ضربت العاصفة الثلجية منطقة الشرق الأوسط. كثيرون لزموا منازلهم، باستثناء اللاجئين السوريين في كل من لبنان وسورية والأردن. هؤلاء لا يملكون خياراً غير الخيام. عملوا على تحصينها بعض الشيء، من دون أن يقيهم ذلك البرد القارس. كأن المعاناة الحقيقية تُصيب هؤلاء، ربما لأنهم الحلقة الأضعف في هذا الشرق.
في الأردن، أنهى اللاجئ السوري رشيد كليب (20 عاماً)، ونحو 100 لاجئ آخرين يقيمون في تجمع عشوائي على تخوم العاصمة عمّان، استعداداتهم لاستقبال العاصفة الثلجية. جمعوا كميات من الحطب للتدفئة، وغطوا الخيم القماشية بقطع من البلاستيك لمنع وصول الأمطار إليها، وحفروا خنادق (قنوات) حولها لمنع دخول المياه إليها.
يقول كليب لـ "العربي الجديد" إن جميع الاستعدادات التي بذلناها لمواجهة العاصفة لن تصمد طويلاً في حال استمرت، مضيفاً: "لا يمكننا القيام بأكثر من ذلك". يؤكد أن "مشكلة التدفئة هي أكثر ما يؤرّق اللاجئين في المخيم العشوائي الذي تساقطت عليه الثلوج، من دون أن تتوفر لديهم وسائل التدفئة".
يحرم اللاجئون المقيمون في التجمعات العشوائية من المعونات العينية التي تقدمها جمعيات الإغاثة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي تقدم مساعدة مالية شهرية للمقيمين في هذه التجمعات (18 دولاراً للاجئ)، وهو "مبلغ لا يكفي لعمل شيء"، بحسب كليب. ينتظر اللاجئون اشتعال الحطب جيداً قبل الدخول إلى خيمهم. في الوقت نفسه، يخشون احتراقها أو الاختناق جراء الدخان المنبعث.
الحال نفسه تعاني منه المخيمات الرسمية الخمسة، التي تُؤوي نحو 20 في المائة من مجموع اللاجئين السوريين في الأردن البالغ عددهم بحسب التقديرات الرسمية مليون ونصف المليون لاجئ. ويمكن القول إن اللاجئين في الكرفانات أكثر أماناً من القاطنين في مخيم الزعتري (80 كلم شمال شرقي عمّان). يقول عضو اللجنة الشبابية السورية في مخيم الزعتري محمد خلف إن "الرياح العاتية وتراكم الثلوج في الزعتري جعلت جميع المقيمين في الخيم من دون مأوى، فتم نقلهم بشكل مؤقت إلى مراكز استقبال مخصصة للحالات الاستثنائية.
في السياق، يوضح مسؤول المعلومات والاتصال الجماهيري في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نصرالدين طوايبية أن المفوضية تأمل أن "يتم استبدال ما تبقى من خيم في الزعتري بكرفانات"، لافتاً إلى أن "المفوضية أعدت خطة طوارئ للتعامل مع فصل الشتاء في مخيمات اللاجئين، وقد دخلت حيز التنفيذ خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتتضمن حفر خنادق وتوزيع ملابس شتوية ووسائل تدفئة".
في سورية، لا يبدو الناس في حال أفضل. شهدت المناطق الساحلية والشمالية هطولاً كثيفاً للأمطار المحملة برياح قوية، وخصوصاً في اللاذقية وعفرين في حلب وشطحة في ريف حماه، بحسب نشرة الأرصاد الجوية في وزارة الزراعة السورية. يقول مصطفى يوسف من مدينة عفرين إن "حركة السير توقفت تقريباً، وتسربت مياه الأمطار إلى المنازل، وألحقت أضراراً في المحال التجارية التي انشغل أصحابها بنقل بضائعهم إلى طوابق عليا". يشكو "الارتفاع الكبير لأسعار المواد الغذائية، وانقطاع الخبز بسبب شلل حركة الأسواق".
وكانت المناطق الواقعة على الحدود السورية ـ التركية، حيث مخيمات اللاجئين السوريين، الأكثر تضرراً على الإطلاق. يقول فيصل نجيب إن "اللاجئين يعانون جراء العاصفة المصحوبة برياح قوية، والتي أدت إلى سيول ألحقت أضراراً كبيرة بالخيم، وخصوصاً في تجمع الكرامة ومخيم أطمة". فيما يوضح مدير فريق "غراس الأمل" التطوعي في مخيم أطمة الحدودي عبد الرزاق عبد الرزاق، لصحيفة "العربي الجديد"، أن "عدد الخيم التي اقتلعتها السيول والرياح قد تجاوز ألفي خيمة حتى الآن، ما دفع السكان إلى النزوح إلى القرى المجاورة بحثاّ عن مأوى".
يضيف أن "المخيم بات بحاجة ماسة إلى عوازل لحماية ما تبقى من خيم"، لافتاً إلى "تأخر تدخل المنظمات الإغاثية، بسبب كثرة المعاملات الرسمية على الحدود".
في لبنان أيضاً، انهارت بعض الخيم، فيما استسلم آخرون للسيول التي اجتاحتها. تسربت مياه الأمطار إلى بعض مخيمات اللاجئين في مختلف المناطق، وعزلت الثلوج الكثيفة بعضها الآخر.
في بلدة عرسال على الحدود الشرقية مع سورية، بلغت سماكة الثلوج 75 سنتيمتراً، وتدنت الحرارة إلى ما دون الصفر، علماً أن هذه البلدة ترتفع نحو 2500 متر عن سطح البحر. في السياق، يقول عدد من اللاجئين لـ "العربي الجديد" إن "الثلج طمر بعض الخيم في المخيمات القريبة من جرود عرسال، وانقطع التواصل مع مئات العائلات في جرود البلدة قرب الحدود مع سورية".
يقول أبو حسين من مدينة يبرود السورية إن "كثافة الثلوج فاقت التصورات، ولم نتمكن من النوم بسبب البرد الشديد. حتى الصوبيات (مدفأة تعمل على المازوت) لم تكن كافية". أما أبو خليل، فيشير إلى أن "كثافة الثلوج غير مسبوقة في عرسال، على الرغم من اعتيادنا البرد الشديد، نتشارك البطانيات ونلتصق ببعضنا بعضا".
وإلى منطقة عكار شمالي لبنان، ضربت العاصفة مخيمات اللاجئين ما أدى إلى اجتياح السيول عدداً منها. ويقول المشرف على مخيم الرحمة في منطقة سهل عكار عدنان التلاوي إن "تعطل شبكة الاتصالات أدت إلى انقطاع الاتصال ببعض المخيمات"، لافتاً إلى أن الأضرار (حتى يوم أمس) اقتصرت على تسرب المياه إلى بعض الخيم".
وفي منطقة المثلث الحدودي جنوبي لبنان، تساقطت الثلوج في بلدة الهبارية على ارتفاع 750 مترا، وقد نجحت العائلات والجمعيات الأهلية في تأمين الاحتياجات الأساسية لنحو 2500 عائلة لجأت من محافظات سورية الجنوبية عبر ممرات جبل الشيخ التي سدتها الثلوج. وتقول مصادر محلية في بلدة شبعا لـ "العربي الجديد" عن "وجود صعوبات في تأمين وسائل تدفئة لنحو 800 عائلة سورية، مع نفاذ الكميات التي تم توزيعها قبل أسبوعين".
وتجدر الإشارة إلى أن العاصفة الثلجية أدت إلى تعليق حركة الملاحة في مطار بيروت الدولي لساعات عدة، وتعطيل المدارس الخاصة والرسمية.