ما إنّ طلع الفجر، حتى بدأت زوجة المزارع الفلسطيني زايد أحمد من قرية عجة جنوب جنين، بصناعة الخبز في "طابونها" القديم، فيما تولى زوجها إيقاظ أولاده من نوم عميق، ليتأكدوا معاً، أن كل الأغراض جاهزة، قبل مغادرة البيت إلى قطعة أرضهم القريبة، لقطف زيتونها.
"هل تظن أنّني استيقظت الآن؟ لا، أنا لم أنم أصلا من الفرحة، اليوم عيدنا" قال زايد الذي كان يتفقد الأغراض بينه وبين نفسه بصوت مسموع "طنجرة الأرز، الدجاج المشوي في الطابون، أكواب اللبن، عبوات الماء، الفواكه، المسجل والأشرطة، القهوة والشاي، الفراش، خيمة صغيرة، والخبز الطازج".
يبدو الأمر مضحكاً، إنّه موسم رحلات سعيدة لكثير من العائلات الفلسطينية، وخاصة تلك التي لا تمتلك الكثير من الأراضي، وليس فقط موسم قطف زيتون.
ووصلت أسرة زايد إلى أرضها كما خطط ربها بالضبط، قبل بزوغ الشمس، وقبل أنّ تتبخر حبات الندى عن أغصان أشجار الزيتون، التي زادت حباتها لمعاناً بفعل الندى.
ومباشرة انشغلت العائلة في توزيع أفرادها: الصغار خفيفو الوزن يتسلقون الأغصان العالية، الصبايا تقطف الأغصان القريبة من الأرض، والشباب يستخدمون السلالم، فيما والدهم زايد يطبخ القهوة على نار الحطب.
يقول زايد: "بالنسبة لنا، قطف الزيتون نزهة، نحن كمعظم العائلات الفلسطينية لسنا تجاراً، وبالتالي لا نقلق بجدية العمل بقدر قلقنا بأن نعيش أياماً جميلة في الأرض، إنها الفترة الأجمل طوال العام، ولنا فيها عادات حلوة".
يحمل المزارع الخمسيني فنجان قهوة في يده، وينطلق في جولة تفقدية حول زيتوناته، يتوقف عند واحدة ثمارها سوداء صغيرة، يقطف منها حبة واحدة، ويهرسها بين أصابعه ويقول "قالوا قديماً، الصُري زيته طيب، لكن قطفه يشيب"، في إشارة إلى الثمار السوداء التي تتعب قاطفيها بصغر حجمها، لكن زيتها أطيب زيت، وتسمى صُري، فيما ثمة أسماء أخرى للزيتون في حقل زايد، منها: نبال سوري، نبال بلدي، ذكار، منزلينو، وكي 18 وهو نوع مُحسن بفضل الأبحاث التي تجريها مراكز مختصة.
تقول زوجة المزارع نكاية بزوجها المتجول: "كلنا نقطف عداه، هو أكثر شخص يحب الزيتون، لكنه لا يقطف، يقضي النهار في حرق الحطب، وتنقيب الأشجار بعد قطفها، والاستماع للأغاني الشعبية"، ليرد هو بعد موجة ضحك "أنا لم أحضر المسجل لأستمع وحدي، بل لتسمع الجبال مواويل وعتاباً".
ويشغل زايد مسجله متوسط الحجم، بعد تزويده بكهرباء تصله بواسطة سلك موصول ببطارية الجرار الزراعي الصغير، ويبدل الأشرطة بين حين وآخر، وكلها عبارة عن مواويل وعتابا فلسطينية وسورية، قديمة وحديثة.
يقول زايد معقبا على سؤال عن كيفية اختيار الأغنيات في الموسم السعيد "لا نستمع لأهازيج بالمعنى الدقيق للقالب، كل الفلاحين في الريف الفلسطيني، يحبون الأغاني التي يطغى عليها لحن الناي والربابة".
ولا تضرب عائلة زايد زيتونها بالعصي، وهي طريقة يستخدمها الكثير من الفلاحين الفلسطينيين لإسقاط الثمار عن أمها الشجرة، وتقول زوجة زايد الجالسة بجوار كومة من الثمار، لتنظيفها من الورق المتساقط تلقائيا مع القطف: "أول طبخة بزيت الزيتون الجديد، بعد عصر الثمار "المسخن" هي الأكلة الأكثر شعبية في فلسطين، وهي أكثر أنواع الأكل التي يكون للزيت نكهة فيها".
بعد أقل من أسبوع، يكون المزارع زايد في معصرة الزيت، لا يهمه لو تأخر دوره حتى الفجر، بل سيكون سعيداً أكثر، سيأخذ الزيت الذي يكفيه عاماً كاملاً، ويأخذ كذلك بقايا الثمار المطحونة والمسماة "جفت" والذي يستخدمه في إشعال الطابون الذي تصنع فيه زوجته خبزاً ساخناً كل صباح.