً لناحية تقاسمهما المسؤولية عن جهل المنطقة وحساسياتها وميكانيزمات اشتغالها الداخلية. سلوك سمته العامة أنه ينبع من جهل معاكس لتعاطي الإمبراطوريات الأوروبية الاستعمارية مع منطقتنا، من منطلق فهم دواخلها ووضع السياسات على هذا الأساس. صحيح أن النظرة الاستشراقية تبقى حمّالة كل الإرث الاستعماري لأيّ قوة، لكن يبقى هناك استشراق غبي جاهل، واستشراق آخر أكثر ذكاءً، وهو ما كان يتم اختصاره مجازاً بالتمييز بين الاستعمار البريطاني السلس، والاستعمار الفرنسي العنيف لدول العالم الثالث.

مناسبة الكلام، المعلومات التي تتحدث عن "عرض" أميركي تلقاه رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، خلال زيارته إلى نيويورك، قبل أيام، يقترح مشاركة دول عربية في الغارات على العراق، أسوة بالمشاركة الخليجية ــ الأردنية في قصف سورية. الجزئية المضحكة التي تكشف أن "العقول" الأميركية المسؤولة عن ابتداع الاستراتيجيات والتكتيكات الأميركية تجاه منطقتنا، تعيش في مكان آخر تماماً، تكمن في أن المبرر لما عُرض على العبادي، هو أن مشاركة عربية "سنية" في قصف العراق من شأنها أن تحسّن العلاقات بين العراق الشيعي، مع جواره العربي السني! كيف؟ لماذا؟ لا جواب.

كيف يمكن للعقل الأميركي أن يكون بهذه السطحية ليتوقع أن ينظر العراقيون الشيعة العرب، نظرة محبة لدول الخليج خصوصاً، في ظل كل ما نعرفه من استقطاب طائفي لا يمكن أن يصل إلى مستويات أسوأ من مستوياته الحالية، لمجرد أن تشارك تلك الدول في قصف بلاد الرافدين، بما يحمله ذلك من رسالة بالنسبة للشيعة العراقيين، تفيد بأن العرب السنة عائدون لأخذ بعض من نفوذ إيران؟ عقل أميركي لا شكّ أنه يكره الأنثروبولوجيا من أساسها، ويفضّل عليها العلوم السريعة كالرياضيات، المناقِضة للعلوم الاجتماعية لناحية سرعة الحسابات وسرعة النتائج... وكارثيتها.