أبلغت السلطات الأمنية العراقية عدداً من الناشطين والكُتّاب العراقيين، ممن يتصدرون المشهد الإعلامي ومواقع التواصل الاجتماعي، ويتخذون مواقف مناهضة للجماعات المسلحة المدعومة من إيران، بضرورة الحذر في تنقلهم والإبلاغ عن أي تهديد يتلقونه. وعُدّ التحذير مؤشراً جديداً على مخاوف جدية لدى حكومة مصطفى الكاظمي من استهداف كتّاب وباحثين وصحافيين مناوئين للمليشيات المسلحة والنفوذ الإيراني، أسوة بالكاتب والباحث هشام الهاشمي، الذي اغتاله مسلحون يُعتقد أنهم من مليشيا مسلّحة مقرّبة من إيران قرب منزله شرقي بغداد أخيراً.
في السياق، أفاد مسؤول في بغداد، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن للسلطات الأمنية مخاوف حقيقية من تكرار استهداف شخصيات مؤثرة في الرأي العام في العراق، على غرار استهداف الهاشمي، تشترك جميعها في كونها مؤيدة لخطوات حكومة الكاظمي في استعادة هيبة الدولة وفرض القانون، ومواجهة تغول المليشيات. وأضاف أن "هناك خشية من صفحة اغتيالات واسعة تستهدف كل صوت يدعو لترسيخ مفهوم الدولة ويقف ضد المليشيات التي بدأت تهدد الدولة العراقية أكثر من تهديد داعش لها عام 2014"، مؤكداً وجود عدد من الوجوه البارزة في بغداد ممّن تم إبلاغهم بضرورة الحذر في تنقلاتهم، وضرورة إبلاغ الأجهزة الأمنية عن أي حالة مشبوهة أو اتصال غير مريح بهدف توفير حماية لهم.
أبلغ عدد من الوجوه البارزة في بغداد بضرورة الحذر
في المقابل، كشف ناشط عراقي بارز في بغداد عن مغادرته إلى أربيل في الشمال العراقي بمفرده على أن تلتحق أسرته به فيما بعد، بسبب تهديدات تلقاها على حسابه في "فيسبوك"، مرفقة بحملة تشويه وافتراءات، لافتاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنه قرر أخذ تلك التهديدات على محمل الجد.
من جهتهم، ذكر مراقبون أن المتظاهرين في ساحة التحرير في العاصمة، الذين شيّعوا جثمان الهاشمي رمزياً، كانوا أكثر شجاعة عندما رفعوا شعارات مناهضة لمليشيا "كتائب حزب الله" العراقية، والنظام الإيراني، معتبرين أن الكتّاب والناشطين السياسيين باتوا أكثر قلقاً على حياتهم بعد اغتيال الهاشمي.
الناشطة والصحافية العراقية أفراح شوقي، التي سبق أن تعرضت للاختطاف على يد مليشيا مسلحة في بغداد، أشارت إلى أن "الوضع في العراق بات خطيراً جداً بالنسبة للناشطين الشباب"، مؤكدة لـ"العربي الجديد" أن "كُثراً من الناشطين يتعرضون عبر مواقع التواصل الاجتماعي لهجمة تهديدات بالقتل والتغييب، تشبه تماماً ما تعرض له الخبير هشام الهاشمي قبل اغتياله. ومثل تلك التهديدات عادة ما تأخذ حيز التنفيذ الفعلي كما ثبت بكل الجرائم الماضية، ففي العراق يمشي القاتل بحرية تامة في ظل حماية الأحزاب ومقرات المسلحين، أما العراقي الشريف وصاحب الرأي الحر فصار يخشى الإفصاح عن رأيه".
ورأت شوقي أن "ما يحدث حالياً في العراق يُعد انتكاسة خطيرة في الحريات وانتكاسة أكبر في الوضع الأمني للنشطاء والإعلاميين والمدونين"، مشيرة إلى أن "معالجة تلك الخروقات تكمن في بسط سلطة الدولة وإغلاق كل مقرات الفصائل المسلحة ومصادرة أسلحتها وجعل الولاء فقط للقانون وسلطاته. هذه مهمة حكومة مصطفى الكاظمي وإذا لم يستطع فعليه مكاشفة الشعب بأنه عاجز وعليه الانسحاب". ولفتت إلى أن "العراقيين بغالبيتهم يدركون فشل لجان التحقيق التي عادة ما يجري الإعلان عن تشكيلها لأجل امتصاص غضب الجمهور وإسكات ثورته. والقتلة والمليشيات لديهم حصانة من أي مساءلة قانونية حقيقية، وربما تضحّي الجهات المسلحة والقاتلة ببعض الأسماء المزيفة لمن سيُعتبرون قتلةً لكن الحقيقة أن قادة العصابات يحمون أنفسهم وعبر بوابة القضاء أيضاً، لأن القضاء عاجز تماماً عن إدراج أسماء القتلة الحقيقيين ومحاسبتهم". وعلى الرغم من أن الكاظمي وعد ذوي الهاشمي بملاحقة القتلة عبر لجنة تحقيق تشكّلت لهذا الهدف، إلا أن العراقيين لا يثقون باللجان الحكومية التي تنبثق بعد كل جريمة، كون القتلة يندرجون ضمن فصائل مسلحة لها ارتباطات بالحكومة ذاتها، إضافة إلى امتلاكها عمقاً سياسياً واضحاً.
لا ثقة باللجان الحكومية التي تُشكل للتحقيق بالاغتيالات
في السياق، قال النائب عن تحالف "سائرون" في البرلمان رعد المكصوصي، إنه "لا بد من أن يتم التحقيق في قضية مقتل الهاشمي بمهنية عبر مراجعة كل القرارات الأمنية في العاصمة بغداد، ولا سيما أن القَتَلَة كانوا يجولون بغداد بواسطة دراجات نارية وبالإمكان مراجعة كاميرات المراقبة في العاصمة لمعرفة أماكن وجودهم وهوياتهم". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة العراقية تتحمل مسؤولية حماية الناشطين والمفكرين والباحثين والصحافيين، وأي خرق أمني أو تهديد يصيب واحداً منهم يوجب على الحكومة أن تعمل على معرفة الجهات التي تقف وراءه، بل وإعلانها أمام الرأي العام"، موضحاً أن "العراق ينعم بكثيرٍ من الوطنيين والمثقفين وهم الثروة البشرية للبلاد، وبالتالي لا بد من الحفاظ عليها لا طردها وقتلها".
في غضون ذلك، حذر زعيم تيار "الحراك الشعبي للإصلاح والتنمية"، ليث شبر، من وجود "قائمة اغتيالات". وأفاد في تصريح لقناة تلفزيونية محلية عراقية، بأن الجهة التي اغتالت الهاشمي "هي ذاتها تختطف الدولة ولديها المغانم والعقود ومكاتب اقتصادية في كل المحافظات"، محذّراً من "وجود قائمة بأسماء من ستتم تصفيتهم بعد هشام الهاشمي". وأكد أن "هؤلاء كلهم في رقبة عادل عبد المهدي"، في إشارة إلى رئيس الوزراء السابق المُتهم بتمكينه المليشيات من التوغل في مؤسسات الدولة والمناصب الأمنية والعسكرية الحساسة. ولفت إلى أن "التحقيق في اغتيال الهاشمي سيكون على مفرقين، إما الذهاب إلى اللادولة أو استعادة هيبة الدولة"، مضيفاً أن "دم هشام سيحدد ذلك". وأضاف أن "حديث الهاشمي عن قيادات الحشد هو الذي سرّع قرار اغتياله، وأن التقرير الذي أعدّه الهاشمي يكشف الأعداد الحقيقية للمنتسبين الذين ينتسبون للفصائل الولائية".
أما الناشط المدني والمتظاهر من مدينة كربلاء محمد العسكري، فلفت إلى أن "المليشيات الموالية لإيران تضررت كثيراً من الانفتاح الإعلامي والجرأة لدى الجيل الجديد من الشباب العراقي والقوة في الطرح على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي لا تستطيع مواجهة هذا الموج الهائل من الأفكار الحديثة والتقدمية في المطالبة بتأسيس دولة مدنية غير خاضعة لمعادلات الأحزاب والجهات الدينية المتغلغلة في العمل السياسي". وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "المليشيات لا تملك أي وسيلة لردع الفكر المدني الحر إلا بالرصاص، وذلك لأنها فاشلة على مستوى تصدير مثقفين وخطاب نوعي لمواجهة الفكر بالفكر، وتلجأ إلى الرصاص وقتل المعارضين، وبعد اغتيال الهاشمي بات كل المفكرين العراقيين والصحافيين والناشطين في دائرة الخطر، خصوصاً مع وجود حكومة ضعيفة متحالفة مع الجهات المسلحة".
من جهته، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري لـ"العربي الجديد"، إن "أصحاب الخطاب الوطني مهددون من قبل جهات مسلحة متعددة، وهي تنسف المبادئ الديمقراطية التي من المفترض أنها تكرست في العراق بعد عام 2003"، مشيراً إلى أن "الحكومة الحالية لا تمتلك القدرة على حصر السلاح بيد الدولة، ونحن أمام لحظة مفصلية قد تتسبب بهجرة العقول العراقية الوطنية بسبب السلاح المنفلت والموجود لدى الكثير من الجهات".