وبدا فيه نتنياهو، وهو يحاول الاعتذار عن تصريحاته العنصرية ضد العرب في يوم الانتخابات من العام الماضي، عندما خاطب الجمهور الإسرائيلي اليهودي، محذراً من سقوط حكومة اليمين، لأن العرب يتدفقون بجموعهم على صناديق الاقتراع، بمساعدة جمعيات اليسار.
وثبُت كذب نتنياهو، بعد انتهاء الانتخابات، إذ لم تتجاوز نسبة المقترعين العرب في الانتخابات الـ65 في المائة.
وهي نسبة شبه ثابتة من حيث مشاركة الفلسطينيين في الداخل في انتخابات الكنيست.
وقد سارع الناطق باسم نتنياهو، أوفير غندلمان، الليلة، عند العاشرة والنصف تقريباً، إلى تعميم رابط الرسالة على "يوتيوب"، ونصها المترجم إلى اللغة العربية، كمحاولة للتركيز على مضمونها، الذي حمل كلاماً معسولاً.
وظهر نتنياهو كمن يحاور العرب في الداخل، معدّداً إنجازاتهم في إسرائيل، ومحتفياً بوجود قضاة ومحامين وشعراء، وحتى أعضاء كنيست بينهم، داعياً إياهم إلى الإقبال بجموعهم على "الاندماج في الدولة".
لكن مطالعة النص العربي للرسالة، كشفت عملياً، سبب توجيه الرسالة المذكورة، إذ تحدث نتنياهو في مستهل الخطاب المصور على الفيديو عن قرار الحكومة الإسرائيلية، في جلستها يوم الأحد بالمصادقة على قانون وصفه رئيس الحكومة الإسرائيلي، بأنه "يعزز بشكل ملموس الأمن والأمان في البلدات والقرى العربية".
وقال نتنياهو إن "المواطنين العرب يتمنون أن يتحرروا من عبء الإجرام والعنف".
وتكشف الديباجة التي استهل بها نتنياهو حديثه، عملياً، سبب توجهه للعرب، وهي محاولة لتلطيف خطورة القانون المذكور، خصوصاً إذا تم وضعه في السياق الصحيح.
فقد جاءت فكرة هذا القانون عملياً، استمراراً لسياسة الاحتلال، وبشكل خاص سياسات حكومة نتنياهو، التي تدعي أن على العرب في الداخل أن يتعاونوا مع أجهزة الشرطة والأمن الإسرائيلية لـ"محاربة العنف الداخلي".
وتعد حكومة نتنياهو لذلك، عبر فتح نقاط ومراكز للشرطة في بلداتهم. وليس هذا فحسب، بل تشجع الشبان الفلسطينيين في الداخل على التطوع في ما يسمى بـ"الخدمة الوطنية"، بديلاً من الخدمة العسكرية في الجيش، والانضمام لسلك الشرطة، كمقياس ومعيار لاندماجهم في الدولة وولائهم لها، وكشرط أساسي لتحويل ميزانيات ضخمة للمجتمع الفلسطيني لسد الفجوات القائمة بينه وبين المجتمع الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، فإنه لا يمكن عزل العلاقة بين رسالة نتنياهو للفلسطينيين في الداخل، بعد قرار الحكومة المذكور، وبين خطاب التحريض الدموي الذي أدلى به رئيس الحكومة الإسرائيلي عند تنفيذ شاب من قرية عرعرة، في المثلث، عملية إطلاق نار داخل مقهى في شارع ديزنغوف بتل أبيب، في الأول من يناير/كانون الثاني 2016، وأسفر عن مصرع إسرائيليين اثنين.
وزعم نتنياهو في خطابه التحريضي حينها، أن "ما حدث هو نتيجة لكون الفلسطينيين في الداخل يشكلون دولة داخل دولة، وأن قراهم وبلداتهم مليئة بالسلاح غير المرخص، ولا تخضع للسيادة الإسرائيلية الحقيقية". كما توعّد بأن حكومته ستعمل على فرض القانون في المجتمع الفلسطيني، وأنها لن تقبل بوجود دولة داخل دولة.
وأصر نتنياهو على تحريضه ضد العرب في الداخل، حتى بعدما تبيّن أن منفذ العملية في ديزنغوف، استخدم سلاحاً مرخصاً كان لأبيه الذي كشف أنه كان يتعاون مع أجهزة الأمن الإسرائيلية، وهو ما منحه حق الحصول على سلاح مرخص.
ولاحقاً، عرقل نتنياهو، عبر الوزير يريف لفين، خطة رصد نحو 16 مليار شيكل للمجتمع الفلسطيني على مدار خمس سنوات، حتى يوافق الأخير على الالتزام بالقوانين الإسرائيلية بما في ذلك مجال البناء، وفي "محاربة العنف والجريمة".
في غضون ذلك، أقرت الكنيست قبل نحو أسبوعين، قانوناً إضافياً يجرّم ويحظر على أي مواطن في إسرائيل، أن يعمل على ممارسة ضغوط أو نشاطات من شأنها عرقلة انضمام شبان عرب لـ"الخدمة الوطنية في الجيش الإسرائيلي أو أجهزة الأمن الأخرى".
عودة يرّد على نتنياهو
إلى ذلك، رد رئيس القائمة المشتركة للأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني، أيمن عودة، على نتنياهو، في خطاب مصور هو الآخر، حيث قال إن أكثر من مائة ألف فلسطيني من مواطني إسرائيل لم يتمكنوا من متابعة ومشاهدة نتنياهو، "لأنهم يعيشون في قرى ترفض الحكومة الإسرائيلية الاعتراف بها، وربطها بشبكتي الكهرباء والماء، كما تحرم أهلها من الخدمات الصحية الأساسية وخدمات التعليم وتنتهك حقوقهم الأساسية عبر سياساتها العنصرية".
وأضاف: "وأنا مثلك فخور بإنجازاتنا غير العادية، بالرجال والنساء الذين ينجحون، على الرغم من التمييز والحرمان، ورغم وجود رئيس حكومة يحرض ضدهم بشكل مستمر (..) تفاجأت عند سماعك تقول بأنك تفتخر بالكتّاب والشعراء الذين تمنعوننا من دراستهم في المدارس، وحتى إنك تفتخر بالنواب العرب، النواب ذاتهم الذين اتهمتهم بأنهم يسيرون مع أعلام (داعش)".
وأضاف عودة: "وفهمت أيضا من خطابك أن تحريضك في يوم الانتخابات لم يكن موجها ضد كل الجمهور العربي، وإنما "فقط" لـ88% منه الذين انتخبوا قائمة سياسية معيّنة. مع ذلك، اخترت التحدث للجمهور وقفزت عن التوجه للقيادة المنتخبة، وبالانجليزية ايضا!".
من جهته، عقب أيضا النائب عبد الحكيم حاج يحيى، من الحركة الإسلامية الجنوبية، على خطاب نتنياهو بالقول إن الخطاب يهدف بالأساس إلى محاولة تحسين صورة نتنياهو أمام العالم، عبر استخدام الكلام المعسول والعبارات الرنانة. وأضاف حاج يحيى: "على نتنياهو وحكومته تحمّل مسؤولياتهم وترجمة الأقوال إلى أفعال. إن هذا الخطاب المخادع لا يقدم ولا يؤخر في تحسين الخدمات للعرب في البلاد، لأنه لا يتعدى الكلام الفارغ من المضمون".