نتنياهو يفشل باستعادة الردع... والمقاومة تثبت قواعد اشتباك جديدة

07 مايو 2019
إحباط ويأس في صفوف الإسرائيليين (جاك غويز/فرانس برس)
+ الخط -
أكدت ردود الفعل الإسرائيلية، داخل الساحة الحزبية، أمس الإثنين، إثر تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ترسيخ قناعة إسرائيلية بتآكل قوة الردع لدى دولة الاحتلال، وعدم قدرتها في جولة التصعيد الأخيرة على استعادة هذه القوة أو ترسيخ قواعد اشتباك جديدة لصالحها، على الرغم من عودتها إلى سياسة الاغتيالات والتصفيات الميدانية.
ودل الصمت الإسرائيلي الرسمي، وعدم إعلان التوصل إلى اتفاق إطلاق نار والاكتفاء بدلاً من ذلك باعتراف غير مباشر، جاء على شكل إعلان قيادة الجبهة الداخلية عن رفع القيود التي كانت فرضت على التجمع والحركة في محاور الطرق، وتعليمات الدخول للملاجئ الآمنة وإعادة انتظام الدراسة، دل على أن المستوى السياسي في إسرائيل يدرك فشل الغارات والتصعيد في كسر شوكة فصائل المقاومة الفلسطينية.

وكان لافتاً أيضاً إبراز وسائل الإعلام الإسرائيلية حقيقة التزام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الصمت وعدم إصداره أي بيان رسمي إلى حين الساعة الثانية ظهراً، يخاطب فيه الإسرائيليين، بعد أن كان خلال أسبوع الانتخابات لا يترك منصة إعلامية أو وسيلة أياً كانت لإطلاق تهديداته لحركة "حماس" والحديث عن الحاجة إلى "يمين قوي" في مواجهة اليسار الرخو الذي يمثله حزب "كاحول لفان" بقيادة الجنرال بني غانتس.

واضطر نتنياهو أمس عند ساعات الظهر إلى الإدلاء بأول بيان حاول فيه "التباهي" بـ"إنجازات" جيش الاحتلال خلال جولة التصعيد الأخيرة، وفي الوقت ذاته القول إن المعركة لم تنته، وذلك رداً على اتهامات قادة الأحزاب الإسرائيلية وانتقادها للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار من دون تسجيل أي مكسب أو إنجاز حقيقي لإسرائيل يغير من الأوضاع السائدة ومن "سيناريو جولات التصعيد والمواجهة المتكررة، من دون أن تتمكن دولة الاحتلال من كسر هذه المعادلة". بل إن الجولة الأخيرة، أتت للمرة الأولى منذ عدوان "الجرف الصامد" (عام 2014)، بقتلى إسرائيليين في قلب المناطق السكنية المأهولة، وفي المصانع، مع تطوير في قدرات الفصائل الفلسطينية بتوجيه صواريخها إلى أبعد من "المساحات المفتوحة"، وهو تعبير إسرائيلي للدلالة على سقوط صواريخ المقاومة خارج الأحياء والبلدات الإسرائيلية.

وكان خصم نتنياهو من داخل حزب "الليكود"، غدعون ساعر، أول من هاجم اتفاق وقف إطلاق النار، معتبراً أنه لا يحقق شيئاً لإسرائيل. وكتب ساعر على صفحته على "فيسبوك" أن "وقف إطلاق النار في الظروف التي تم التوصل إليه فيها لا يحقق لإسرائيل أي مكاسب. الفترات الزمنية الفاصلة بين الهجمات المختلفة على إسرائيل ومواطنيها، تصبح أقصر من حين إلى آخر، فيما تتعاظم قوة المنظمات الإرهابية. لم يتم منع المعركة بل تم تأجيلها".
وكان هذا المنشور عملياً الدافع الرئيسي لبيان نتنياهو وحديثه عن أن المعركة لم تنته وأن إسرائيل وجّهت ضربات قوية للفصائل الفلسطينية، وأن المعركة تتطلّب نفساً طويلاً وتحكيم العقل، مضيفاً "نحن نستعد لما هو قادم، لقد كان الهدف ولا يزال تأمين الهدوء والأمن لسكان الجنوب".


لكن ساعر لم يكن الوحيد الذي وجّه الانتقادات لنتنياهو وإدارته بسبب جولة التصعيد، فقد سبقه إلى ذلك عضو الكنيست يئير لبيد من حزب "كاحول لفان"، الذي اتهم نتنياهو بأنه يفتقر إلى الجرأة في إدارة المعركة و"إخضاع حكم حماس". وقال لبيد: "إننا بحاجة إلى التحلي بمزيد من الشجاعة في المفهوم العملياتي، ما يجب القيام به هو استعادة الردع باستخدام قوة أكبر ومن ثم الاتجاه نحو الموضوع الاقتصادي، نحن نواجه جُبناً حتى في سياق مواجهة مواطني إسرائيل".
وانضم ممثلو الأحزاب المناصرة لنتنياهو هم أيضاً إلى الانتقادات التي وُجّهت لإدارة جولة التصعيد، عبر المطالبة بقبضة شديدة ضد "حماس". واعتبر عضو الكنيست، بتسليئل سموتريتش، المعروف بمواقفه العنصرية والفاشية، أن جولة التصعيد "كان ينبغي أن تنتهي بمقتل 700 فلسطيني من صفوف حماس والجهاد الإسلامي".

أما المعلّق بن كاسبت، فكتب في "معاريف" أن ادعاءات الوزير أوفير أكونيس بأن موضوع وحسابات تنظيم مسابقة يورفيجين، ليست قائمة في قائمة الاعتبارات الإسرائيلية خلال جولة التصعيد، هي محض كذب، لأن استمرار التصعيد وتشويش هذه المسابقة كان سيعني ضربة قاضية لإسرائيل على مستوى الدعاية كبلد آمن ومستقر، وسيُبعد إسرائيل عن المسابقات والمهرجانات الدولية في السنوات المقبلة.

ويمكن عملياً القول إن إصرار نتنياهو، ورئيس أركان الجيش الجنرال أفيف كوخافي، على تعداد الأهداف التي قصفها الاحتلال، وترديد تصريحات بأن الجيش سيواصل توجيه ضرباته بقوة، يهدف إلى محاولة تقليل حقيقة الفشل في استعادة قوة الردع، وبالتالي إبقاء الباب مفتوحاً أمام احتمالات اندلاع جولات تصعيد أخرى ضد غزة.
وفيما يحاول نتنياهو وكوخافي الاختباء وراء مقولات أن "حماس" فوجئت من قوة الضربات الإسرائيلية، إلا أنه بات واضحاً أيضاً أن غرفة العمليات المشتركة والتنسيق التام بين "حماس" و"الجهاد الإسلامي" قد فاجآ دولة الاحتلال، التي حاولت الادعاء بداية أن "حماس" انجرّت وراء "الجهاد الإسلامي"، لكنها اضطرت لاحقاً إلى إبراز حقيقة التعاون والتنسيق التام بين الطرفين.

وتشكّل التصريحات الإسرائيلية أمس دليلاً على قناعة الاحتلال بأن مواجهة أخرى مع فصائل المقاومة آتية ولا يمكن تفاديها، خصوصاً أنه لم يُعلن رسمياً في إسرائيل عن التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار. وكان لافتاً أمس، أن الإحباط أو اليأس هو المسيطر في صفوف الإسرائيليين الذين يعيشون في جنوب إسرائيل وليس فقط في غلاف غزة بل حتى بئر السبع وبلدات أخرى، والاعتقاد السائد في صفوفهم أن وقف إطلاق النار لن يكون نهاية المطاف، وأنهم باتوا بمثابة "رهائن" لدى "حماس" وفصائل المقاومة في قطاع غزة.
المساهمون