نتنياهو والتصعيد في غزّة: وقود الانتخابات وسلاح ذو حدين

22 ديسمبر 2014
نتنياهو يصوّر نفسه المدافع عن أمن إسرائيل (فرانس برس)
+ الخط -

اختار رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في تعقيبه على قصف الاحتلال لمصنع إسمنت في خان يونس، أن يتحدث بضمير المتكلم، وأن يضع نفسه هو مكان "دولة إسرائيل".

لم يعلن نتنياهو أن "دولة إسرائيل لن تسمح"، ولا قال "نحن لن نسمح"، بل قال: "أمن إسرائيل يسبق كل شيء، وأنا لن أسمح بالمرور مر الكرام ولو على إطلاق قذيفة واحدة، ولذلك ردّ سلاح الجو على إطلاق القذيفة بهدم مصنع إسمنت...".

وتعكس عودة نتنياهو إلى الكلام باسمه الخاص، وليس بلسان الحكومة، لإدراكه بأن تصعيد الأوضاع في قطاع غزة يمكن أن يكون وقوداً للانتخابات الإسرائيلية، وفي الوقت ذاته هو سلاح ذو حدين.

إذ يخشى رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يضطر، في حال صعّدت المقاومة الفلسطينية هجماتها وإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، إلى شن عدوان أو القيام بعمليات رداً على ذلك ليتقي شر المزايدات التي سيتعرض لها من قطبي الحلبة السياسية والحزبية الإسرائيلية.

وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، الذي لم يبخل بانتقادات لاذعة لإدارة نتنياهو للحرب على غزة، حتى اعتباره الأسبوع الماضي أن إسرائيل فقدت زمام المبادرة واضطرت إلى الرد على صواريخ "حماس" لكنها عندما ردت لم تسعَ إلى حسم الأمر كلياً، فهو لن يتردد، مع معاناته من تراجع في شعبيته وفق استطلاعات الرأي، في توظيف تفاقم الأوضاع أو إطلاق صواريخ من غزة، لصالحه في المعركة الانتخابية، للتدليل على أنه هو اليمين الأصيل في إسرائيل وممثّل المعسكر القومي، وليس بحاجة لشهادات شرعية لا من حزب "الليكود" ولا من حزب "البيت اليهودي".

وما ينطبق على ليبرمان سينطبق أيضاً على زعيم "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت، الذي لم يدّخر هو الآخر انتقاداته خلال العدوان على غزة لما سمّاه باليد الناعمة لحكومة نتنياهو، مطالباً إياها بمزيد من القتل والدمار.

ووصل به الأمر إلى اتهام حكومة نتنياهو بفقدانها للشرعية لمجرد موافقتها على اتفاق إطلاق النار الأول، على الرغم من معرفتها بوجود الأنفاق الهجومية لـ"حماس" والمقاومة الإسلامية، بحسب قوله.

أما من القطب اليساري في الحلبة الحزبية الإسرائيلية، فإن زعيمة حزب "الحركة"، تسيبي ليفني، التي كانت امتدحت "ضبط النفس" الذي أبداه نتنياهو خلال العدوان وعندما كانت في الحكومة، لن تتردد من جديد، وهي تخوض المعركة الانتخابية في تحالف مع حزب "العمل"، بتكرار اتهامها لنتنياهو بأنه الرجل الذي قدّم نفسه خبيراً في الإرهاب فيما تكشّف خلال الحرب بأنه ضعيف أمام "حماس".

وأمام هذه الاعتبارات الحزبية التي سيتعيّن على نتنياهو أخذها بالاعتبار وهو يحاول مجدداً استعادة صورة الزعيم الإسرائيلي الذي يهمّه قبل كل شيء أمن إسرائيل، يجد نفسه في مواجهة تقديرات الأجهزة العسكرية المختلفة التي تُحذّر من خطر اندلاع مواجهة مع "حماس" في قطاع غزة، إذا لم تبدأ عمليات إعادة إعمار القطاع، وإذا ظل الوضع في القطاع على ما هو عليه.

وفي هذا السياق، اتفق كل من المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، والمحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، على أنه مثلما ترى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن "حماس" غير معنية حالياً بالتصعيد، فإن نتنياهو ليس توّاقاً بدوره إلى عملية عسكرية وحرب جديدة خوفاً من ارتفاع ألسنة اللهب في غزة لدرجة لا يتمكن نتنياهو من السيطرة عليها.

وكان فيشمان قد كشف، في تعليق له في "يديعوت"، أن تقديرات قسم الاستخبارات في وزارة الأمن الإسرائيلية بشأن العام 2015، تُقرّ بوجود احتمال معقول لاستئناف المواجهة العسكرية في قطاع غزة وفي الضفة الغربية المحتلة، وإن كان بوتيرة متباينة منذ الآن.

ووفق فيشمان، فإن الأقسام والجهات ذات الصلة في الجيش الإسرائيلي، مثل قسم العمليات، بدأت بإصدار أوامر للاستعداد لاحتمالات المواجهة المقبلة.

وإذا كانت التقديرات العسكرية الرسمية تظل عادة محصورة في الدوائر العليا والمغلقة، إلا أن نبض الشارع الإسرائيلي يبقى مكشوفاً ومعلناً، وهو يدل، وفقاً لما تنقله وسائل الإعلام، على أن الاعتقاد الأساسي الذي تبلور لدى الإسرائيليين، يتحدث عن تعادل في العدوان الأخير، وهو في حالة إسرائيل خسارة وهزيمة.

لكن ما قد يزيد من تعقيدات وضع نتنياهو، هي التقارير والردود الوافدة من المستوطنات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة، والتي يتحدث سكانها عن قناعاتهم عملياً، بهزيمة إسرائيل وفشلها في تحقيق الهدف الذي ادعى نتنياهو وحكومته أنه تم إنجازه.

فقد زعم نتنياهو، منذ وقف العدوان، أن حكومته وجّهت ضربة قوية لـ"حماس"، ستمنح إسرائيل هدوءاً لسنة أو سنتين على الأقل.

وإذا كان هذا غير كافٍ، فسيكون على نتنياهو أن يواجه أيضاً انتقادات مختلف المحللين والمتابعين، الذين سيذكّرونه بأن حكومته فضّلت بدلاً من استنفاد المفاوضات مع مصر بشأن إعادة إعمار غزة ووقف إطلاق النار، الاستفادة من الهدوء الذي ساد بعد العدوان، ويتضح الآن أنه ربما يكون الهدوء الذي يسبق العاصفة.

وقد يحاول نتنياهو، في حال أطبق خصومه عليه، وتكرر إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، شن مغامرة باعتبارها "القشة التي يتعلّق بها الغريق"، إذا أظهرت الاستطلاعات المتواترة في إسرائيل تراجعاً إضافياً في مكانته الشخصية وفي تعريفه بأنه الأنسب لرئاسة الحكومة، لكنها ستكون مغامرة محفوفة بالمخاطر، خصوصاً إذا كان بينيت وليبرمان مَن يحددان وتيرتها، لتأتي على ما تبقى له من فرص للعودة لديوان رئاسة الحكومة.

المساهمون