نبتعد كلّ عام عنها أكثر. هي التي كانت قبل ثمانية وستين عاماً بالتمام. هي التي جسّدت ضياع فلسطين وتخبّط المنطقة العربيّة بكاملها في حروب متكرّرة كرّست هزيمتنا.
كانت كلمة الأغنية تقول: "اقتربت عودتنا نهار". لكنّ النكبة كانت تلك الصبية الناصعة المليئة بالأمل والطموح وهي تتمتع برعاية إخوتها من كلّ حدب وصوب. هي اليوم في الثامنة والستين. هرمت، وهرمت معها أحلام شعبها، حتى بات تفادي قتال الإخوة أقصى طموحاته.. حتى بات فتح معبر رفح وإيصال المرضى إلى المستشفيات رأس أحلامه.
مع ذلك، ما زالت فلسطين تنبض بالأمل في داخلها وضفتها وقطاعها.. في قدسها وشتاتها العربي والغربي. ما زالت تنبض بحلم العودة إلى تلك المنازل والأراضي والآبار والحقول والتين والزيتون.
في مخيّم جباليا في قطاع غزّة، تجلس السيّدة على عتبة دارها. بملابسها البسيطة تواجه كلّ يوم حائطاً مسدوداً. حافية هي مثل الزقاق المعتم إلاّ من منديلها ووجهها وعبارة "صلِّ على النبي" في نهايته. هي تصلّي على النبي في كلّ لحظة، وتحلم مع الصلاة.. ما زالت تحلم، على الرغم من عينيها الشاردتين، بقرية ربما لم تعرفها. لكنّها تعلم أنّها من حقّها وحقّ أبنائها. ومهما حاول الاحتلال أن يجمّل صورته ويُظهِر للعالم براءته، فهو يخضع بالنسبة إليها لمعادلة وحيدة: "هو الاحتلال ونحن أبناء الأرض المحتلة".