نادر داود: ليست صوراً تذكارية

06 فبراير 2016
(من أعمال داود)
+ الخط -

يبدو أن الصُّدفة لم تكن صدفةً بالضبط، بقدر ما كانت حدساً يدور في بال الأيام، ليقود أحدهم إلى لحظةٍ ومكانٍ معيّنَين. سيكون عليه حينها أن يتدبّر الأمر، وينفّذ المهمّة: مصوّرٌ متدرّب في صحيفة، وجد نفسه في مهمّة مستعجلة؛ عليه أن يحلّ بديلاً عن المصوّر الأساسي الغائب عن عمله.

هكذا، قبل عشرين عاماً، التقط المصوّر الفوتوغرافي الأردني نادر داود صورته الصحافية الأولى، بعد أن كان يمارس التصوير كهواية: "لم يكن السحر ليكتمل من دون دخول "الغرفة السوداء"، ومزج المحاليل وانتظار الصورة"، يقول في حديثٍ إلى "العربي الجديد".

بعد عشرين عاماً من تلك الحادثة، تغيّر منظور داود إلى مهنته، أو، بشكلٍ أدق، إلى فن التصوير الفوتوغرافي. آنذاك، كان الأمر بالنسبة إليه ليس أكثر من التقاط صورةٍ صالحةٍ للنشر، إلّا أنه الآن ينظر إليه بوصفه "حلقة وصلٍ ما بين الحقيقي والمتخيّل؛ فهو، إلى جانب الفن التشكيلي، أحد الفنون البصرية التي من خلالها يمكننا فهم اللوحة التي تدفعنا إلى التأمّل".

في هذا السياق، يرى داود أن للتصوير الفوتوغرافي دورا مهمّا في تعزيز الوعي تجاه مختلف الفنون البصرية؛ فهو "سهل الإنتاج قياساً بالتشكيل، وربّما أكثر شعبيةً؛ لأنه يمسّ واقع المتلقّي وحياته اليومية، ما يزيد من توريطه في قيمة هذا الفن، الذي بدوره سيؤثّر أكثر على نظرته إلى بقية الفنون البصرية".

وفعلاً، فقد تحوّلت كثير من الصور الفوتوغرافية، الصحافية خصوصاً، إلى أعمالٍ تشكيلية لاحقاً، مثل صورة الطفل السوري إيلان الكردي الذي عُثر على رفاته على أحد شواطئ تركيا، وكانت صورته ذات وقعٍ كبير على الرأي العام العالمي. هنا، لا بدّ من الإشارة إلى مخيّم الزعتري في شمال الأردن، الذي كان محطّة لجوءٍ للمواطنين السوريين الذين طاردتهم الحرب.

شاهدنا صوراً كثيرةً للاجئين في "الزعتري"، تُعبّر عن مأساتهم. لكن تظلّ هناك أسئلة أخلاقية حول طريقة التقاط الصور لهم، ودورها في نشر ما يحلّ بهم من دون ابتذال مأساتهم. يقول داود: "الأساس في التغطية الصحافية عموماً هو نقل المعاناة لزيادة الوعي بهذه المشكلة، بشرط حفظ كرامة الأشخاص".

يوضّح: "وضع اللاجئين السوريين في المخيّمات أسوأ من أن يحتمل زيارات "المتعاطفين" والتقاط الصور التذكارية مع شعب فقد كل ما يملك وعاش لاجئاً في صحراء مُهلِكة". يستدرك: "للأسف، تناولت وسائل الإعلام المحلية قضايا اللاجئين من خلال المنظومة الإعلامية لمنظّمات الأمم المتحدة التي تُبرز عطاياها ومكارمها للاجئين".

يُلاحَظ في الصور التي يلتقطها داود، غياب ما نجده لدى كثير من المصوّرين؛ وجوه المشرّدين والفقراء الذين يقطنون الشوارع. لماذا؟ يجيب: "ما لم يكن هناك هدف لالتقاط صور المشرّدين و"المجانين" في الشارع، فلا داعيَ لذلك.

عادةً، أعمل على ما نسمّيه "صور الشارع"، ليراها أصحاب القرار في مجال عمالة الأطفال، مع حفظ كرامتهم والبعد عن التشهير والأذى النفسي". يضيف: "أتذكّر هنا ما قاله رئيس تحرير صحيفة "بيلد" الألمانية: يجب علينا إرغام أنفسنا على النظر. فمن دون صور، سيكون العالم أكثر تجاهلاً، وسيظلّ المحتاجون منسيين وضائعين. الصور هي صرخات العالم".

هكذا، يسعى داود إلى تمرين عينيه على النظر إلى بيئته ومجتمعه بطريقةٍ مختلفة، محاولاً العثور على ما هو جديد؛ فيجوب، عادةً، بقية المحافظات الأردنية، متجنّباً البقاء الدائم في المركز/ العاصمة: "البحث عن التفاصيل في الأماكن الجديدة عادة ما يكون أسهل من الأماكن التي نعتاد عليها؛ فبحث المصوّر عن لقطات في مدينته أصعب لأنه معتادٌ على المكان، لكن نجد عشرات الصور والقصص في مكان لم تألفه العين، بسبب الدهشة التي تقود إلى المزيد من الاكتشاف".

يبدو أن سهولة الحصول على كاميرا، سهّلت دخول كثيرين إلى حقل التصوير الفوتوغرافي، لدرجة أن نكاتاً أصبحت تُطلَق على الأمر: كل من يشتري كاميرا، يفتح صفحة على الفيسبوك باسمه. يعلّق داود على هذه المسألة: "يُلاحظ أن هناك استسهالاً لهذا الفن.

كثيراً ما نخسر لقطات بسبب الفضوليين الذين يريدون تجربة كاميراتهم أثناء حفل أو مناسبة معيّنة، لأنهم لا يجيدون استخدامها بشكلٍ سليم، ما يُعطّل عملنا". لكن، بالنسبة إليه، ما يعطّل عمله أكثر هو "الرقابة البوليسية التي تُفرض علينا، ليس في الأردن فقط، وإنما في عدّة بلدان عربية. حتى لو كان معنا تصريح بالتصوير، فإنهم يرهقوننا بالأسئلة، وقد يفوّتون علينا الكثير، وكل هذا يحصل بدعوى أمن الوطن".

من جهةٍ أخرى، يخضع المصوّر الصحافي في عمله إلى اعتبارات مهنية عديدة بعيداً عن هذه الإجراءات الأمنية، مثل الحياد والموضوعية وعدم تعديل صوره بواسطة برامج التحرير؛ لذا، بالنسبة إلى داود، فالأهم هو "العناية والتفكير في الصورة، قبل التقاطها، وليس بعده".


ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
حضور محتشم
على عكس معارض الفن التشكيلي التي تعرف حضوراً لافتاً في الأردن، تشهد معارض التصوير الفوتوغرافي حضوراً محتشماً. يفسّر نادر داود ذلك بطبيعة توجهات القسم الأكبر من المصوّرين: "لا تخرج معظم الصور عن إطار لقطات الرحلات الربيعية والمناظر الطبيعية، في مقابل ندرة حضور الطابع المفاهيمي أو التقاط الحياة اليومية من منظورٍ فنّي يبتعد عن الأسلوب النمطي في التصوير".


اقرأ أيضاً: نساء رند عبد النور المتواريات: في أثر الضحايا

المساهمون