23 سبتمبر 2024
موسكو- طهران: تحالف زائف
يعتقد كثيرون أن العلاقة بين روسيا وإيران ترتقي إلى ما يمكن تسميته تحالفاً. لكن، بالتحليل المفصل يظهر أن ذلك ليس دقيقاً، وقد لا تظهر للوهلة الأولى أحجار راسبة كثيرة في مياه علاقات البلدين.
تعتبر روسيا نفسها قوة عظمى في العالم، بينما تعتبر إيران نفسها قوة إقليمية، وتحاول كل من روسيا وإيران إخفاء خلافاتهما في ملفاتٍ كثيرة قدر الإمكان، إلا أن بعضها يطفو على السطح بين حين وآخر.
وبدر أول إنذار جدي من الجانب الإيراني، عندما قررت السلطات الإيرانية رفع دعوى قضائية في محكمة التحكيم الدولية ضد روسيا، متهمة موسكو برفض تزويد إيران بأنظمة صواريخ مضادة للطائرات S-300، ونشر منذ فترة طويلة هذا الموضوع في وسائل الإعلام الروسية. وأعرب الجانب الروسي حينها عن استيائه من الخطوة الإيرانية "غير الودية"، وتم حل المشكلة لاحقاً بعد رفع العقوبات عن إيران.
وبدأت جولة جديدة من المواجهة مع إيران في سبتمبر/ أيلول عام 2015، عندما قررت روسيا البدء بعملية عسكرية في سورية، لدعم نظام بشار الأسد، فعلى الرغم من أن الأسد حليف لإيران أيضا. لكن وجهات النظر في موسكو وفي طهران مختلفة حول ترتيبات ما بعد الحرب في سورية، ومصير الأسد نفسه.
دعمت إيران عملياً نظام الأسد وحدها منذ عام 2012، وقبل روسيا، وتحملت طهران، في الوقت نفسه، العبء الاقتصادي والسياسي والعسكري لدعمها هذا. ومع ذلك، لم تتمكّن قوات الحرس الثوري الإيراني من إجراء التغيير الجذري في الموقف داخل سورية لصالح حليفها الأسد (وكذلك لم ينجح التدخل الروسي لاحقاً في إجراء تغيير جذري على الأرض السورية).
ولا بد من ملاحظة أن التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية جعل إيران تنتقل إلى موقع خلفي هناك. وبطبيعة الحال، لا يمكن أن يمر أمر كهذا مرور الكرام في طهران، فايران تعتبر أنها تراجعت إلى شريك ثانوي، وربما صامت، لروسيا في سورية، حتى أن خبراء اعتبروا أن أحد أسباب إعلان الإنسحاب الروسي من سورية هو الاستياء الإيراني، إلا أن ادعاءات كهذه صعبة الإثبات، وكذلك في إطار سياق الحديث عن التدخلين الروسي والإيراني في سورية، بعض دوائر صناعة القرار في موسكو غير راضية من مستوى موقف إيران بشأن حادثة إسقاط تركيا الطائرة الروسية في أواخر العام الماضي. ومن الواضح أن موسكو عولت على مزيد من الدعم من طهران بشأن هذه المسألة، لكنها أخطأت.
ولا يمكن إغفال وجهة نظر بعضهم على أن التدخل الروسي في سورية ساهم، نوعاً ما، في تحجيم الدور الإيراني الذي استفرد بالقرار السوري، منذ نهايات عام 2012، حيث انعكس الانزعاج الإيراني من التهميش الروسي، بتقارب إيراني مع تركيا، إضافة إلى تصريحات للرئيس الإيراني، حسن روحاني، تشير إلى عدم رضا إيران عن جميع القرارات التي تتخذها روسيا في سورية.
وخلافاً لتوقعات الجانب الروسي، إيران بعد رفع العقوبات عنها، لم تشتر لطيرانها المدني الطائرات الروسية، وفضلت طائرات إيرباص الأوروبية، (بصفقة وصلت قيمتها إلى 25 مليار دولار)، إضافة إلى ذلك، يماطل الجانب الإيراني ويعيق تنفيذ مشاريع المحطة الكهرومائية في بندر عباس، ومحطة كهرباء السكك الحديدية في غرمسار، والتي تتم في إطار مشاريع مشتركة مع روسيا.
كما أن رغبة إيران في تحقيق زيادة كبيرة في صادرات النفط، بعد رفع العقوبات كان له تأثير
سلبي على روسيا. وفي الواقع، تصب هذه الخطوة من إيران في صالح الولايات المتحدة، وتجد روسيا نفسها مضطرة للتماشي مع حليفتها، بسبب طبيعة التطورات الإقليمية والدولية. ويدفع هذا التنازل من موسكو قيمته الروبل الروسي الذي يتراجع بشكل حاد أمام الدولار الأميركي.
وتلقت روسيا طعنة بالظهر قبل أيام، خلال زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى تركيا، وإعلانه هناك أن إيران مستعدة لتصبح الضامن لأمن الطاقة في تركيا. ويعتقد خبراء كثيرون أن هذه الكلمات كانت موجهة إلى موسكو، أكثر منها إلى أنقرة، وأن إيران مستعدة لضرب سوق كبير للغازالطبيعي ومهم جدا لحليفتها.
فمجرد عرض كهذا لأنقرة من طهران يمكن فهمه بأن الرئيس الإيراني أراده وسيلة للتباهي بأن إيران قادرة على الحلول محل الغاز الروسي في السوق التركي. ومن شأن هذا الأمر، أولاً، أن يحرم روسيا من التدفقات المالية الهائلة التي تحتاجها كثيراً على خلفية انخفاض أسعار النفط. وثانياً، سوف تخسر موسكو الأداة الوحيدة للضغط على تركيا التي تعتبر ثاني أكبر مستهلك للغاز الروسي بعد ألمانيا.
وهكذا، يمكن أن يدفع دور روسيا في المنطقة إلى التراجع. وكذلك لا يمكن إهمال رغبة تركيا في تنويع واردات الغاز لديها إلى إيران، من أجل ضرب مصالح روسيا. ومع تأمين نصف الحجم الحالي لوارداتها، تكون كافيةً لوضع حد لأعمال الغاز الروسي في تركيا.
وأخيراً، تلقت روسيا ضربة في قطاع الطاقة أيضا من إيران خلال اجتماع في الدوحة، أخيراً، للدول المنتجة للنفط، وبات من المعروف أن إيران رفضت تجميد إنتاج النفط، ما يعني مزيدا من التذبذب في أسعار النفط. وبالتالي، المزيد من انخفاض قيمة الروبل.
ولا يعتقد أن يتم حل المشكلات والخلافات المستقبلية المتوقعة بين إيران وروسيا، أو على الأقل، تجميدها فترة معينة، فعلى الأرجح، إيران ستحاول إبعاد روسيا عن الأسواق التي ترى فيها مصالحها، عبر الوسائل الاقتصادية والسياسية.
تعتبر روسيا نفسها قوة عظمى في العالم، بينما تعتبر إيران نفسها قوة إقليمية، وتحاول كل من روسيا وإيران إخفاء خلافاتهما في ملفاتٍ كثيرة قدر الإمكان، إلا أن بعضها يطفو على السطح بين حين وآخر.
وبدر أول إنذار جدي من الجانب الإيراني، عندما قررت السلطات الإيرانية رفع دعوى قضائية في محكمة التحكيم الدولية ضد روسيا، متهمة موسكو برفض تزويد إيران بأنظمة صواريخ مضادة للطائرات S-300، ونشر منذ فترة طويلة هذا الموضوع في وسائل الإعلام الروسية. وأعرب الجانب الروسي حينها عن استيائه من الخطوة الإيرانية "غير الودية"، وتم حل المشكلة لاحقاً بعد رفع العقوبات عن إيران.
وبدأت جولة جديدة من المواجهة مع إيران في سبتمبر/ أيلول عام 2015، عندما قررت روسيا البدء بعملية عسكرية في سورية، لدعم نظام بشار الأسد، فعلى الرغم من أن الأسد حليف لإيران أيضا. لكن وجهات النظر في موسكو وفي طهران مختلفة حول ترتيبات ما بعد الحرب في سورية، ومصير الأسد نفسه.
دعمت إيران عملياً نظام الأسد وحدها منذ عام 2012، وقبل روسيا، وتحملت طهران، في الوقت نفسه، العبء الاقتصادي والسياسي والعسكري لدعمها هذا. ومع ذلك، لم تتمكّن قوات الحرس الثوري الإيراني من إجراء التغيير الجذري في الموقف داخل سورية لصالح حليفها الأسد (وكذلك لم ينجح التدخل الروسي لاحقاً في إجراء تغيير جذري على الأرض السورية).
ولا بد من ملاحظة أن التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية جعل إيران تنتقل إلى موقع خلفي هناك. وبطبيعة الحال، لا يمكن أن يمر أمر كهذا مرور الكرام في طهران، فايران تعتبر أنها تراجعت إلى شريك ثانوي، وربما صامت، لروسيا في سورية، حتى أن خبراء اعتبروا أن أحد أسباب إعلان الإنسحاب الروسي من سورية هو الاستياء الإيراني، إلا أن ادعاءات كهذه صعبة الإثبات، وكذلك في إطار سياق الحديث عن التدخلين الروسي والإيراني في سورية، بعض دوائر صناعة القرار في موسكو غير راضية من مستوى موقف إيران بشأن حادثة إسقاط تركيا الطائرة الروسية في أواخر العام الماضي. ومن الواضح أن موسكو عولت على مزيد من الدعم من طهران بشأن هذه المسألة، لكنها أخطأت.
ولا يمكن إغفال وجهة نظر بعضهم على أن التدخل الروسي في سورية ساهم، نوعاً ما، في تحجيم الدور الإيراني الذي استفرد بالقرار السوري، منذ نهايات عام 2012، حيث انعكس الانزعاج الإيراني من التهميش الروسي، بتقارب إيراني مع تركيا، إضافة إلى تصريحات للرئيس الإيراني، حسن روحاني، تشير إلى عدم رضا إيران عن جميع القرارات التي تتخذها روسيا في سورية.
وخلافاً لتوقعات الجانب الروسي، إيران بعد رفع العقوبات عنها، لم تشتر لطيرانها المدني الطائرات الروسية، وفضلت طائرات إيرباص الأوروبية، (بصفقة وصلت قيمتها إلى 25 مليار دولار)، إضافة إلى ذلك، يماطل الجانب الإيراني ويعيق تنفيذ مشاريع المحطة الكهرومائية في بندر عباس، ومحطة كهرباء السكك الحديدية في غرمسار، والتي تتم في إطار مشاريع مشتركة مع روسيا.
كما أن رغبة إيران في تحقيق زيادة كبيرة في صادرات النفط، بعد رفع العقوبات كان له تأثير
وتلقت روسيا طعنة بالظهر قبل أيام، خلال زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى تركيا، وإعلانه هناك أن إيران مستعدة لتصبح الضامن لأمن الطاقة في تركيا. ويعتقد خبراء كثيرون أن هذه الكلمات كانت موجهة إلى موسكو، أكثر منها إلى أنقرة، وأن إيران مستعدة لضرب سوق كبير للغازالطبيعي ومهم جدا لحليفتها.
فمجرد عرض كهذا لأنقرة من طهران يمكن فهمه بأن الرئيس الإيراني أراده وسيلة للتباهي بأن إيران قادرة على الحلول محل الغاز الروسي في السوق التركي. ومن شأن هذا الأمر، أولاً، أن يحرم روسيا من التدفقات المالية الهائلة التي تحتاجها كثيراً على خلفية انخفاض أسعار النفط. وثانياً، سوف تخسر موسكو الأداة الوحيدة للضغط على تركيا التي تعتبر ثاني أكبر مستهلك للغاز الروسي بعد ألمانيا.
وهكذا، يمكن أن يدفع دور روسيا في المنطقة إلى التراجع. وكذلك لا يمكن إهمال رغبة تركيا في تنويع واردات الغاز لديها إلى إيران، من أجل ضرب مصالح روسيا. ومع تأمين نصف الحجم الحالي لوارداتها، تكون كافيةً لوضع حد لأعمال الغاز الروسي في تركيا.
وأخيراً، تلقت روسيا ضربة في قطاع الطاقة أيضا من إيران خلال اجتماع في الدوحة، أخيراً، للدول المنتجة للنفط، وبات من المعروف أن إيران رفضت تجميد إنتاج النفط، ما يعني مزيدا من التذبذب في أسعار النفط. وبالتالي، المزيد من انخفاض قيمة الروبل.
ولا يعتقد أن يتم حل المشكلات والخلافات المستقبلية المتوقعة بين إيران وروسيا، أو على الأقل، تجميدها فترة معينة، فعلى الأرجح، إيران ستحاول إبعاد روسيا عن الأسواق التي ترى فيها مصالحها، عبر الوسائل الاقتصادية والسياسية.