نحن فئران تجارب.. متى نستيقظ؟

14 ابريل 2017
+ الخط -
نتحدّث كثيراً عن الدولة العميقة، وعن الحاكم الفعلي، وعن رجال الظلّ، وعن المسؤول الكبير.. كلّها أوصاف مبهمة لطلاسم سياسية، أُرِيد لها أن تكون معقّدة، حتى يسأم منها العامة، فينساقون وراء أحداثها من دون إعمال للعقل، ومن دون وعي بمخاطرها.
تهدف هذه السياسة الخطيرة إلى استغفال الشعب في مرحلة أولى، ثمّ استبلاهه في مرحلة ثانية، وصولاً إلى استحماره على رأي المفكّر علي شريعتي، فيصبح الشعب بأسره كالحمار يحمل أسفاراً، ولا يعي شيئاً بمكنونها، فيتم سلب ثرواته ونهب خيراته واستعباده بأسلوب مقنّع، لكنه مشابه للعبودية التي يزعمون أنها اندثرت وما هي كذلك.
ولأنّ أكبر حصن يملكه الشعب في مواجهة هذه الحرب الباطنية هو العقل الذي بفضله كرّم الله بني آدم على خلقٍ كثيرين، فانّ المنخرطين في هذه المؤامرة يعملون على إضعاف ملكة التفكير عند أفراد الشعب، وإنهاكها بالإحباط، وإغراقها في براثن الأكاذيب والإشاعات، حتى تستسلم النفوس وتنصاع إلى القبول الهادئ السليم.
يسخر بعضنا من إشاعة ساذجة تناقلتها مواقع إلكترونية بجهل، وردّدها بعض الإعلاميين بغباء، وآخرها خبر قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إعفاء التونسيين من تأشيرة دخول للولايات المتحدة، وقبل هذه آلاف الإشاعات المضحكة والغبية، وساهم تونسيون كثيرون في نشر تلك الإشاعات، إما سذاجة منهم وجهلاً أو نكاية في خصومهم السياسيين الذين قد تسيء إليهم تلك الإشاعة، وما إن يخبو بريق إشاعة حتى تولد خلفها إشاعة جديدة.
لم نتساءل: من يقف خلف هذه الإشاعات؟ وهل انكبّ علماء الاجتماع وعلماء النفس على تحليل هذه الظاهرة بعمق واستنتاج دلالاتها وتأثيراتها العاجلة والآجلة؟
لاحظوا أنّ الاشاعات كانت، في البداية، مجرّد أخبار زائفة، لكنّها من الناحية الموضوعية مستساغة عقلاً وقابلة للتصديق منطقاً. هاج الناس وماجوا في خضمّ تلك الإشاعات التي لا يستبعد العقل حدوثها، ثمّ شيئاً فشيئاً بدأت تطفو على السطح إشاعات غريبة، لا تحتاج إلى ذكاء خارق لدحضها ولا إلى تحقيق مضن لكشف زيفها، ومع ذلك فقد سرت في المجتمع كالنار في الهشيم.. بسطاء القوم ونخبهم سيّان، ينشرون تلك الاشاعة ويصدّقونها، ذلك لأنّ ملكة العقل لديهم قد تعطّلت وضعفت، إما بسبب نار الفتنة التي تستعر في قلوبهم أو بسبب الحقد والحسد المستشري في نفوسهم، فلم تعد لديهم القدرة على التمييز، وتلك أولى مراحل الدخول في طور العبودية للبشر وللمادّة.
كلّ إشاعة تظهر في المجتمع تحظى بمراقبة دقيقة ومتابعة فاحصة من مراكز دراسات، تحدّد درجة التعامل بوعي أو بغباء ودوغمائية مع تلك الاشاعة، وتقدّر نسبة انتشارها في مختلف الشرائح الإجتماعية.
حينما يخضع غالبية الشعب لمبدأ "القبول الهادئ السليم" وينقطع حبل تأثير القلّة الواعية والعاقلة في أمّتها، فذاك إيذان بالدخول في عصر العبودية المظلمة والطغيان المتوحّش.
63C022B8-AA10-4C0F-AD9D-01B7AB3AF104
63C022B8-AA10-4C0F-AD9D-01B7AB3AF104
حافظ النيفر (تونس)
حافظ النيفر (تونس)