تدل المؤشرات والمعطيات الميدانية وتصريحات المسؤولين الروس على أن النظام السوري وحلفاءه على وشك الشروع بعمل عسكري واسع النطاق في شمال غربي سورية، من شأنه، في حال حدوثه، نقل الموقف إلى تخوم صدام عسكري بـ"الوكالة" بين الروس والأتراك، الذين يحذرون من موجة هجرة جديدة إلى بلدان أوروبية في حال حدوث الهجوم، رافعين عدة "لاءات" في وجه النظام وحلفائه الروس والإيرانيين.
وتبدو محافظة إدلب، وهي المعقل الأخير البارز للمعارضة السورية، مقبلة على مرحلة جديدة، عنوانها مواجهة طويلة الأمد بين الجيش السوري الحر وقوات النظام التي تعزز مواقعها في مناطق التماس مع فصائل المعارضة، التي تؤكد أنها تستعد لكل الاحتمالات، وتتوعد النظام بنقل المعركة إلى مناطقه والانتقال إلى مرحلة الهجوم حال بدء قوات النظام هجومها البري. ودخلت ألمانيا وبريطانيا، أمس، بقوة على خط الأزمة في إدلب. وأعلن المتحدث باسم الحكومة الألمانية، شتيفن زايبرت، أنّ برلين تجري محادثات مع حلفائها بخصوص المشاركة في الحرب السورية إذا ما استخدمت قوات النظام أسلحة كيميائية في إدلب، لكنه أشار إلى أنّ انتشار قوات ألمانية على الأرض السورية "مسألة افتراضية جداً". وقال "نجري محادثات مع شركائنا الأميركيين والأوروبيين حول هذا الوضع. لم يطرأ موقف يستلزم اتخاذ قرار". وأكد الالتزام بمبدأ مشاركة البرلمان الألماني في أي قرار من هذا النوع في أي حالة. وكانت صحيفة "بيلد" الألمانية قد ذكرت، وفقاً لمعلومات وتقارير، أنّ وزارة الدفاع تدرس إمكانية المشاركة في رد عسكري ضد قوات النظام في حال وقوع هجمات بالأسلحة الكيميائية والغازات السامة على إدلب. وبيّنت أنّ الوزارة تقوم بعملية محاكاة لإمكانية انضمام الجيش إلى التحالف الأميركي - البريطاني - الفرنسي في المستقبل، بعدما كانت ألمانيا قد حيّدت نفسها، في إبريل/ نيسان الماضي، عندما هاجمت الدول الثلاث أهدافاً محددة في سورية، رداً على عمليات النظام ضد المدنيين في مدينة دوما بريف العاصمة دمشق، بعد استخدامه الغازات السامة.
وفي لندن، تقدمت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان البريطاني، أمس، بتقرير يدين عدم تدخل الحكومة البريطانية في الأزمة السورية في مراحل سابقة، ويطالبها بالتحرك العاجل لوقف احتمال ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في المستقبل، بالتزامن مع تحضير روسيا لاجتياح إدلب. وطالبت اللجنة البرلمانية الحكومة بوضع استراتيجية لمنع الجرائم، بعدما استنتجت وجود "فشل جلي في حماية المدنيين، ومنع وقوع جرائم على نطاق واسع في سورية". وترى اللجنة أن ثمن عدم التدخل في سورية كان غالياً جداً من حيث أعداد الضحايا، إضافة إلى ازدياد النفوذ الإيراني والروسي، والعواقب الوخيمة التي عانت منها أوروبا، في إشارة إلى أزمة اللاجئين وما رافقها من صعود لليمين المتطرف.
وفي الوقت الذي حذر فيه منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في الأمم المتحدة، مارك لوكوك، من أن شن هجوم واسع النطاق على محافظة إدلب يمكن أن يؤدي إلى "أسوأ كارثة إنسانية" في القرن الحادي والعشرين، أعلنت الأمم المتحدة أن أكثر من 30 ألف شخص نزحوا داخل إدلب جراء هجمات قوات النظام وروسيا على المنطقة. وقال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ديفيد سوانسون: "حتى التاسع من سبتمبر/ أيلول نزح 30 ألفاً و542 شخصاً من شمال غرب سورية، باتجاه مناطق مختلفة في أنحاء إدلب". وأشار إلى زيادة هجمات الهاون والصواريخ منذ يوم الجمعة الماضي، لا سيما في ريف حماة الشمالي والمناطق الريفية في جنوب إدلب. وأضاف أن 47 في المائة من النازحين تحركوا باتجاه مخيمات، و29 في المائة منهم يقيمون مع عائلاتهم، و14 في المائة استقروا في مخيمات غير رسمية، و10 في المئة استأجروا منازل ليعيشوا فيها.
وصعّدت قوات النظام، أمس الإثنين، من وتيرة قصفها لريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي الواقعين تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية، حيث قصفت بلدات وقرى التح وجرجناز وحيش والتمانعة بريفي إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي. كما طاول القصف مناطق في تل عثمان والبانة وبلدة اللطامنة في ريف حماة الشمالي. وأعلن قطاع التربية والتعليم في مدينة معرة النعمان وريفها، أمس، تعليق الدراسة حتى إشعار آخر في جميع مدارس قطاع معرة النعمان، بسبب حملة القصف التي تشنها الطائرات الحربية الروسية وتلك التابعة لقوات النظام على مدن وبلدات ريف إدلب الجنوبي. من جانبه، يؤكد النظام أنه يستعد لعملية عسكرية واسعة النطاق. وذكرت صحيفة "الوطن"، التابعة للنظام، أن قوات الأخير عززت مواقعها في محيط مدينة حلب، في الجيب الممتد من جمعية الزهراء وصالات الليرمون الصناعية وبلدة كفر حمرة، شمال غرب حلب، إلى مزارع الملاح وبلدات حريتان وحيان وعندان وبيانون شمالاً، مشيرة إلى أن هذه التعزيزات تهدف إلى تشكيل قوة ردع كبيرة تحول دون سعي فصائل المعارضة السورية لتعديل خريطة السيطرة، في حال بدأ النظام عمليته العسكرية نحو أرياف إدلب.
وتأتي هذه التعزيزات في ظل تباين تركي وروسي حيال الموقف العسكري في شمال غربي سورية، حيث رفعت موسكو من نبرة التهديد بعمل عسكري، من شأنه في حال حدوثه نقل الأوضاع في المنطقة إلى تخوم صدام تركي روسي عسكري بالوكالة. ونقلت وسائل إعلام روسية عن نائب وزير الخارجية الروسي، أوليغ سيرومولوتوف، قوله "إن التحضير للعملية العسكرية المحتملة من أجل تحرير إدلب من الإرهابيين يجري بعناية وسرية، مع مراعاة الجوانب الإنسانية"، مضيفاً "في ما يتعلق بمعايير عمليات مكافحة الإرهاب في إدلب، كقاعدة عامة، يجري تحضير هذه العمليات بعناية وسرية بمشاركة جميع الأطراف، لا الجيش ولا الدبلوماسيون يعلنون عن شيء يتعلق بهذه الأمور"، فيما أعلن المتحدث باسم الرئيس الروسي، ديمتري بيسكوف، أن الكرملين لا يملك معلومات حول ما إذا كان هناك اتفاق بين موسكو والنظام السوري على موعد العملية العسكرية في إدلب.
وكرر سيرومولوتوف المزاعم حول أن من وصفهم بـ"الإرهابيين في سورية" لديهم القدرة على إنتاج أسلحة كيميائية، زاعماً أنهم "يتمتعون بدعم مادي وفني من الخارج". وتابع "خلال سنوات القتال في سورية، وفي العراق المجاور، وردت معلومات عن استيلاء المسلحين على وثائق علمية تقنية لإنتاج الأسلحة الكيميائية، وعلى منشآت كيميائية مع المعدات، وعن إشراك الخبراء المدنيين والعسكريين الكيميائيين في تركيب المواد السامة". ويأتي هذا التصريح في سياق سيل من التصريحات الروسية التي تهدد بعمل عسكري ضد شمال غربي سورية، ما يؤكد أن موسكو أدرجت شن عملية واسعة النطاق ضمن خططها رغم التحذيرات التركية، وهو ما يدفع الموقف إلى مزيد من التعقيد، في ظل معطيات أن أنقرة لن تقف متفرجة في حال رأت فصائل المعارضة السورية تتلقى ضربات موجعة من قبل النظام وحلفائه. وحذر وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، أول من أمس، من موجة هجرة تبدأ من محافظة إدلب السورية جراء الهجمات، مؤكداً أن "بلاده لا تتحمل مسؤولية أي موجة"، مستدركاً بالقول "لكننا لن نتخلى عن إنسانيتنا". وأشار إلى أن "ممثلي جميع الدول، التي تصف نفسها بالكبرى، يحنون رؤوسهم دائماً عند الحديث عن المسألة السورية خلال الاجتماعات الدولية"، مضيفاً "هناك تناقض كبير واختلاف بين ما يخرج من أفواههم وما يفعلونه، والجميع يعلم أنهم ينظرون إلى المسألة كمسرحية".
وذكرت وكالة "الأناضول" أن الجيش التركي يواصل إرسال تعزيزات جديدة إلى الوحدات المنتشرة على الحدود مع سورية. وأوضحت أن قافلة تعزيزات وصلت إلى ولاية هطاي الحدودية، ضمت شاحنات محملة بمدفعية ودبابات، فضلاً عن ناقلات جنود مدرعة. وفي تحليل لنتائج قمة طهران التي جمعت رؤساء تركيا وروسيا وإيران، وانتهت الجمعة الماضي من دون موقف حاسم حيال مصير محافظة إدلب السورية، ذكرت وكالة "الأناضول" التركية، في تحليل لها أمس الإثنين، أن الرؤية التركية تنطلق من محاور رئيسية، أبرزها أنه "لا لعملية عسكرية شاملة في إدلب، ولا لفرض أمر واقع بحجة الحرب على الإرهاب، ولا لإنهاء المعارضة الوطنية السورية كلياً، ولا لخداع المعارضة والالتفاف عليها، ولا لإجبار اللاجئين على العودة بالإكراه". وبيّنت أنه "لا حل سياسياً للأزمة السورية إلا من خلال تطبيق قرارات الأمم المتحدة، ولا لموجة جديدة من النازحين"، موضحة وجهة نظر الحكومة التركية حول مصير محافظة إدلب والتي تتلخص بـ"إدارتها مستقبلاً بواسطة المعارضة المعتدلة"، مؤكدة أن "تركيا مستعدة لبذل الجهود للقضاء على المخاطر التي تهدد قاعدة حميميم الروسية وحلب، لسحب ذرائع الروس للهجوم على إدلب"، مضيفة أن "المسألة السورية، وإدلب خصوصاً، بالنسبة لأنقرة، مسألة أمن استراتيجي، ولا يمكن لتركيا أن تقف إزاءها موقف المتفرج". وأوضحت الوكالة أن الحل من وجهة نظر أنقرة "يقضي بوقف إطلاق النار، ومنح مزيد من الوقت للجهود التي تبذلها في عملية تفكيك التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وبقية التنظيمات المصنفة على قوائم الإرهاب، بحسب قرارات مجلس الأمن الدولي"، وفق الوكالة، التي أكدت أن "تركيا باقية في سورية حتى ضمان الوحدة السياسية والجغرافية والاجتماعية لهذا البلد".
وبات من الواضح أن شمال غربي سورية تحول إلى ميدان تكاسر إرادات إقليمية ودولية، من الممكن أن يأخذ أبعاداً خطرة في حال ارتكب الروس "حماقة التدخل الوحشي" دون مراعاة لموقف الأتراك الذين ربطوا مصير إدلب بمصير بلادهم. من جانبها، تؤكد فصائل المعارضة السورية أنها مستعدة لكل الاحتمالات، بما فيها "معركة طويلة الأمد" مع قوات النظام، والانتقال إلى مرحلة الهجوم ونقل المعركة إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة هذه القوات، خصوصاً في حماة وريفها. وفي هذا الصدد، يؤكد قائد العمليات في "جيش العزة"، كبرى فصائل الجيش السوري الحر في ريف حماة الشمالي، العقيد مصطفى البكور، أن مقاتلي الجيش الحر مستعدون للمواجهة العسكرية، مضيفاً، في حديث مع "العربي الجديد": "أعددنا ما استطعنا من مقومات الصمود. تحصين، ومقاتلون مصرون على الصمود والقتال حتى آخر لحظة". وأكد البكور أن الجيش السوري الحر سينتقل إلى الهجوم "مع بدء الهجوم البري للعدو"، مشيراً إلى أن فصائل الجيش السوري الحر لا تتوقع حالياً هجوماً واسع النطاق "لكن قد يحاول النظام جس نبض المدافعين عن طريق عمليات محدودة". ويعتبر "جيش العزة" من أبرز وأهم فصائل الجيش السوري الحر في ريف حماة الشمالي، كونه يضم عدداً كبيراً من الضباط المنشقين عن قوات النظام، فضلاً عن أنه يملك مقاتلين مدربين ومسلحين تسليحاً يمكّنهم من صد قوات النظام والمليشيات الإيرانية عن هذا الريف، الذي يتعرض لحملات قصف جوي ومدفعي لإنهاكه كونه يعد خط الدفاع الأول عن ريف إدلب الجنوبي وباقي المحافظة.