عندما نشرت ناتالي ساروت (1900-1999) روايتها الأولى، "بورتريه لرجل مجهول" عام 1948 وضعها سارتر في مقدمة مؤلفي "الأعمال السلبية" إلى جانب نابوكوف، وإيفلين ووه، وأندريه جيد وأطلق على هذا النوع الـ "مضاد للرواية". في الخمسينيات من القرن الماضي، أصبحت الرواية المضادة هي الرواية الجديدة وأصبحت ساروت هي مؤسّستها.
في مقال نشرته المفكرة الألمانية حنا آرنت في مجلة "نيويوركر" في 5 آذار/ مارس 1964، حول سارُوت، ترى فيه أن كلّ هذه التصنيفات حول الرواية المضادة للرواية والسلبية والجديدة، هي تصنيفات مصطنعة إلى حدّ ما، وإذا تمّ تطبيقها على السيدة ساروت يصعب تقديم براهين عليها، فهي أشارت بنفسها إلى تأثرها بأسلافها وخاصة دوستويفسكي، وكافكا الذي ترى فيه الوريث الشرعي لدوستويفسكي. لكن ذلك بحسب آرنت، لا يمنع أن أول عملين لساروت كانا ضد افتراضات الرواية الكلاسيكية للقرن التاسع عشر، حيث يتحرك المؤلف والقارئ في عالم مشترك من كيانات معروفة جيدًا.
كتبت ساروت عن رأيها في الرواية والكتابة في عملها "عصر الشك"، وفيه تناولت تهدم البناء المعتاد للشخصية وللعلاقة بين القارئ والراوي التي يكون أساسها الشخصية.
تعود الناقدة وأستاذة تاريخ الأدب الفرنسي آن جفرسون إلى سيرة ساروت وعملها الأدبي في كتاب صدر مؤخراً عن "منشورات جامعة برنستون"، تحت عنوان "نتالي ساروت: حياة ما بين".
في "عصر الشك"، تناولت تهدم البناء المعتاد للشخصية وللعلاقة بين القارئ والراوي
تصف المؤلفة ساروت بأنها "ولدت في روسيا القيصرية لأبوين يهوديين، وسرعان ما اقتُلعت من جذورها وأُحضرت إلى المدينة التي أصبحت موطنها مدى الحياة، باريس. كان هذا التفكك نذيراً بحياة تتسم بالغموض والتناقض". وبعد انفصال أبويها وزواج كلّ منهما مرة أخرى، أصبحت ساروت "أختاً غير شقيقة في عائلتين، ومهاجرة روسية في باريس، ويهودية في المجتمع الفرنسي البرجوازي، وامرأة في عالم أدبي يحتكره الرجل، وقد تلقت تعليمها في أكسفورد وبرلين والسوربون. شرعت في مهنة القانون لكنها تعطلت بسبب الاحتلال النازي لفرنسا، وقضت الكثير من أيام الحرب مختبئة تحت تهديد دائم بأن ينكشف مكانها".
بعد انقضاء الحرب، ارتقت ساروت إلى مكانة بارزة في الأدب، ارتبطت في البداية بالدائرة الوجودية لبوفوار وسارتر، قبل أن تصبح رائدة ومنظّرة الرواية الفرنسية الجديدة في الخمسينيات والستينيات.
كتبت ساروت إلى جانب الرواية للمسرح، ومن أشهر نصوصها المسرحية؛ "الصمت" (1964)، و"الكذبة" (1966)، و"ما يسمى لا شيء" (1970)، و"إنها جميلة" (1975)، و"‘إنها هنا" (1978)، و"بنعم أو لا" (1981).
وكتبت أيضاً سيرة سنواتها الأولى بعنوان "طفولة" (1983)، ومن أبرز رواياتها "بين الحياة والموت" (1968)، أما آخر رواية لها فكانت بعنوان "قراءة" (1998)وصدرت قبل وفاتها بعام واحد.