ميزانية العسكر التونسي خارج مطحنة التقشف

23 نوفمبر 2015
خلال الاحتجاجات الاجتماعية في تونس (فرانس برس)
+ الخط -
دفعت ثورة الكرامة ورفض التهميش والتفقير التي اندلعت في تونس ثمناً باهظاً جاوز الـ 200 شهيد ومئات الجرحى الذين سقطوا برصاص قوات الأمن التونسيّة خلال الأسبوع الأخير قبل هروب بن عليّ، آلت ثمارها في نهاية المطاف إلى من أرادوا وأدها بشتّى الوسائل، أمّا مؤيدوها وضحاياها فازداد بؤسهم وتفاقمت معاناتهم بعد أن ضاعت كرامتهم وازداد تهميشهم وتفقيرهم طيلة السنوات الأربع الماضية.
عقب الثورة، تعهّدت جميع الأحزاب بمعالجة المشاكل الكبرى التي مثّلت السبب الرئيسيّ لاندلاع الثورة على غرار البطالة. ولكنّ جلّها دون استثناء ما إن وصل إلى السلطة حتّى تنكّر لوعوده وعمل على تدعيم سلطته بنفس الوسيلة التقليديّة؛ العصا الأمنيّة. ولم يكن اجترار نفس الممارسات القمعيّة التي شهدتها البلاد بعد الثورة ضدّ التحرّكات الاحتجاجيّة على غرار استعمال الرصاص الحيّ والغاز والاعتقال العشوائيّ والمحاكمات العاجلة للشباب بتهم واهية، سوى أحد أوجه انتكاسة الثورة.

عحز الموازنة

في هذا السياق، يؤكّد الخبير الاقتصادي نزار السويحي أنّه وبرغم حالة العجز في الموازنات العموميّة بنسبة بلغت 6% لسنة 2015، والتقشف الحاصل، إلّا أنّ نسق الترفيع في اعتمادات وزارة الداخليّة لم يتأثّر بهذا العامل. ليضيف بأنّ ميزانيّة وزارة الداخليّة التونسيّة قد تطوّرت هذه السنة بنسبة 11%، أي من 1150 مليون دولار سنة 2014 إلى 1305 ملايين دولار سنة 2015، وخصوصاً مع انتداب أكثر من 25 ألف عون أمن جديد في مختلف الأسلاك الأمنيّة.
ويشير الخبير السويحي إلى أنّ الظرف الأمنيّ الصعب ليس السبب الحقيقيّ لتعاظم المخصّصات الأمنيّة، إذ بالعودة إلى نسق الترفيع في ميزانيّة الأجهزة الأمنيّة منذ الثورة يتضّح أنّ ميزانيّة وزارة الداخليّة ارتفعت بنسبة تجاوزت 50% خلال خمس سنوات، إذ قفزت من 700 مليون دولار في بداية سنة 2011 لتصل إلى 1450 مليون دولار حسب مشروع ميزانيّة سنة 2016.
ويؤكّد أنّ المطالب الأساسيّة التي دفعت الشعب للثورة ضدّ نظام بن عليّ ظلّت تراوح مكانها، فالشعب لم ينل سوى الوعود والأرقام الخياليّة. ففي مواجهة ذلك النسق التصاعديّ لميزانية الأمن، تكشف نشرات وزارة الماليّة أنّ اعتمادات التشغيل لم تتجاوز سنة 2015 ما قيمته 320 مليون دولار مقابل 130 مليون دولار سنة 2011، بل تم التخفيض في ميزانية وزارة التشغيل والتكوين المهني بنحو 90 مليون دولار سنة 2013.

أما نسق الترفيع الإجماليّ فلم يتجاوز 8% خلال السنوات الأربع الماضية، وهو ما أدّى إلى ارتفاع نسبة البطالة من 8.5% سنة 2011 إلى 15.2% سنة 2015 بحسب المعهد الوطني للإحصاء نظراً للفارق الهائل في توزيع الموازنات العموميّة بين مختلف الوزارات وطغيان الإنفاق الأمنيّ على بقية المتطلّبات الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
بدوره يؤكّد النقابي منجي الرضواني أنّ عمليّة الترفيع في الأجور اتسمت بالانتقائيّة، حيث شملت قطاعات دون غيرها رغم أنّ الأزمة الاقتصاديّة وتفاقم مشكلة التضخّم الذي ناهز 10% بالنسبة للمواد الأساسيّة قد طاول جميع القطاعات دون استثناء. حيث يشير هذا الأخير إلى أنّ رجال الأمن والجيش تمتّعوا عقب الثورة بزيادات استثنائيّة تراوحت بين 20 دولاراً و80 دولاراً بحسب الراتب، إضافة إلى الترفيع في منح التنقل والخطر. كما تمتعوا سنة 2013 بزيادة ثانية موحدة بلغت 50 دولاراً، هذا وتسعى نقابتهم للضغط أكثر من أجل الترفيع في مختلف المنح ومراجعة الأجور الحاليّة مستغلّة تأزّم الوضع الأمنيّ. في المقابل لم تتجاوز الزيادة في القطاعات العموميّة الأخرى نسبة 6% بعد مفاوضات عسيرة دامت لأربع سنوات بين الدولة الاتحاد العام التونسيّ للشغل. أما القطاع الخاصّ فقد وصلت المفاوضات مع أرباب العمل إلى طريق مسدودة بعد إصرار هؤلاء على ألّا تتجاوز الزيادة سقف 4.8% من أجور لا تتجاوز 70% منها الـ 350 دولاراً.

اقرأ أيضاً:الاستغلال في تونس يصل حد التفرقة الجهوية
المساهمون