قبلَ 12 عاماً، بدأ ميشال أيوب، وهو من قرية المكر في الجليل الغربي، شمال فلسطين المحتلة، يحترف عمل "المسحراتي"، على الرغم من أنه يعتنق الديانة المسيحية. كأنه أراد الحفاظ على تراث لاحظ أنه يندثر شيئاً فشيئاً، حتى صار قلة فقط يتقنون هذا العمل. في السابق، كان أيوب (38 عاماً) يعمل في مجال البناء، قبل أن يختار أن يكون مسحراتياً خلال شهر رمضان، ويجول في أحياء قريته المكر والجديدة، بالإضافة إلى عكا.
في السياق، يقول أيوب لـ "العربي الجديد": "بدأت العمل كمسحّر قبل 12 عاماً، خشية فقدان هذا التقليد التراثي. ولطالما سحرني عمل المسحر. وكان دور المسحراتي أكثر ما يجذبني في مسلسلات رمضان. هذه حرفة تراثية أريد الحفاظ عليها، لذلك، أنتظر قدوم الشهر الفضيل بحماس، وأشتاق إليه، وأفرح لأن الناس تنتظرني أيضاً". يضيف: "أتابع باب الحارة وأحفظ ما يقوله المسحراتي". يتابع أن عمله هذا ينبع من محبّتة لإخوانه المسلمين، موضحاً أننا "نعيش مع بعضنا البعض، ونتشارك الأفراح والأحزان. كما أنني أحب مساعدة أهلي وجيراني وأوقظهم للسحور. أنا إنسان مؤمن وقد قال المسيح: أحبوا بعضكم بعضاً، وها أنا أعمل وفق وصيته".
ما زالَ أيوب يُحافظُ على ارتداء اللباس التقليدي. لديهِ 80 بدلة خاصة كانت قد حاكتها له خياطة من دالية الكرمل. إلا أنه لا ينسى بدلته الأولى التي كان قد اشتراها من مدينة القدس. ويرتدي "الشروال" العربي التقليدي، والقميص الشامي، و"الحطة الفلسطينية"، وينتعل "البابوج" المغربي.
وخلال جولاته في الحارات، يقرعُ على الطبلة وينادي: "إصحى يا نايم وحد الدايم، رمضان كريم رمضان، قول نويت بكرا إن جيت شهر الصيام وبالفجر قيام، إصحى يا نايم وحد الرزاق، مسحراتي منقراتي منجراتي، دواليب زمان أنا قلبي دايب على البيبان".
تطلب منه بعض العائلات أن يقرع أبوابها لتستيقظ. يضيف أن "بعض الناس الذين التقيهم في الحارات ينضمون إلي في جولتي. فيما يسارع آخرون إلى تقديم القطايف والشاي والقهوة والبطيخ، ويتمنون لي كل الخير"، مشيراً إلى أن "علاقتي مع الناس باتت وطيدة جداً".
ويلفت أيوب إلى ضرورة الحفاظ على حرفة المسحراتي. يقول: "أنا عربي فلسطيني، ديانتي مسيحية، وتراثي وثقافتي إسلامية. يجب أن نحافظ على هذا التراث وهذه الحرفة، وأنا فخور بعملي". يضيف أن "هذا العمل في حارات عكا وأزقتها خاص جداً، فالأسوار والحجر وأمواج البحر تساعدك على المناداة وتكرر معك الصوت. ولا أريد أكثر من دعوات كبار السن، الذين يتمنون لي الخير".
يقول أيوب إن "جدي نور الدين كان يعملُ جزاراً. وفي كل يوم جمعة، يشغّل المذياع للاستماع إلى صلاة وخطبة الجمعة. كان ذلك يسعده". من جهتها، تدعي أم أحمد، وهي من المكر، بالتوفيق لأيوب. تقول: "الله يوفقه، وبارك الله فيه. الكل عنا في البلد يحب ميشال ويتحدثون عنه بالخير. نبحث عنه في شهر رمضان. من دونه، نشعر أن هذا الشهر ينقصه شيء". أما احمد شعبان من عكا، فيقول إن "أيوب يتمتع بأخلاق عالية. أكثر من ذلك، بات أخاً للجميع وهم يحبون سماع صوته. وعندما يغيب في رمضان، نقلق عليه فنبحث عنه".
اقرأ أيضاً: "المسحّراتي" عادة شامية تعود إلى مدينة الخليل