نجوا من الفرح بأعجوبة

14 يوليو 2016
+ الخط -
مضى عيد الفطر غير السعيد على السوريين، وانزاح ذلك الهاجس بالفرح، وعدنا لنلملم أشلاء أحلامنا وأعضائنا المبعثرة والممتدة على طول هدنة، أو أكثر.
توزعت الخيبات بين المحافظات، فمن تفجير انتحاري لداعش في فرن في محافظة الحسكة، راح ضحيته عشرات الشهداء، إلى قذائف وصواريخ عشوائية في محافظة أخرى، إلى مجزرة مروعة في حي الفرقان المكتظ بساكنيه ورواده.
جاءت مجزرة الفرقان، مكللةً مآسي العيد، ومختتمةً الأوجاع في آخر يوم بالعيد. كان حزن السوريين أكبر من صدمتهم بكل ما جرى في العيد؛ فلا عجب إن رأيت السوري هذه الأيام يبتهل لربه: "ربنا نجنا من ساعات الفرح، أما ساعات الحزن فنحن أولى بها".
في السنوات الخمس الأخيرة، استطاع المواطن السوري أن يُكوِّن جملة من التوقعات والتنبؤات لكل مناسبة سيعيشها؛ فهو مثلاً يشتري ثياب العيد قبل شهرين منه، كي يجنب نفسه متعة التفجير الجماعي في أحد الأسواق المكتظة، والتي تستقطب هواة التفجيرات، كما أن المواطن السوري السعيد يرضى عن غير سعادة بعدم حضور افتتاح أو تشييد أو حفل لأي مناسبة تهمه، أو تعني البلد الذي يعيش فيه، لكي لا يكون قربانا لتلك المناسبة، وليس هذا تمادياً في الهروب، ولا هو إغراقاً منه في التشاؤم؛ بل هو معادلة منطقية رياضية أصبحت مكوّناتها، ونتائجها بسيطة وسهلة.
ومع هذه الأجواء والتوقعات، على الإنسان السوري أن يكمل حياته، راضياً بمرور يومه، من دون أي مفاجآت تبدو دائماً غير سارة.
استنزفت الحرب كل مشاعرنا الجميلة، وكل لهفاتنا، فلم يعد العيد محطة فرح ننتظرها، أو نهيء أنفسنا لاستقبالها؛ على العكس تماماً من ذلك، أصبحنا نتفنن بطرق النسيان، أو التناسي لهذه المناسبة، وخيركم عند أهله خيركم من لزم بيته، وانطوى على حزنه غير آبهٍ بأي نداء خفي للروح بمعانقة الفرح أو استقباله.
وهكذا تبدو محطات حياة المواطن السوري، وكأنها وقفت عند محطة واحدة هي الانتظار المتخم باللامبالاة لانتهاء الحرب، فحتى الظروف الصعبة، والمآسي التي أصبحت من قوت حياته باتت رفيقة درب اعتاد عليها، بل وروّض نفسه على عدم التفكير بانتهائها، فالذين غادروا البلاد فارقوا تلك الظروف، وأطلقوا على صحبتها الرصاص، أما الذين بقوا في الداخل السوري، فوحدهم يدركون أن لعنة الحرب باقية، وربما وحده الله يعرف متى ستنتهي، وكيف، وعند أي حد من الخسارات.
ولذلك، ومع انقضاء أيام العيد، طوبى لمن استطاع النأي بنفسه عن أكذوبة الفرح، وطوبى لمن لم يكلفه ذلك الفرح فقدان روحه أو روح عزيز عليه.
ABC99897-CFDB-4E99-A44B-6CE304011C62
ABC99897-CFDB-4E99-A44B-6CE304011C62
يسرى السعيد (سورية)
يسرى السعيد (سورية)