لهذه الأسباب يدفع نتنياهو لتلزيم مصر مهمة التخفيف عن غزة

11 فبراير 2018
تتخوّف إسرائيل من تداعيات انهيار اقتصاد القطاع(سعيد خطيب/فرانس برس)
+ الخط -


على الرغم من أن إسرائيل تعي طابع التداعيات الخطيرة لتدهور الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، وعلى الرغم من أن معظم المستويات السياسية وجميع القيادات الأمنية في تل أبيب تحذر من أن مصالح إسرائيل بشكل خاص ستتضرر بشكل كبير في حال انهار اقتصاد القطاع، إلا أن هناك ما يؤشر إلى أن القيادة الإسرائيلية معنية بأن تتولى مصر القيام بالدور الرئيس في احتواء تدهور الأوضاع الاقتصادية.

فقد وجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه من المناسب أن يتولّى نظام عبدالفتاح السيسي القيام بخطوات للتنفيس عن القطاع، وذلك لتجنّب المس باستقرار الائتلاف الحاكم في تل أبيب بسبب الخلاف حول الأفكار التي طرحها وزير الاستخبارات والمواصلات الليكودي يسرائيل كاتس، والقاضية بأن تبادر إسرائيل إلى حل الأزمة الاقتصادية في القطاع من خلال بناء مشاريع ضخمة، على رأسها تدشين مطار وميناء عائم، وهي الأفكار التي يؤيّدها قادة الأمن الإسرائيلي وجميع وزراء الحكومة باستثناء وزير الأمن أفيغدور ليبرمان. وخوفاً من إمكانية أن يتخذ ليبرمان قراراً بانسحاب حزبه "إسرائيل بيتنا" من الائتلاف الحاكم، ما يعني خسارة الحكومة أغلبيتها البرلمانية، فإن نتنياهو يحاول تجنّب هذا السيناريو من خلال دفع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للضغط على السيسي للتعاون من أجل التخفيف عن القطاع. من هنا، بدا لافتاً أن تعقب إصدار الخارجية الأميركية وبشكل مفاجئ قبل يومين بياناً تحذر فيه من التداعيات الخطيرة لتدهور الأوضاع الاقتصادية، دعوة قيادة حركة "حماس" على عجل إلى مصر، وذلك مع تدهور الأوضاع الأمنية في سيناء، إثر إعلان الجيش المصري أكبر حملة عسكرية ضد تنظيم "ولاية سيناء" في شمال سيناء.

وما يدل بشكل واضح على وجود توافق أميركي إسرائيلي على أن يتخذ نظام السيسي خطوات تفضي إلى تخفيف الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في غزة حقيقة أن صحيفة "معاريف" كشفت، في عددها الصادر أول من أمس الجمعة، أن الأميركيين والإسرائيليين والمصريين يدرسون توسيع ميناء العريش، ليكون بديلاً عن مشروع تدشين الميناء العائم قبالة سواحل غزة، الذي يروّج له كاتس ويدعمه جميع الوزراء الإسرائيليين باستثناء ليبرمان.
وقد لا يكون ما كشفته "معاريف" مفاجئاً في ظل وجود كثير من المؤشرات التي تدل على أن سياسة نظام السيسي تجاه قطاع غزة تأخذ بعين الاعتبار المصالح الإسرائيلية. وكان لافتاً أنه لم يصدر أي رد من القاهرة على إعلان ليبرمان خلال المقابلة التي أجرتها معه صحيفة "ميكور ريشون" قبل أسبوعين، والتي أعلن فيها بشكل واضح وصريح أن نظام السيسي يقوم بفتح معبر رفح أمام الغزيين بالتنسيق المسبق مع إسرائيل.


إلى جانب ذلك، فإن هناك مصلحة واضحة لنظام السيسي في استغلال تفاقم الأوضاع الاقتصادية في غزة وفشل تطبيق اتفاق المصالحة الفلسطينية، لمحاولة إحياء التفاهمات بين "حماس" والقيادي المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان. وكان لافتاً أن وصول وفد "حماس" إلى القاهرة تزامن مع وصول دحلان. ولم يعد سراً أن هناك توتراً كبيراً بين نظام السيسي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، على خلفية إصرار الأخير على عدم التصالح مع دحلان، المقرب من النظام المصري، ورفض منحه أي دور في قيادة السلطة الفلسطينية.

في الوقت ذاته، فإن نظام السيسي قد يحاول بالتنسيق مع إدارة دونالد ترامب وحكومة اليمين المتطرف في تل أبيب، إشغال قيادة "حماس" في بحث المشاريع الهادفة للتخفيف عن قطاع غزة لتقليص أو احتواء رفضها المبادرة الأميركية للتسوية، التي اصطلح على تسميتها "صفقة القرن". وقد ترى واشنطن وتل أبيب أن إحداث الجلبة حول المشاريع الاقتصادية التي يُفترض أن تخفف مظاهر الأزمة الاقتصادية في القطاع قد تقلّص من هامش المناورة أمام "حماس" وتدفعها إلى خفض وتيرة اعتراضها على الصفقة، بشكل يوفر بيئة فلسطينية داخلية قد تسمح لعباس بالنزول عن الشجرة والتعاطي مع الصفقة.

وفي حال كانت هذه بالفعل الرهانات الأميركية والإسرائيلية، فإنها رهانات في غير مكانها. فـ"حماس" لا يمكنها إبداء أي تردد في رفض "صفقة القرن" لأنها (وجميع الفصائل) ترى في نجاح تمريرها تصفية مؤكدة للقضية الوطنية الفلسطينية، وهو ما يعني أن أي سلوك قد يُفسر على أنه تعايش مع هذه الصفقة يعد انتحاراً سياسياً لأي تشكيل فلسطيني، لا سيما عندما يتعلق بالأمر بفصيل مقاوم.

إلى جانب ذلك، وعلى الرغم من خيبة أمل قيادة "حماس" الكبيرة من فشل تطبيق اتفاق المصالحة الفلسطينية، وهو التطور الذي فاقم الأوضاع الاقتصادية سوءاً في القطاع وأحرج قائد "حماس" في غزة يحيى السنوار، الذي أخذ على عاتقه المسؤولية عن قرار التوقيع على هذا الاتفاق، إلا أن قيادة الحركة لا يمكنها أن تخاطر بالانسحاب من الاتفاق من خلال التوجّه مجدداً إلى خيار دحلان. فالحركة تعي أن دحلان يمثّل محوراً إقليمياً يضم إلى جانب مصر، دولة الإمارات والسعودية، التي سبق لوزير خارجيتها عادل الجبير أن وصم الحركة بالإرهاب. في الوقت ذاته، فإن قيادة "حماس" تعي أن أي تقارب مع دحلان سيمثّل مسوغاً لعباس لفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على غزة، وهي العقوبات التي أسفرت عن تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير.

المساهمون