مولر يقترب من المكتب البيضاوي: خطوات بطيئة لكن حاسمة

01 ابريل 2018
اتخذ مولر خطوات ملموسة تمهيداً لاجتماعه المحتمل مع ترامب(Getty)
+ الخط -
يقترب المحقّق الأميركي الخاص روبرت مولر كالأخطبوط من شركات واستثمارات ومساعدي وعائلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. يصدر قراراته الظنية تباعاً، ويحوّل المشتبه بهم إلى متعاونين، ما يفتح الباب أكثر نحو محاصرة ترامب الذي ليس لديه سلطة مباشرة على هذا المحقق الأكثر تهديداً لرئاسته ولشرعيته الدستورية. وإذا غامر ترامب بفصل مولر من منصبه، سيدخل البلاد في أزمة دستورية، وبالتالي الخيارات الرئاسية المحدودة تتراوح بين التعاون معه وترك المسار القضائي يأخذ مجراه.

وبدأ مولر في الأشهر والأسابيع الأخيرة تضييق الخناق على أكثر من محور يضعه ترامب في خانة الخطوط الحمراء: الشركة الخاصة، والعائلة، والرئاسة. أولاً، كان هناك مذكرة إحضار للمحكمة لوثائق من شركة ترامب التي أدار منها حملته الرئاسية، أي دخول فيدرالي غير مسبوق إلى هذه الامبراطورية التجارية وكل ما تحتويه من أسرار وفضائح. ثانياً، بدء التدقيق بحسابات واتصالات صهره ومستشاره جاريد كوشنر، الذي أظهر مدى هشاشة هذه الإدارة وقدرة الخارج في التأثير عليها. ثالثاً، خلاصة التحقيق لم تعد متعلّقة فقط بشرعية انتخاب الرئيس وتواطؤ حملته المحتمل مع الكرملين، بل إنّ مولر ينظر بجدية إلى دور ترامب في عرقلة التحقيق، وهذه تهمة تحتمل العزل في حال توفّرت إرادة وأكثرية واضحة في الكونغرس.

اتخذ مولر الأسبوع الماضي، بحسب شبكة "سي أن أن" الأميركية، خطوات ملموسة تمهيداً لاجتماعه المحتمل مع ترامب، إذ تمّ عقد أوّل لقاء جدي وجهاً لوجه بين محامي الطرفين، كشف فيه فريق المحقّق الخاص عن طبيعة الأسئلة التي قد تُطرح خلال هذا اللقاء. وتتمحور الأسئلة حول قرار ترامب فصل مدير مكتب التحقيق الفيدرالي (أف بي آي) السابق جيمس كومي من منصبه، ودور وزير العدل جيف سيشنز في هذا السياق، كما حول ماذا كان يعلم الرئيس عن اتصالات مستشاره المقال للأمن القومي (صمد 24 يوماً في منصبه) مايكل فلين بالسفير الروسي السابق لدى واشنطن سيرغي كيسلياك خلال المرحلة الانتقالية الرئاسية نهاية عام 2016.


وهناك تشعبات كثيرة لهذا التحقيق، ومن الصعب على فريق مولر تجميعها بسرعة، نظراً للارتباطات المالية الواسعة النطاق لترامب وفريقه. ولكن هناك أربعة مسارات رئيسية في التحقيق هي: التدخّل الروسي في الانتخابات عبر القرصنة وغيرها من الوسائل، تواطؤ حملة ترامب المحتمل مع الكرملين، تعرّض ترامب وفريقه لضغوط مالية من دوائر قرار خارجية أو استخدامهم نفوذ الموقع الحكومي لترويج مصالحهم المالية، وعرقلة التحقيق عبر فصل كومي.

كذلك، هناك ثلاث شخصيات رئيسية يحاول مولر الوصول عبرها إلى الرئيس هي: مدير حملته السابق بول مانافورت، مايكل فلين، وجاريد كوشنر. وفي حين أنّ كل الضغوط غير المسبوقة لمولر على مانافورت، عبر فتح ملفاته منذ عقود وتوقيفه ليلاً من منزله وإصدار قرار ظني بحقه مثقل بالاتهامات، لم تقنعه بالتعاون مع التحقيق ضد ترامب، فإن فلين قبل بالتعاون سريعاً، مع أنّ التهم ضده أقلّ من التهم ضد مانافورت، وهي تختصر بالكذب على "أف بي آي". وهذه تهمة وقع فيها فلين بسهولة بعدما زار مقر مكتب التحقيق الفيديرالي حين كان لا يزال مستشاراً للأمن القومي، ونفى خلال جلسة الاستجواب أي تواصل مع الروس خلال المرحلة الانتقالية، إلى أن سرّب مكتب التحقيق خبر اتصالات فلين مع السفير الروسي، إذ كان "أف بي آي" يملك هذه التسجيلات الهاتفية، وبالتالي استقال فلين أو تمّت إقالته تحت الضغط. أمّا كوشنر، فهو الجائزة الكبرى لمولر في حال ثبت انتهاكه للقانون، وهنا قد يسعى فريق مولر لإغراء صهر الرئيس بالتعاون ضد ترامب مقابل التخفيف من العقوبات عليه.

ويلمح البيت الأبيض عبر تسريبات إعلامية بين الحين والآخر، إلى أنّ خيار العفو الرئاسي عن مانافورت وفلين مطروح. لكن هذا الأمر سابق لأوانه، لأن ليس هناك حكم بعد على مانافورت الذي يواجه أكثر من 23 تهمة في محكمتين في ولاية فيرجينيا وفي العاصمة واشنطن، وقد تصل عقوبة سجنه إلى أكثر من 35 عاماً. ويمكن لترامب العفو عن مانافورت في ما يتعلّق بجرائمه الفيدرالية، لكن التهم المتبقية متعلقة بولاية نيويورك ولا يشملها العفو الرئاسي. في حين أن ما قد يحصل عليه فلين من مولر بعد تعاونه، قد يكون أكثر أهميّة من عفو ترامب غير المضمون. والأهم من ذلك، أنّ قدرة ترامب على إصدار عفو في كل ما يتعلّق بملف التدخل الروسي تعتمد على مدى تورطه شخصياً في أي تواطؤ أو عرقلة للتحقيق. فإذا كان هناك اتهام مباشر للرئيس، فإن ذلك سيقوّض مصداقيته وقدرته على إصدار عفو.

تأتي كل هذه التطورات في مرحلة تخبّط يمر فيها فريق محامي ترامب. ومن اللافت للغاية ألا يتمكّن الرئيس الأميركي من إيجاد محامٍ مخضرم ينضم إلى جيش محاميه الذي يخوض معارك قانونية يومية لا تقتصر على مولر وتحقيقاته، بل تشمل أيضاً النجمة الإباحية ستورمي دانيال، إضافة إلى لائحة طويلة من المعارك القانونية. وبحسب إحصاءات صحيفة "يو أس أي توداي"، خاض ترامب في حياته المهنية 4,000 دعوى قضائية خلال أكثر من 30 عاماً، وهو يواجه حالياً من موقع الرئاسة 75 دعوى لا تزال قائمة.

إلى ذلك، ستكون الأسابيع المقبلة مرحلة مفصلية جديدة في سياق هذا التحقيق، إذ إنّ موعد توجيه الاتهام إلى مستشار السياسة الخارجية السابق في حملة ترامب جورج بابادوبولس هو 16 إبريل/نيسان الجاري، يليه موعد توجيه الاتهام رسمياً لمايكل فلين في الأول من شهر مايو/أيار المقبل. وسينكشف في نصوص هذه القرارات الظنية الكثير من المعلومات حول اتجاه التحقيق في ما يتعلق بالتواطؤ مع الكرملين، لا سيما ما إذا كان فلين تصرّف بشكل منفرد في التواصل مع الحكومة الروسية أو تلقّى أوامر مباشرة من مسؤول رفيع في فريق ترامب.

وحتى الآن، لا يبدو أنّ هناك أدلة حسيّة على تورّط ترامب بشكل مباشر في أي تواطؤ محتمل مع الكرملين، وليس من السهل توجيه اتهام للرئيس بعرقلة التحقيق بدون ملف متكامل ينجح في اختبار القضاء الأميركي. كما يبدو أنّ ترامب قادر على إيذاء نفسه قانونياً أكثر من أي طرف آخر، لا سيما إذا طلب من مولر وقف التحقيق أو وقع في فخّ أسئلة المحقق عند الاجتماع معه. وهنا تكمن أهمية اللقاءات التمهيدية بين المحامين هذه الفترة، إذ إنها تسمح لمحامي ترامب وضع ضوابط تحمي الرئيس من نفسه خلال استجواب سيكون تحت القسم.

كل هذه المؤشرات تدلّ على أنّ التحقيق لن ينتهي في المدى المنظور، بل قد يتوسّع في المرحلة المقبلة. لكن مع كل هذه الفوضى التي لم يواجهها أي رئيس أميركي في التاريخ الحديث، تستعيد أرقام ترامب توازنها في استطلاعات الرأي، إذ وصل معدّلها الإجمالي هذا الأسبوع إلى 41.7 بالمائة من الأميركيين الذين يوافقون على أدائه الرئاسي. ويبدو أنّ القاعدة الجمهورية متريّثة حتى الآن في إطلاق الأحكام على ترامب قبل نهاية التحقيق.

المساهمون