موسم قاسٍ في مناطق النظام

17 سبتمبر 2016
مستعدّون لعام دراسيّ جديد (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

ينطلق العام الدراسي الجديد يوم غد الأحد، مع ما يحمله ذلك من ضغوطات على التلاميذ السوريين. هذه هي الحال في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.

لا يختلف انطلاق العام الدراسي الجديد يوم غد الأحد، عن المواسم التي سبقته في السنوات الأخيرة في مناطق النظام السوري، إلّا لجهة تدهور الأحوال أكثر فأكثر. ويعود ذلك إلى ارتفاع كلفة تجهيز التلاميذ، من حقائب وزيّ مدرسي وقرطاسية وغيرها من المستلزمات.

وكانت الأمور قد ساءت مع رحلة بحث الأهالي عن مدارس تستقبل أبناءهم، لا سيما في العاصمة دمشق والجزء الغربي من مدينة حلب. وذلك بسبب الضغط السكاني الهائل الذي خلّفه النزوح من جهة، ومن جهة أخرى تعطيل مدارس كثيرة تحولت إلى مساكن مؤقتة للنازحين، فيما استحال على الأكثرية تسجيل التلاميذ في مدارس خاصة، لأنّ تكلفتها باتت مرتفعة جداً وتجاوزت ربع مليون ليرة سورية (نحو 455 دولاراً أميركياً).

وفق عملية حسابية لـ "العربي الجديد"، تراوحت تكلفة تجهيز تلميذ واحد للمدرسة ما بين 20 و25 ألف ليرة (37 - 46 دولاراً)، بحسب جودة التجهيزات ومحل شرائها، بعدما لم تكن تتجاوز في السابق 10 آلاف ليرة (أكثر من 18 دولاراً). وهذه السلع ارتفعت كغيرها من السلع، نتيجة استمرار تهاوي الليرة السورية أمام الدولار الأميركي وانعدام رقابة مؤسسات النظام على الأسواق.

مراد على سبيل المثال، أب لولدَين اثنَين، تكلّف نحو 40 ألف ليرة (73 دولاراً) لتجهيزهما للمدرسة، مشيراً إلى أنّ المصاريف لم تنتهِ عند هذا الحدّ، إذ لم يحتسب بدل الوجبات الغذائية اليومية. ويعاني السوريون من تراجع كبير في القوة الشرائية، إذ إنّ متوسط الأجور لا يتعدى 30 ألف ليرة (55 دولاراً) فيما يتجاوز إنفاق العائلة الشهري 200 دولار. ويقول مراد إنّ "تجهيز الطفلين كلّفني راتبي كاملاً لمدّة شهر"، وهو يحاول اليوم الاستدانة ليتمكّن من تعويض الأموال الطائلة التي دفعها.

إلى جانب الأزمة الاقتصادية ومعاناة تأمين مسلتزمات المدارس، شكا الأهالي من البحث عن مقاعد شاغرة في المدارس الرسمية لتسجيل الأولاد، فتلك المدارس بمعظمها إمّا مكتظّة بالتلاميذ بسبب الضغط السكاني على المناطق الآمنة، أو أنّها تحولت إلى مراكز إيواء للنازحين، لا سيما في المناطق التي تشهد ضغطاً سكانياً كبيراً كأحياء المزة وجرمانا وركن الدين والميدان في دمشق وأحياء الفرقان وحلب الجديدة والشهباء في حلب.




وكانت إحصائية رسمية يتيمة حول المدارس في ظل الحرب، قد أشارت إلى تضرّر أربعة آلاف و382 مدرسة في عموم سورية. وشرحت أنّ 379 مدرسة منها مدمّرة بالكامل، وأن ألفاً و494 مدمّرة جزئياً لكنّها ما زالت تعمل، وألفاً و489 لا يمكن الوصول لها، وألفين و888 غير مُستثمرة في العملية التعليمية، و510 خارجة عن الخدمة مؤقتاً لحين إصلاحها، و510 تحوّلت إلى مراكز إيواء.

تقول آمنة وهي ربّة منزل في حيّ الفرقان في مدينة حلب، إنّها جالت على "13 مدرسة بحثاً عن مقاعد شاغرة لأولادي من دون جدوى". تضيف: "ثمّة خمس مدارس على مقربة من منزلنا. ثلاث منها، لا مقاعد شاغرة فيها، وقد لاحظت عند دخولي إلى غرف الصفوف تكدّس نحو 60 تلميذاً في كلّ واحدة. بعضهم كان يجلس على الحقائب أرضاً. أمّا المدرستان الأخريان، فيشغلهما مئات النازحين من مناطق في ريف حلب. بالتالي توقّفت العملية التعليمية فيهما". وتشير آمنة إلى أنّها اضطرت إلى تسجيل أولادها في مدارس بعيدة، كذلك لجأت إلى "الرشوة في إحدى مدارس حلب الجديدة، لأتمكّن من تسجيل ابني. دفعت 30 ألف ليرة (55 دولاراً) لأحد المدرّسين ليحجز لي مقعداً في إحدى شِعب الصف السابع".

قد يقول بعضهم إنّ المدارس الخاصة هي الحلّ، لكنّ اللجوء إليها يُعدّ انتحاراً، لا سيما للأسر ذات الدخل المحدود. على سبيل المثال، بلغت تكلفة التلميذ السنوية في مدرسة الكامل في حي الحمدانية في حلب 300 ألف ليرة (545 دولاراً) مع المواصلات و240 ألفاً (نحو 437 دولاراً) من دون مواصلات. أما في دمشق، فقد بلغت تكلفة التلميذ في مدرسة الحكمة الخاصة 280 ألف ليرة (510 دولارات). وهذان مثالان يدلان على عجز العائلات التي تقتات على 30 ألف ليرة شهرياً أو أكثر بقليل. لذلك، حُصر تلاميذ هذه الفئة من المدارس بأبناء الطبقة الغنية في سورية.

سامر على سبيل المثال، بعدما أغلقت كلّ الأبواب في وجهه، سجّل طفلته الوحيدة في إحدى المدارس الخاصة القريبة من ساحة السبع بحرات وسط دمشق. لكنّه عمد بعد شهرين إلى إخراجها منها، بسبب المصاريف الهائلة التي راحت تترتّب عليه خلال العام الدراسي.

دلالات