ناشطون سوريون... تمسّك بالثورة وصمود في الوطن

ريان محمد

avata
ريان محمد
15 مارس 2018
A0CAF170-7672-43FA-9AB8-AA46B9DF389A
+ الخط -

خلال سبعة أعوام، هُجّر سوريون كثيرون من بيوتهم ومناطقهم. منهم من نزح إلى مناطق أخرى أكثر أماناً، ومنهم من ترك البلاد ولجأ إلى بلدان مجاورة وأخرى بعيدة. إلى هؤلاء، حسم آخرون أمرهم وقرّروا البقاء في سورية و"النضال" من أجلها.

تدخل الثورة السوريّة عامها الثامن، مع كلّ ما حملته الأعوام الأخيرة من ألم وقهر وموت واعتقال وإخفاء قسري وتهجير ونزوح ولجوء ودمار... وسط كلّ ذلك، لا سيّما اليأس المسيطر على أهل البلاد، ظلّ سوريون كثيرون متمسّكين بالأمل ومصرّين على الصمود في الوطن ومصمّمين على البقاء على تماس مع الآخرين وعلى العمل من أجل هؤلاء ومن أجل سورية حرّة على قدر آمالهم. مؤمنة أبو مستو، ومدين نحاس، ورضوان الحمصي، وأبو بشير دغمش، من هؤلاء الذين يحملون صفة "ناشطين"، وهذه حكاياتهم.

مؤمنة أبو مستو

من إدلب، حيث تكمل مؤمنة أبو مستو عامها الأول بعد تهجيرها من مدينة مضايا في ريف دمشق، تتحدّث إلى "العربي الجديد" عن الحصار الذي عانت وعائلتها منه، مثلما عانت مئات عائلات مدينة الزبداني التي اضطرت للنزوح إلى مضايا. اليوم، تتمسّك مؤمنة بحلم "العودة إلى مدينتي لأعيد بناء منزلي وزراعة أرضي"، في حين أنّها ما زالت تمارس في إدلب نشاطها المدني التطوّعي الذي كانت قد بدأته قبل أعوام، من خلال مبادرات مدنيّة تتعلق بتعليم الأطفال ودعمهم نفسياً بالإضافة إلى دعم النساء.

ومؤمنة أم لأربعة أولاد، ثلاث بنات وابن واحد، تقول: "كنا نعيش كأسرة نموذجية ميسورة الحال خارج البلاد، لكنّنا عدنا إلى سورية في شهر مارس/ آذار من عام 2011. حينها، كانت التظاهرات قد بدأت في الزبداني، وسرعان ما انخرطت فيها مع اثنَين من إخوتي، مشاركة وتنظيماً". تضيف: "عملت تطوعياً مع ستّة ناشطين وناشطات على نقل أخبار الحراك وأسباب ثورتنا عبر مجلة محلية على شبكة الإنترنت. وبعد نحو عشرة أشهر، اكتشفنا أنّ ثمّة من يستغل الثورة لتحقيق أرباح مالية. كان واحداً منّا وأكثرنا تحمّساً للثورة، وكان يحصل على تمويل للمجلة من إحدى المنظمات من دون علمنا. كانت تلك أول صفعة في فبراير/ شباط 2012. بعد ذلك، صار السلاح ينتشر بين الناس لأسباب عدّة. بالنسبة إليّ، ما يهمّ هو أنّنا فشلنا في المحافظة على سلميّة الثورة. وبعد قليل من طغيان السلاح على العمل المدني، أيقنت أنّهم يسرقون الثورة منّا، فقررت مغادرة الزبداني والانتقال إلى مضايا التي كانت مستقرة نوعاً ما. وبعد أشهر من إقامتي فيها ووفاة ابنتي الكبرى في حادث سير، راحت الأوضاع في البلاد تتدهور بصورة متسارعة. وصارت الثورة مأزومة، فقررت العمل في السياسة، وانضممت إلى أحد التيارات السياسية وشكّلت مع مجموعة من الناشطات جمعية ضمّة، وكنا نهتم بمجال التعليم ورعاية الأطفال".

"سورية لنا!" (بوانت كيليتش/ فرانس برس)

وتتابع مؤمنة أنّه "على الرغم من أنّ عملي مدني، اعتُقلت في سبتمبر/ أيلول من عام 2013 لأسابيع عدّة، ومن بعدها استأنفت نشاطي وحاولت مع عدد من النساء الناشطات الدخول في تسوية تنهي الاقتتال وتعيد الأهالي إلى المدينة. لكنّ الرهان كان كبيراً على السلاح في إسقاط النظام، كذلك كان في الجهة الأخرى من لا يريد وقف القتال، ففشلت مساعينا. هكذا، رأيت نفسي أتوجه إلى العمل في مجال تنمية المجتمع ومساعدته على تحمّل كوارث الاقتتال. فنفّذنا مشاريع عدّة، تنموية واقتصادية وتعليمية وإغاثية".

ولا تخفي مؤمنة أنّه "مرّت عليّ فترات كنت أشعر فيها بأنّني مهدّدة من قبل كل الأطراف المتحاربة. وقد تلقيت بالفعل تهديدات مباشرة، لكنّني ما زلت أؤمن بأنّ سورية هي جنّة من جنان الأرض، وأحلم بتوقّف القتل والتجويع، لأنّ ذلك لا يخدم أحداً وتجّار الحرب مستفيدون". وتؤكد أنّها تحلم بـ"دولة يكون فيها كلّ إنسان حراً في حياته ودينه ورأيه، من دون إلحاق أيّ ضرر بالآخرين. وأحلم باستعادة سيارتي وبالعودة إلى منزلنا ومطبخي، وبالعمل في مجال التعليم والشأن العام".

مدين نحاس

من معرّة النعمان، مدينته، كان الناشط مدين نحاس يراقب ما يجري في درعا في بداية الثورة. يخبر "العربي الجديد" أنّ "أوّل تظاهرة في معرّة النعمان خرجت بعد أشهر، إذ كان الجميع متخوّفاً من الأمن وغير قادر على التعبير عن رأيه. لكن حاجز الخوف كسر، وراح الناس يشاركون في التظاهرات، ليبدو الأمر واضحاً في يوليو/ تموز من عام 2012". يضيف مدين أنّه "حينها، قررت مع عدد من الناشطين نقل ما يحدث في مدينتنا. لم نكن نملك التقنيات المطلوبة لرفعها على شبكة الإنترنت أو إرسالها. لكنّ الفكرة وُجدت، وبدأنا نصوّر بهواتف بدائية جداً ونبثّ التسجيلات عبر مواقع إلكترونية. ومن تلك المواقع كانت محطات التلفزيون تنقل ما يجري".

ويتابع مدين أنّه في وقت لاحق، "شكّلنا ما يسمّى تنسيقية معرّة النعمان وريفها، واشترينا كاميرات ذات تقنية أفضل، وصرنا نبثّ مباشرة ونتعاون مع الوكالات المحلية والدولية لنقل ما يحدث في سورية. كذلك، كنّا ننسّق مع ناشطين من مناطق أخرى". ويوضح مدين: "أنا شاركت في الثورة بعدما شاهدت كيف كانت تواجَه التظاهرات السلمية وتهاجَم، وكيف تطلق دوريات الأمن الرصاص على المتظاهرين. أظنّ أنّني حينها اخترت نقل أحلام السوريين ومطالبهم. أمّا اليوم، فقد اختلفت الرسالة نوعاً ما، إذ إنّنا وبدلاً من نقل الأحلام صرنا ننقل أخبار الموت والقصف ومعاناة السوريين".


رضوان الحمصي

في ريف إدلب، يستقرّ الناشط رضوان الحمصي اليوم، هو الذي تهجّر من بابا عمرو في حمص. يخبر "العربي الجديد" أنّ بداية مشاركته في الثورة السورية كانت من خلال تظاهرات حمص، "عاصمة الثورة"، التي اشتهرت بأعداد المشاركين فيها والشعارات التي أطلقتها. ويقول رضوان: "كنت أخرج في التظاهرة وأصوّر بهاتفي المحمول، من دون أن أعلم سبب ذلك. وفي يوم، قرّرت نشر ما أصوّره على مواقع التواصل الاجتماعي، ليبدأ الصحافيون بالتواصل معي ومع أمثالي من الناشطين، وكذلك القنوات التلفزيونية. من خلالنا كانوا يعرفون ما يحدث على الأرض وينقلون ذلك عبر صور وتسجيلات فيديو. هكذا صار الأمر شغلي الشاغل".

بعد حملات عسكرية عدّة على بابا عمرو، توجّه رضوان إلى دمشق حيث بقي نحو عام ونصف العام، ثمّ راح يتنقّل بين عدد من المناطق السورية الثائرة إلى أن انتهى به المطاف في إدلب. ويلفت إلى أنّ "المميز في تلك الفترة هي العلاقة التي بُنيت مع ناشطين في مختلف المحافظات ليُستكمل التواصل عبر الإنترنت وغرف التنسيقيات". وفي إدلب، شهد رضوان معارك وقصفاً على مناطق إدلب، وما زال يحاول نقل معاناة السوريين، على الرغم من أنّه أصيب مرّات عدّة. وآخر إصاباته كانت في معسكر المسطومة في ريف إدلب، وقد جعلته يستعين بعكازات لفترة طويلة.

اليوم، لا يخفي رضوان امتعاضه ممّا وصلت إليه الحال في سورية. بالنسبة إليه، "بعد عام 2013، لم تعد ثورة مثلما خبرتها. الأمر صار مسألة بيع وشراء". إلى ذلك، "ما زلت أحلم بالعودة إلى شوارع بابا عمرو"، لكنّه يعبّر عن "قلقي على مستقبل سورية في ظل بقاء النظام وكذلك في ظل ما أوجده تجّار الدين الذين يدّعون أنّهم ثوار". ويشدّد على أنّ "الخلاص هو باندثار هؤلاء وإفساح المجال أمام المتعلمين والمثقفين والمدنيين للعمل. حينها تصير سورية أجمل". على الرغم من نقمته تلك، فإنّ رضوان يؤكّد أنّه باقٍ في سورية ويحاول مواصلة ثورته "كرمى لشهداء الثورة الأوائل والمعتقلين حتى اليوم في سجون النظام".

"هذه قضيّتي" (مصطفى أوزر/ فرانس برس)

أبو بشير دغمش

ما زال أبو بشير دغمش، ابن المليحة، في الغوطة الشرقية، يتذكّر الأيام الأولى للثورة على الرغم ممّا يعانونه اليوم في الغوطة من حصار وقصف وتهديد بالتهجير. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "امتلاكي دراجة نارية جعل الشباب في الغوطة يعتمدون عليّ في التظاهرات الأولى لمراقبة مداخل البلدة، خوفاً من هجوم الأمن على المتظاهرين. في وقت لاحق، صار هذا العمل منظماً وتشارك فيه مجموعة من الناشطين". ويخبر أبو بشير أنّه "في إحدى التظاهرات، رأينا عناصر الأمن يقفون قبالتنا على بعد 300 متر وقد أخذوا وضعية الاستعداد لإطلاق النار. كنّا واثقين من أنّهم لن يطلقوا النار علينا، بل هم يحاولون إخافتنا، إذ إنّهم إخوتنا. وما الذي قلناه أو فعلناه ليطلقوا النار علينا! لكنّهم أطلقوا النار، وكانت الصدمة الكبرى بالنسبة إلينا". يضيف أبو بشير أنّه "لبرهة، لم أصدّق. صرت أسمع أزيز الرصاص يمرّ بيننا. ركضنا بعدها وقد استشهد أحد المتظاهرين وجُرح آخرون. في ذلك اليوم، لم أعلم أن طبيعة نشاطي سوف تتبدّل من متظاهر يشغله تأمين المتظاهرين ورصد تحركات الأمن إلى مسعف للجرحى".

ويتابع أبو بشير: "يومها، لم تستقبل المستشفيات والنقاط الطبية الجرحى، فنقلناهم إلى إحدى مزارع البلدة وتواصلنا مع أحد الأطباء ليسعفهم. كان طبيباً مسيحياً، وهو ما يؤكد أنّ الثورة لم تكن طائفية. مطالبها كانت تمسّ كل السوريين، وفي التظاهرات كان يشارك شباب مسيحيون ودروز وآخرون". ويشدّد على أنّ "الثورة لم تكن إسلامية ولا سلفية أو غيرها". يتوقّف ليشير إلى أنّ مرض ابنته لفترة طويلة وقضاؤه معظم وقته في المستشفيات، وكذلك إصابة أخيه من بعدها، دفعاه لأن يكتسب معرفة بالأدوية وببعض أساليب العلاج، كالحقن وغيرها، بالإضافة إلى معارفه من الأطباء. ثمّ يعود أبو بشير ليكمل حديثه عن المزرعة، فيقول: "ساعدت الطبيب في إخراج طلقات نارية من أجساد الجرحى. وقد عانينا كثيراً لتأمين الضمادات الطبية وأدوية التعقيم والخيوط الطبية. فتوليت مهمّة تأمين المستلزمات وتواصلت مع أحد الأطباء". يضيف أنّه بعد ذلك، "شكّلنا فريقاً من 15 شاباً حينها، ورحنا نسعف الجرحى من دون الكشف عن هوياتنا. ومع زيادة العنف من قبل النظام واستخدام الأسلحة الثقيلة وبدء عمليات السيطرة على الغوطة من قبل الفصائل المعارضة، أقمنا نقطة طبية هي الأولى في الغوطة، وراح يتعاون معنا ثلاثة أطباء من طائفة الموحّدين الدروز وطبيب مسيحي. وأنا تابعت عملي في تأمين المستلزمات الطبية والأدوية ورعاية الجرحى. وصار الكادر الطبي يكبر حتى وصل إلى 10 أطباء".


بعد ذلك، تحوّل أبو بشير إلى العمل في فرق الإطفاء والإسعاف، وسرعان ما شكّل نواة للدفاع المدني في الغوطة الشرقية انضمّت إلى منظمة الدفاع المدني. تسلم إدارتها لفترة، قبل أن يتنازل عنها لمصلحة من يحمل شهادة جامعية وقادر على تطوير عملها. بالتالي، راح يواصل عمله كعنصر في الدفاع المدني حتى يومنا هذا، في حين يحلم بأن "تتوقّف الحرب وأعود إلى بلدة المليحة وأحقق أحلام الثورة التي كنت أرددها في التظاهرات... حرية وكرامة لكل السوريين".

ذات صلة

الصورة
النازح السوري محمد كدرو، نوفمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

أُصيب النازح السوري أيمن كدرو البالغ 37 عاماً بالعمى نتيجة خطأ طبي بعد ظهور ضمور عينيه بسبب حمى أصابته عندما كان في سن الـ 13 في بلدة الدير الشرقي.
الصورة
فك الاشتباك جندي إسرائيلي عند حاجز في القنيطرة، 11 أغسطس 2020 (جلاء مرعي/فرانس برس)

سياسة

تمضي إسرائيل في التوغل والتحصينات في المنطقة منزوعة السلاح بين الأراضي السورية ومرتفعات الجولان المحتلة، في انتهاك لاتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974.
الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة