ناجي العلي... صيد إسرائيل في المياه العكرة

30 اغسطس 2017
معرض لأعمال العلي بالمتحف الفلسطيني في بيرزيت (فرانس برس)
+ الخط -

بعد 30 عاماً على جريمة اغتيال رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، قررت السلطات البريطانية، أمس الثلاثاء، فتح التحقيق مجدداً في ملابسات إطلاق النار الذي أصاب ناجي العلي في غرب لندن يوم 22 يوليو/ تموز 1987، وتركه يصارع الموت حتى فارق الحياة بعد أسبوع. وأبدى محققو الشرطة البريطانية أملهم في أن يُساعد تغيّر الكثير من الأحوال السياسية والأمنية خلال العقود الثلاثة الماضية، على الوصول إلى القاتل الحقيقي، أو على الأقل التعرف إلى حقيقة الجهة التي دبرت عملية الاغتيال ونفذته، وسط ظروف تداخلت فيها التهديدات السياسية والشخصية التي واجهها العلي.

وبحسب رئيس قيادة مكافحة الإرهاب في شرطة العاصمة البريطانية، دين هايدون، المشرف على القضية، فإن "الشرطة تابعت عدداً من خيوط التحقيق التي لم تقدنا إلى التعرف على هوية الرجلين". وأضاف: "بيد أن الكثير يمكن أن يتغير في 30 عاماً، فالولاءات تتغير والناس الذين لم يكونوا راغبين في الحديث حينذاك ربما صاروا مستعدين الآن للتقدم بمعلومات حاسمة".

وعلى الرغم من الملابسات المعقّدة التي تابعت حادثة الاغتيال، وتعدّد الجهات التي وُجّهت نحوها أصابع الاتهام، إلا أن كل المعطيات المنشورة، ومن أكثر من مصدر فلسطيني، وعربي، وغربي، أشارت إلى "تورّط إسرائيلي مباشر في اغتيال ناجي العلي، انتهزت فيه أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تصاعد الخلاف بين رسام الكاريكاتير وقيادات فلسطينية، وخروج هذه الخلافات إلى العلن، إلى حد تهديد ياسر عرفات بحرق أصابع ناجي العلي بمادة الأسيد".

وكشفت المصادر أن "الأجهزة الإسرائيلية رأت أن الماء العكر بين العلي والقيادة الفلسطينية، يُمثل مناخاً مناسباً لتنفيذ جريمة نظيفة، تضرب أهدافاً عدة بطلقة واحدة. فمن جهة، سيعمّق اغتيال العلي، الخلافات داخل الساحة الفلسطينية، ولا سيما مع اتهام الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات شخصياً بالجريمة، ثم إن تنفيذ العملية على الأراضي البريطانية، واتهام قيادة منظمة التحرير، سيؤدي إلى ضرب العلاقات الفلسطينية البريطانية". وظهرت علاقة إسرائيل المباشرة بالجريمة، مع كشف العلاقة بين المتهم الأول وجهاز الاستخبارات الإسرائيلي، الموساد، الذي جنّد عميلا فلسطينيا، هو إسماعيل صوان، ثم أرسله إلى أكثر من عاصمة غربية تحت غطاء "الدراسة الجامعية"، قبل إرساله إلى بيروت ثم طرابلس (ليبيا) للتدرب على السلاح ثم تونس حيث القيادة الفلسطينية، وأخيراً إلى بريطانيا للمساعدة في تصفية القائد الجديد لـ"القوة 17"، عبد الرحيم مصطفى، المقيم في لندن.

ومع أن مهمة صوان كانت بداية التعرف على القائد الفلسطيني، وتمتين العلاقة الشخصية معه، قبل استدراجه إلى خارج بريطانيا، حتى يصفيه العملاء "الإسرائيليون"، إلا أن لقاءً عابراً بين الرجلين كشف عن توتر العلاقات بين قيادة منظمة التحرير، والعلي. فقد رأى صوان قائد "القوة 17"، ممسكاً بنسخ من صحيفة "القبس" الكويتية، وعلى صفحاتها رسومات ناجي العلي، التي تهاجم القيادات الفلسطينية. وصرخ القائد الفلسطيني أمام صوان بأن "الرسام يستحق الموت، وإعطاء درس لأسياده الكويتيين".



وأفادت المعلومات التي نشرت منذ حادثة الاغتيال بأن "العميل نقل وقائع هذا اللقاء إلى ضباط الموساد، الذين وجدوا فيه فرصة، حتى وإن كلف الأمر التضحية بالعميل الذي تمت إعادته إلى لندن بعد يوم واحد من نقله إلى تل أبيب، مع إيهامه بأن كل شيء تحت السيطرة، ولا داعي للخوف. ومن دون حذر قرر صوان العودة إلى لندن يوم الرابع من أغسطس/ آب 1987، فتمّ توقيفه في المطار من قبل رجال الأمن البريطانيين، واتهامه باغتيال ناجي العلي. وحين صرح بعلاقته بجهاز الاستخبارات الإسرائيلي ضحك المحققون البريطانيون في وجهه.

وحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فقد "تبيّن لدى المحققين البريطانيين أن الذي نظم عملية الاغتيال، عبدالرحيم مصطفى هو أحد قادة القوة 17، المسؤولة عن أمن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وكان عميلاً مزدوجاً للاستخبارات الإسرائيلية. وعندما اعترف مصطفى وعميل آخر يدعى بشار سمارة بأنهما عميلان للموساد، سارعت لندن إلى طرد ثلاثة دبلوماسيين إسرائيليين، من بينهم الملحق في السفارة الإسرائيلية زرييه ريغب من أرضها، معتبرة أنهم شخصيات غير مرغوب بها، وقطع البريطانيون أي اتصالات بأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لفترة طويلة".

وظهرت بصمات الأجهزة الإسرائيلية في جريمة قتل ناجي العلي، في الأسلوب، وهو ذاته الذي استخدمه الموساد في تجنيد الشاب الفلسطيني، نزار هنداوي، وتوريطه في عام 1986 بعمل إرهابي، الغاية منه دفع بريطانيا إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع سورية وإغلاق السفارة السورية في لندن.

كما أشارت ملابسات ذلك الحادث إلى أن "ضباط الموساد خططوا لوضع عبوة ناسفة في حقيبة تحملها صديقة الهنداوي، بعد إقناعها بالسفر لزيارة أهله في إسرائيل. وطلب منها أن تحمل معها هدية بعث بها أحد أصدقائه لخطيبته. وفي المطار اللندني، أوقفت الشرطة البريطانية الشابة الأيرلندية وهي تحمل، عن غير علم، مادة شديدة الانفجار، وعلى الفور قررت بريطانيا تحميل سورية مسؤولية ذلك وقطعت العلاقات معها. وصدر الحكم على هنداوي بالسجن خمس وأربعين سنة، على الرغم من إصراره على براءته وبدور الموساد في القضية".

وقبل حادثتي اغتيال ناجي العلي، ومؤامرة نزار هنداوي، نجحت إسرائيل في تدبير مؤامرة محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، شلومو أرغوف، والتي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية ذريعة لشن حرب ضد قوات منظمة التحرير الفلسطينية وغزو لبنان في عام 1982. وقد أشارت المعلومات الخاصة بهذه الحادثة إلى أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الذي اخترق تنظيم أبو نضال، صبري البنا، نجح في الإعداد للعملية لتظهر وكأنها "عمل إرهابي"، تم اتخاذه ذريعة لاجتياح لبنان وتدمير البنية العسكرية للمنظمات الفلسطينية والمقاومة اللبنانية.

المساهمون