تواصل المعارضة السورية حشد كل قواها من أجل إفشال مؤتمر سوتشي الذي تزمع موسكو عقده، أواخر الشهر الأول من العام المقبل، في محاولة منها لفرض رؤية روسية للحل تقوم على تثبيت النظام. ويبدو أن حجم المقاطعة المعلنة من فصائل وشخصيات سورية معارضة للمؤتمر الذي تريده موسكو بديلاً لمسار جنيف، دفع بروسيا إلى محاولة المناورة لإقناع من أمكن من المعارضين بالحضور، عبر ادعائها أن مؤتمر سوتشي يجب أن يعقد برعاية الأمم المتحدة. وهذا الكلام الذي ورد على لسان مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، خارج بالكامل عن السياق العام لمؤتمر سوتشي، الذي يراد منه الحلول مكان مسار جنيف والأمم المتحدة، ليقتصر على إعداد دستور جديد وإجراء انتخابات جديدة تبقي بشار الأسد ونظامه مع "تحسينات" تترجم بإدخال بعض المعارضين إلى البرلمان وربما الحكومة.
وأمام المد الرافض للمؤتمر، بدأت موسكو البحث عن غطاء دولي للمؤتمر، رغم تأكيدها أنه لا مكان للمطالبين برحيل بشار الأسد في سوتشي، وذلك بالتزامن مع مصادقة مجلس الاتحاد الروسي على اتفاقية توسيع نقطة الإسناد البحري الروسية في طرطوس السورية وجعلها قاعدة بحرية روسية على الساحل السوري، بعد مصادقة دمشق على الاتفاقية مطلع العام الماضي. في هذا الوقت، لا يزال موقف المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، معلقاً بين رفض أو قبول حضور المؤتمر.
وتتالت البيانات الرافضة بالمطلق لمؤتمر سوتشي من قوى سياسية وعسكرية سورية معارضة، واصفة إياه بأنه مجرد مسرحية هزلية غايتها تشويه القضية السورية، واسمة من يشارك فيه، تحت أي مسمى، بـ "الخيانة"، معتبرة أن روسيا شريكة للنظام في جرائمه بحق السوريين. ووجهت شخصيات سورية معروفة في المعارضة "نداء" لمقاطعة مؤتمر سوتشي، أبرزها برهان غليون، ميشيل كيلو، ورئيس المجلس الوطني السوري السابق، عبدالباسـط سيدا، ورئيس الأركان السابق في الجيش السوري الحر، اللواء سليم عمر إدريس، ورئيس المجلس الوطني السوري، جورج صبرا، وسواهم. وأشارت هذه الشخصيات، في بيان، أمس الثلاثاء، إلى أن روسيا "وقفت موقف العداء لثورة الشعب السوري، فعطلت مجلس الأمن، واستخدمت 11 مرة حق النقض للدفاع عن نظام الأسد وتجنيبه المساءلة". وأوضحت أنها "شاركته في تطبيق سياسة الأرض المحروقة، بالقصف الوحشي الأعمى، وتدمير المدن، والمرافق العامة، والمدارس والمستشفيات، وبالتهجير القسري للسكان، وأحبطت كل محاولات محاسبته من قبل المنظمات الحقوقية الدولية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية". واعتبرت أن مؤتمر سوتشي "يأتي في سياق العمل للإجهاز على ما تبقى من قوى الثورة والمعارضة وتحقيق الانتصار الكامل للأسد والحليف الإيراني، وفرض دستور مزيف يضمن بقاء الأسد والاحتلالات الأجنبية الضامنة له، بمساعدة انتخابات تجري تحت إشراف الأجهزة الأمنية وبقيادتها، وهي قادرة على تعطيل أي مراقبة سورية أو أممية".
وأشارت إلى أن روسيا تحاول "تقويض مفاوضات جنيف وتفريغها من محتواها"، إضافة إلى "نسف القضية الجوهرية المنصوص عنها في كل قرارات الأمم المتحدة، وهي قضية الانتقال السياسي من نظام الاستبداد والعنف الممنهج نحو نظام ديمقراطي"، وفق البيان. ودعت هذه الشخصيات إلى مقاطعة المؤتمر وإفشاله، مشيرة إلى أن موسكو تسعى أيضاً إلى "استبدال الحل الدولي، الذي يعطي للشعب السوري حقوقاً ثابتة، بالحل الروسي الذي لا يخفي إرادته بتثبيت حكم الأسد ونظامه". وأشارت الشخصيات إلى أن مؤتمر سوتشي يشرعن الاحتلال الروسي والإيراني ويكرسه "بتحويله إلى وجود عسكري ضامن لتنفيذ قرارات مؤتمر سوتشي، والالتفاف على مسألة الاحتلال ووجود المليشيات والقوى الأجنبية في سورية". وطالب الموقعون على البيان الأمين العام للأمم المتحدة وأمين عام الجامعة العربية وأعضاء مجلس الأمن والدول الصديقة والمنظمات الحقوقية والقانونية الدولية "التدخل لفرض التزام روسيا، وجميع الدول المعنية، بالمواثيق والقرارات الدولية، والتأكيد على اعتبار مؤتمر جنيف وقرارات مجلس الأمن الإطار الوحيد الشرعي لإنجاز مفاوضات الحل السياسي في سورية".
ووصف بيان لفصائل المعارضة السورية صدر، مساء أول من أمس، ووقع عليه 50 فصيلاً عسكرياً، روسياً بأنها "دولة معتدية ارتكبت جرائم حرب بحق السوريين"، مشدداً على وجوب "محاسبتها من قبل المجتمع الدولي لدفاعها عن النظام وتعطيل مشاريع إدانة النظام، وادعائها زوراً محاربة الإرهاب". وأكدت الفصائل التزامها بمسار الحل السياسي وفق "جنيف 1" والقرار 2118، والقرار 2254 والقرارات الدولية ذات الصلة، ورفضها محاولات روسيا الالتفاف على مسار جنيف والقرارات الدولية، مطالبة، في الوقت ذاته، بالإفراج عن المعتقلين وفك الحصار عن المحاصرين. ومن بين الفصائل الموقعة على البيان "حركة أحرار الشام"، و"جيش الإسلام"، و"الجبهة الشامية"، و"فيلق الرحمن". من جانبه، قال التجمع الوطني للضباط الأحرار إن الموقف الروسي انحاز منذ البداية للنظام الديكتاتوري في دمشق، سياسياً وعسكرياً، واستخدم الفيتو 11 مرة ضد إرادة الشعب السوري والمجتمع الدولي. وأضاف التجمع، الذي يقوده اللواء محمد الحاج علي، في بيان تلقّى "العربي الجديد" نسخة منه، إن هذا المؤتمر الذي تُفصله موسكو وتختار المشاركين فيه على هواها، بعيد عن القرارات الدولية ذات الصلة، وهو يستبدل الحل الدولي، بحلول تتفق مع أجندات روسيا وإيران ويشرعن احتلالهما سورية. وأكد رفضه هذا المؤتمر، داعياً كل القوى الثورية والسياسية والعسكرية إلى مقاطعته.
بدوره، أكد المجلس الإسلامي السوري أن "روسيا ليست وسيطاً نزيهاً ومؤهلاً للحل، لأنها جزء من المشكلة ومنحازة تماماً للنظام وشريكة له في الجريمة، وتتبجح أنها هي التي حمت النظام عسكرياً، إذ كان على وشك السقوط". ووصف، في بيان، مؤتمر سوتشي أنه مسرحية هزلية "لا تعدو مخرجاتها سوى إصلاحات شكلية وثانوية وتحويل الثورة السورية إلى قضية معارضة سياسية ذات مطالب إصلاحية قابلة للمساومة، أو الالتقاء في منتصف أو ربع أو عشر الطريق". وكانت فصائل عسكرية عدة في الجنوب السوري قد أعلنت، الأحد الماضي، رفضها المؤتمر، واعتبرت المشاركين فيه "أعداءً للشعب السوري وللثورة وشركاء للنظام وحلفائه". كما اعتبرت أن أي شخص يشارك في مؤتمر سوتشي، سواء بصفته الشخصية أو من خلال موقعه في المؤسسات الثورية، "عدو لها وللشعب السوري، وعدو للثورة السورية، وشريك لنظام الأسد وإيران وحزب الله والمليشيات المجرمة". كما صدرت بيانات من قوى وتجمعات سياسية معارضة، بينها الهيئات السياسية في الداخل السوري، تؤكد رفضها مؤتمرَ سوتشي، معتبرة إياه تحدياً سافراً للإرادة الدولية وللشعب السوري.
وكان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرينتييف، أكّد أنه لا مكان في مؤتمر سوتشي للمطالبين برحيل الأسد. وهو ما أوضح الغاية الرئيسية لموسكو من وراء عقد المؤتمر، فهي تدرك أن المعارضة السورية لا يمكن لها القبول ببقاء الأسد في السلطة. من جانبه، أشار نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، إلى ضرورة انعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، برعاية أممية، وفي ظل دور رئيسي للأمم المتحدة. وزعم، في تصريحات صحافية، أمس الثلاثاء، أن جميع الجهود الروسية المبذولة للتسوية في سورية تستند إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
وباتت روسيا في وضع يشبه الى حد بعيد وضعها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إذ كانت تنوي عقد مؤتمر سوتشي إلا أن مساعيها باءت بالفشل، إثر رفض المعارضة المشاركة فيه. ومن الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية ليست مرحبة بانعقاد المؤتمر، وتأمل أن يلعب إفشاله دوراً في تحجيم الدور الروسي في سورية، وهو ما تحاول موسكو تفاديه، فالفشل مرة أخرى في عقد المؤتمر يقلل من فرصها تمرير رؤيتها للحل في سورية. وبالتزامن مع الجهود الروسية للإمساك بخيوط الحل في سورية، جاءت مصادقة مجلس الاتحاد الروسي على اتفاقية توسيع نقطة الإسناد البحري الروسية في طرطوس السورية وجعلها قاعدة بحرية روسية على الساحل السوري، بعد مصادقة دمشق على الاتفاقية مطلع العام الماضي، كتأكيد على تكريس صيغة الهيمنة الدائمة على قرار أية حكومة سورية سينتجها الحل السياسي، من خلال إعلان وجود دائم للروس في كل من قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية. وسبق مصادقة مجلس الدوما تصريح للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عقب زيارته قاعدة حميميم عن نية روسيا الاحتفاظ بوجود دائم ضمن حميميم، تلاه تصريح لوزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أمس، أكد فيه نية روسيا الاحتفاظ بقاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية بشكل دائم على الأراضي السورية. ويسعى الروس لنقل كل مرجعيات الحل السياسي لتكون على الطريقة الروسية من خلال أستانة وسوتشي بما يضمن بقاء الاحتلال الروسي على جزء من سورية، وبقاء الهيمنة الروسية على القرار فيها بغض النظر عن الحكومة التي ستنتج عن مفاوضات الحل السياسي.
ومن المتوقع، أن تواصل الدبلوماسية الروسية مساعيها من أجل التئام مؤتمر سوتشي في موعده، مستندة إلى موقف تركي مرحب طالما أن موسكو لن توجه دعوة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي تعتبره أنقرة نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني. وحاولت موسكو استمالة المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، من أجل منح المؤتمر زخماً دولياً تحتاجه موسكو، إلا أن دي ميستورا لم يعطِ الروس موقفاً واضحاً، إذ من الواضح أنه يخشى أن يكون سوتشي بديلاً عن مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة. كما أن تعنت النظام في جولة جنيف الثامنة لم يفتح باباً أمام الأمم المتحدة للترحيب بمؤتمر سوتشي، وربما هذا ما دفع دي ميستورا للإعلان عن جولة تاسعة من جنيف قبيل الموعد المقرر لسوتشي في محاولة لدفع الروس للضغط على النظام من أجل الانخراط في مفاوضات جادة ربما تؤدي لتليين موقفه حيال سوتشي.