على خشبة خالية من الديكور، وقفت الكاتبة والممثلة، رائدة طه، على وسط الخشبة، في عمل مونودرامي درامي تسرد لنا من خلاله قصة شارع عباس 36 بمدينة حيفا. تتنقل بين شخصيات أصحاب البيت النازحين والقائمين عليه. وهي قصة رمزية للبيت والوطن الذي فقدته عائلة أبو غيدا بعام النكبة مع سقوط حيفا، والذي اشتراه علي رافع من يهودي نمساوي لزوجته المقدسيّة سارة التي رغبت في بيت تطلُّ شرفته على بحر حيفا، كشرطٍ لها للنقل والعيش من القدس إلى حيفا.
فبعد باكورتها وعملها المونودرامي الأول "الاقي زيك فين يا علي" وهو من تأليفها أيضاً، تكتب وتمثل رائدة عملها الثاني، وتسرد قصة بيت في شارع عباس 36، والذي بني بعام 1936. البيت تابع لعائلتين فلسطينيتين: عائلة أبو غيدا النازحة واللاجئة، وعائلة رافع المالكة الحالية، وهي عائلة فلسطينية صامدة في وطنها، وتحمل الجنسية الإسرائيلية. إنها قصة الفلسطينيين الباقين في وطنهم، ومعضلة سكنهم في بيوت فلسطينيين هجروا واقتلعوا من بيوتهم بعام النكبة، خاصة في المدن الفلسطينية الساحلية، والتي احتلها الصهاينة بعد النكبة، ويعيشون بتأنيب ضمير كونهم يعيشون في بيوت فلسطينيين لاجئين في الشتات. وما زالوا يسمعون أصوات أرواحهم في الليل عند المنام. أرواحٌ تأبى أن ترحل وتخرج من بيتها.
تسحر رائدة طه الجمهور في عرض دامت مدته ساعة وثلث، بانسياب ورشاقة. وتتنقل بين أدوار شخصيات المسرحية بسلاسة وحرفة وترابط، من عائلة رافع الفلسطينية صاحبة البيت اليوم، إلى نضال الابنة المشاكسة، والتي تحمل معنى اسمها، إلى علي الأب، وإلى سارة الأم، وإيمي الجارة التي وجدت عند شرائها البيت صورا ووثائق لعائلة أبو غيدا النازحة، وهي نفسها مهجرة من مدينة صفد. وتعطي إيمي الصور إلى سارة كأمانة لتعيدها إلى عائلة أبو غيدا. كما يسرد العمل سيرة لوحة كتب عليها "القناعة كنز لا يفنى"، والتي وجدت في البيت، وتعود لعائلة أبو غيدا، وما زالت معلقة وتزين غرفة الصالون عند عائلة رافع، إذْ تشكل وثيقة شاهدة على أصحاب الملك الأول لعائلة أبو غيدا. ويصرّ فؤاد أبو غيدا عند زيارته لحيفا وبيته، أن يبقي ويهدي سارة هذه اللوحة شرط أن تسرد حكاية هذا البيت لكل زائر. أما أبطال عائلة أبو غيدا، فهم فؤاد الذي ولد في شارع عباس 36، وهجر مع عائلته بعمر عشر سنوات في عام النكبة.
وكان فؤاد قد قام بزيارة بيته في يوم النكبة 15 أيار/ مايو 2010، بدعوة من عائلة رافع. هنا قدمت طه هذا المشهد بحذافيره، وأشعلت المنصة مشاعر باستقبال العائد، وتظهر طه لنا رد فعل الجارة الإسرائيليَّة، عندما سألت الجارة، عن الضجة والاحتفال ورمي الرز، فقالوا لها بأنّ صاحب البيت الفلسطيني عائد. فقامت بتعليق العلم الإسرائيلي من نافذتها رداً على الحدث قائلة "اذا هيك مع عائد واحد فكيف مع الباقين".
يبدأ العمل بالنشيد الصهيوني لدولة إسرائيل. على المشاهد الفلسطيني أن يملك أعصاباً من حديد ليتحمَّل ذلك. وعن ذلك، قالت رائدة طه في حوار معها: "يجب أن نعرف ما هو النشيد الوطني لعدوّنا، ويجب أن نعرف ما معناه. حلمتُ حقيقةً بأنّي سمعت النشيد الوطني. وبدأت المسرحية مُرتكزةً على حلم كان لي، وبعدها بحثتُ عن الكلمات، وتفسير النشيد الوطني الإسرائيلي، واكتشفت أن السطور الخمسة الأولى هي احتفالُ بتأسيس بداية الدولة الصهيونيّة".
عرضت المسرحية، يوم الجمعة الماضي، على خشبة مسرح مار يوسف في الناصرة. وهو العرض الأول في فلسطين. بعد أن جالت المسرحية في بيروت وعمان ودول أخرى.