لا يزال مستقبل الدول العربية التي تشهد ثورات، يقلق شبابها، خصوصاً في الاختلاف القائم في توصيف هذه الثورات. وفي هذا السياق، استطلعت "العربي الجديد" آراء عدد من الناشطين الذين شاركوا في الورشة الأكاديمية بعنوان "مستقبل الثورات العربية من منظور الشباب وخبرته"، التي نظّمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
يرى الناشط السوري، أسامة أبا زيد، بأن أهم أزمات الثورة العربية تكمن في أن "من قاموا بالثورة في بعض البلدان، رأوا عدم أحقيتها في بلد آخر، فبعض الثوريين في بلدانهم، لم يكونوا ثوريين في بلدان أخرى على الرغم من تشابه حالات الظلم والقمع".
ويعزو أبا زيد تعقيدات الوضع السوري إلى "تحوّل الأمر لحالة أكثر دموية، ما دفع الكثير من ثوار الربيع العربي إلى الإحجام عن إبداء موقف ثوري تجاه ما يحدث في سورية"، مشيراً إلى أن بعض الثوريين "تأثّر بمرجعيته السياسية لتحديد موقفه من الثورة". يضيف أبا زيد: "نحن متفاجئون من القوميين في بعض الدول العربية، والذين استمروا في مناصرة نظام بشار الأسد، الذي استعان بالإيراني، فالمفروض أن يكون الموقف مختلفاً باعتبار الأسد أكبر ثغرة في الأمن القومي العربي".
ولا ينفي أبا زيد وجود جهد في المساعدات، أو جهود إغاثية، لكنه يؤكد بأن "تحرّك الشارع العربي الثوري لمساندة الثورة السورية كان يمكن أن يدفع باتجاه مواقف عربية أكبر وأكثر تأثيراً".
ويعزو أبا زيد اختلاف المواقف من الثورة السورية إلى "عدم وجود قراءة عميقة ودقيقة لما حدث في سورية"، مضيفاً: "اليوم اتخذ البعض اتجاهاً أسهل باعتبار ما يحدث في سورية هو حرب أهلية، من دون الإلمام بتفاصيل الحالة السورية، وكيف جرت الأحداث، خصوصاً أن العنف لم يكن خياراً بل تم فرضه"، مذكّراً "بما حدث في حصار حمص من مجازر وحالات اغتصاب جماعية، وما حصل في غوطتي دمشق، ومجزرة داريا حيث قتل 800 شخص ذبحاً بالسكاكين، وما حدث في دوما من استخدام للكيماوي"، مشدداً على أن العنف لم يكن خياراً للسوريين، بقدر ما كان مفروضاً من النظام الدموي.
اقرأ أيضاً: "المركز العربي" يناقش مستقبل الثورات من منظور الشباب
من جهته، يرى الناشط الفلسطيني علي مواسي، أن "الأفق السياسي مسدود في فلسطين، في ظل عدم وجود أية قدرة على اشتقاق مسار سياسي لحل الحالة الاستعمارية في فلسطين، وتطوير العملية السياسية بأية جهة كانت"، معتبراً بأن هذا الأمر ناتج عن "انشغال العالم العربي، خصوصاً دول الثورات، بالوضع الراهن من ترسّخ الاستبداد، وحالات القتل والتشريد والفوضى الناتجة عنها".
ويلفت مواسي إلى أن القضية الفلسطينية في تراجع عربياً، بسبب "اختلاف الأولويات في الشارع العربي. فالسوريون على سبيل المثال، يواجهون إبادة جماعية ومجازر، وفي مصر هناك مواجهة لحالة استبدادية، واليمنيون مشغولون بالصراع بين الحوثيين والمقاومة اليمنية، بالإضافة إلى سؤال داعش في المنطقة"، معتبراً بأن كل هذه القضايا حازت أولوية متقدّمة على القضية الفلسطينية.
ويؤكد مواسي أن إسرائيل متورطة في إعاقة مسار الثورات، من أجل تحقيق مصالحها، شارحاً أن "إسرائيل تستغل هذه الظروف في المنطقة لتعزيز سياستها الاستعمارية وتستفرد بالفلسطينيين أكثر من أي وقت مضى، من أجل تمرير سياستها الاستيطانية في الضفة الغربية على سبيل المثال، وإمعان الحصار في قطاع غزة، بالإضافة إلى تكريس سياسات التمييز العنصري في أراضي الداخل الفلسطيني، كما حدث في حظر الحركة الإسلامية، والتهديد بحظر التجمع الوطني الديمقراطي".
ويرى بأن إعاقة الثورات العربية أثّرت بشكل مباشر على أوضاع الفلسطينيين، إن كان في الأراضي المحتلة أو على أوضاع فلسطينيي الشتات، لافتاً إلى أن "الحصار استمر في غزة، وعدم استثمار إنجازات المقاومة وتحويلها إلى مشروع سياسي، بسبب واقع الثورات العربية، خصوصاً في مصر"، مشيراً إلى أن نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي "متورط في حصار قطاع غزة دون شك". ويلفت إلى مثال آخر حول "تأثير إعاقة الثورات على حياة الفلسطينيين بشكل مباشر، وهو ما حدث من إبادة ومجازر بحق فلسطينيي الشتات، كما في مخيم اليرموك في سورية".
ويختم مواسي بأن "إسرائيل، وبسبب انشغال العالم العربي، تقدّمت خطوة أكثر جرأة في تهويد المسجد الأقصى".
أما الوضع في اليمن، فيقول عنه الناشط اليمني عدنان العديني، إن "هناك خوفاً باختفاء الآمال بالمواطنة والعدالة الاجتماعية، واستبدالها بأحلام تتمحور فقط حول الحفاظ على المذهب أو المناطقية". ويؤكد بأن واجب شباب الثورة "التأكيد على الوعي الوطني"، مضيفاً: "نحن شعوب نستحق الحرية، وأن يكون زمام أمورنا في أيدينا، وقد يتم ذلك مثلاً من خلال خلق حراك مجتمعي من شأنه الضغط على القوى الإقليمية والدولية وعلى المنظمات الإنسانية للقيام بواجبها وخصوصاً الإنساني في اليمن". ويؤكد أنه "لن يكون بمقدرة اليمنيين بناء الدولة فيما يتمسّك الحوثيين بحقهم في السلطة".
من جهتها، ترى الناشطة الليبية ليلى بن خليفة، أن الوضع في ليبيا جيد نسبياً مقارنة بالدول الأخرى. وتقول إن "الشباب لهم مساحات واسعة للمشاركة في العمل السياسي، ولكن المشكلة تكمن في الأطراف السياسية التي لدينا، وعدم رغبتها في إنهاء حالة الجمود التي أصابت كل مؤسسات البلاد". ولكنها تتخوّف من أن "تذهب الأمور للأسوأ في لبيبا بسبب الانقسام السياسي الحاصل"، معتبرة أن "الأمل يبقى في دور الشباب، إلا أن هناك حاجة ماسّة لفهم العمل المؤسساتي أكثر وإعطاء مساحات أكبر للإعلام".
اقرأ أيضاً: "المؤشر العربي 2015": 89% من العرب ضد "داعش"