في الرقة، ينظّم ناشطون سوريّون يعيشون تحت رحمة تنظيم "الدولة الإسلاميّة" (داعش)، حملات إلكترونيّة ونداءات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يفضحون من خلالها ممارسات التنظيم.
"الرقة تُذبح بصمت" حملة أطلقتها مجموعة من الناشطين لتوثيق الانتهاكات التي يرتكبها التنظيم الإرهابي الذي يتّخذ من المدينة عاصمة له بحقّ الأهالي والمدنيّين، ولتسليط الضوء على المحافظة المهملة ككلّ، من جميع أطياف الثورة ومن النظام على حد سواء.
يقول أبو البراء الدمشقي وهو واحد من هؤلاء الناشطين: "أن تندّد وترفض تصرّفات عناصر داعش الذي يحكم سيطرته على الرقة، يعني أن تذهب بقدمَيك إلى الهلاك. هو كما النظام يمارس شتى أنواع التعذيب والإرهاب بحقّ المدنيّين، وذريعته تطبيق الشريعة الإسلاميّة. وهذا الأمر دفع بعض شباب المدينة إلى المخاطرة بحياتهم لكشف حقيقة التنظيم المتستر بالدين، ونشر ما يمارسه في ظل تعتيم شبه كامل على الواقع". يضيف أن "ما ينشره التنظيم في وسائل إعلامه، هو ما يرهّب الناس من ذبح وصلب وتعذيب".
وتشكّلت الفكرة منتصف إبريل/نيسان من العام الماضي، عندما بدأ الوضع يزداد سوءاً في المحافظة التي تقع على الضفة اليمنى من نهر الفرات بعد سيطرة داعش على المدينة، خصوصاً بعدما بدأ بانتهاك حقوق الإنسان وكمّ الأفواه وخنق الحريات عبر ملاحقة الناشطين وخطفهم، بالإضافة إلى الاعتقالات العشوائيّة وارتكاب جرائم قتل كثيرة بحقّ المدنيّين.
وبعد إطلاق الحملة، كانت خطبة جمعة موحدة في جميع مساجد الرقة كفّر خلالها التنظيم فريق الحملة المؤلف من 17 شخصاً، وأُهدرت دماؤهم بتهمة "العلمانيّة والكفر". وقد توعّد التنظيم بمعاقبة أي شخص يساعدهم أو حتى يضع شعار الحملة على حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبالفعل نفّذ التنظيم تهديده إذ أعدم معتز بالله إبراهيم أحد هؤلاء الناشطين، مباشرة أمام الأهالي في إحدى الساحات العامة.
يقول مؤسّس الحملة أبو إبراهيم إن "التقاط صورة ما هو فعل يؤدي إلى قطع رأسك. وأي شخص يلقي التنظيم القبض عليه، مصيره الإعدام".
يضيف: "نحن جهة إعلاميّة مدنيّة مستقلة، لا نتبع أي جهة عسكريّة أو سياسيّة. نحن نحاول نقل الحقيقة بشكل حيادي ومن دون انحياز لأي طرف. وقد أخذنا على عاتقنا مهمة فضح النظام وجرائمه المرتكبة بحق أهالي الرقة وتوثيقها، وما زلنا مستمرّين بدورنا في فضحهم وتسليط الضوء على واقع محافظة الرقة التي ترزح تحت ظلم داعش والنظام معاً. هما يرتكبان الجرائم بحقها، بشكل دوري".
وتتوجّه الحملة في عملها إلى الرأي العام العربي وكذلك الغربي. فهي تنشر الأخبار وآخر التطوّرات في المدينة وريفها على صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة من قبيل "فيسبوك" و"تويتر"، وكذلك على مواقع مشاركة الأفلام من قبيل "يوتيوب" و"فيمو"، بالإضافة إلى موقع الحملة الخاص على شبكة الإنترنت والمخصّص لتوثيق الانتهاكات باللغتَين الإنكليزيّة والعربيّة.
ولأن هؤلاء الناشطين راحوا ينشرون تسجيلات فيديو وصوراً فاضحة لما يرتكبه داعش من تجنيد لأطفال واعتقالات بالجملة وإعدامات ميدانيّة، بالإضافة إلى أخبار موثقة عن احتكار التنظيم لموارد المدينة الاقتصاديّة، عمد التنظيم إلى تركيب كاميرات مراقبة أمام جميع النقاط الأساسيّة في الرقة وشوارعها الرئيسيّة، وقسم كتيبة الخنساء النسائيّة إلى قسمَين: مسلح ويعمل علناً وآخر غير مسلح ويعمل متخفياً. والأخير هو الأخطر على ناشطي الحملة، إذ لا يستطيعون تمييز أفراد الكتيبة من بين المدنيات بسبب النقاب المفروض على الجميع. وعلى الرغم من كل الاحتياطات التي يتخذها فريق الحملة، إلا أن ثمّة أفعالاً غير إنسانيّة يعجز الفريق عن توثيقها بسبب قبضة التنظيم الأمنيّة المُحكمة.
ومن أبرز ما نشرت الحملة، تحديد المواقع الجغرافيّة التي نفّذت فيها عمليات إعدام الرهائن الأميركيّين والأجانب في المدينة، بالإضافة إلى كشف الإنزال الأميركي على الرقة في يوليو/تموز الماضي. ويلفت أبو إبراهيم إلى أن "الجميع حينها قابلونا بالاستهزاء، حتى تحدّث البنتاغون عن المعلومات نفسها. وعلى الأثر، قصدنا الإعلاميّون من كل حدب وصوب، لا سيّما الأجانب منهم".
ويقول: "استطعنا إيصال صوت مدينتنا إلى الجميع. لكن عقبات عديدة تواجهنا، ومنها نقص المعدات الخاصة بالتصوير بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء الطويل في المدينة وعدم توفّر أجهزة الإنترنت". لكنهم وعلى الرغم من ذلك، هم مستمرّون في حملتهم "إلى حين تحرير الرقة من داعش".