بعد جهود وضغوط أوروبية على كييف وتعهدات بمساعدات مالية لتسديد قسم من ديون الغاز لروسيا وضغوط مارسها بوتين على شركة غاز بروم الحكومية، تم التوصل إلى اتفاق شتوي، أشبه بالهدنة، بين موسكو وكييف، على استئناف تزويد أوكرانيا بالغاز، مبدئياً، على حساب أصحاب الأسهم الروس والأجانب في شركة "غاز بروم" الذين سيخسرون في هذه الصفقة السياسية 1.8 مليار دولار، فيما يتيح الاتفاق لأوكرانيا تخزين ما تشاء من الغاز الروسي بالسعر المخفض إذا استطاعت التسديد.
اتفاق في بروكسل
هكذا، وبعد جولات في المكاتب متزامنة مع معارك على الأرض، توصل الأوروبيون والأوكرانيون والروس في بروكسل، أمس الأول، عبر وفود تمثلهم إلى توقيع اتفاق حول "خطة الغاز الشتوي لأوكرانيا".
كما تم إبرام اتفاق بين شركة "غاز بروم" الروسية وشركة "نفط غاز" الأوكرانية حول شروط توريد الغاز الروسي لأوكرانيا، حتى نهاية مارس/آذار 2015. لتعود بعدها عجلة المساومات إلى الدوران من جديد، حيث الغاز ورقة في صراع روسي غربي جيوسياسي.
وفي السياق، نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، أن روسيا تأمل بالعودة إلى السعر الأساسي للتعاقد (أي غير المخفض) بدءاً من أبريل/نيسان 2015. إلا أنّ آمال روسيا ستعترضها عثرات أوروبية وأوكرانية، لن يكون واقع الصراع على الأرض بين جنوبي شرق البلاد وكييف آخر أوراقها، ولذلك فمن المستبعد أن يوافق الجانب الأوكراني على العودة إلى السعر القديم بعدما حظي بسعر مخفض.
المهم اليوم أن الشعب الأوكراني سينعم بالدفء، دون أن يعني ذلك عودة الدفء إلى العلاقات بين كييف وموسكو. فهل تتحوّل هدنة الغاز الشتوية إلى سلام غاز دائم بين روسيا من جهة وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، أم أننا سنشهد جولات قادمة من صراع الغاز بوصفه واجهة لصراع سياسي محتدم تلعب فيه واشنطن دوراً مركزياً؟
من جهته، أكد أليكسي ميللر، رئيس شركة "غاز بروم" الروسية، أن عملاق الغاز الروسي سيبدأ بإمداد أوكرانيا بالغاز، خلال 48 ساعة من لحظة استلامه مبلغ 1.45 مليار دولار سلفة عن الغاز الذي سيتم سحبه، علما بأن سعر الغاز المتفق عليه حتى نهاية العام الجاري هو 378 دولاراً للألف متر مكعب، بينما سيكون في الأشهر الثلاثة الأولى من العام القادم، 365 دولارا للألف متر مكعب.
وأما بعد ذلك فلكل حادث حديث. إلا أن ذلك لا يقلل من أهمية الفرصة التي حظي بها الجانب الأوكراني والمتمثلة بإمكانية سحب مزيد من الغاز بالسعر المخفض وتخزينه، فشركة "نفط غاز" الأوكرانية تمتلك الحق، وفقا للاتفاق، بشراء كميات إضافية من الغاز لدى "غاز بروم"، ولكن بالدفع مقدماً.
ليس بلا ضغوط
يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، العارف جيداً بالصعوبات التي يعانيها الاقتصاد الروسي جراء العقوبات الغربية، وانخفاض أسعار النفط الذي ترى موسكو أن لأميركا يداً فيه، اختار أهون الشرور الممكنة، أي القبول بالخسارة الأصغر تجنباً لخسائر أكبر. فجعل شركة "غاز بروم" تقبل بشروط لم تكن تقبل بها من قبل، ولكن على حساب مساهميها.
وهكذا، فقد اعترف فلاديمير بوتين، وفقا لموقع "بوليت.رو" بأنه مارس ضغوطاً على "غاز بروم"، من أجل الموافقة على أن تسدد أوكرانيا ديونها عن الغاز الذي استجرّته سابقا، بالسعر الأدنى، أي 268 دولاراً للألف متر مكعب.
وفي تأكيد لذلك، نشر موقع الكرملين الرسمي "كرملين.رو"، قول الرئيس بوتين، في الرابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أثناء منتدى "فالدالي" للحوار في سوتشي: "اضطررت للضغط على "غاز بروم"، فأرجو المعذرة من المساهمين بمن فيهم المساهمين الأجانب، راجيا غاز بروم عدم الإصرار على هذه الأموال (ويعني الدين الإجمالي لغاز بروم الذي يبلغ 5.3 مليار دولار مستحقة على الجانب الأوكراني، على أساس سعر 485 دولار للألف متر مكعب)، والقول لهم (للأوكرانيين) ليدفعوا على الأقل 3.5 مليار دولار. وبعد ذلك سوف نحل الأمر معهم، ونتناقش حول الفارق".
وهكذا يكون الرئيس الروسي قد ترك الباب مفتوحاً أمام التطورات المستقبلية، ما يعني أن تسوية الغاز المحتفى بها لا تتضمن تنازل روسيا عن الفارق في السعر، بمقدار ما تعني تسهيلاً مؤقتاً يسمح باستئناف ضخ الغاز، حيث زمهرير الشتاء لا يغير طبيعته تبعا للأهواء السياسية، وترك فارق الديون ورقة سياسية بيد موسكو تتداولها وفق التطورات على الأرض.
ومن الجدير بالذكر أن روسيا، وفقاً للعقد الذي تم توقيعه، ستبيع الغاز لأوكرانيا خلال الشتاء، بتخفيض يبلغ مائة دولار للألف متر مكعب. ولكن، خلافاً لتسديد الدين الذي ستتحمل شركة "غاز بروم" أعباءه، فإن هذا التخفيض لن يكون على حساب شركة "غاز بروم"، إنما على حساب خفض الحكومة لضريبة تصدير الغاز إلى أوكرانيا، أي على حساب الخزينة الروسية.
ويشار هنا إلى أن تاريخ تخفيض سعر الغاز بهذا المقدار يعود إلى اتفاقات خاركوف، التي تم إبرامها في الحادي والعشرين من أبريل/نيسان، 2010، بين الرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيدف والرئيس الأوكراني المخلوع فيكتور يانوكوفيتش، وذلك لقاء تمركز الأسطول الروسي في القرم. أما بعد انضمام شبه جزيرة القرم لروسيا، فقد ألغت موسكو التخفيض الذي سبق أن منحته لأوكرانيا، لزوال أسبابه.
وهكذا، وبصرف النظر عن دورة الصراع القادمة التي سيكون الغاز، كالعادة، أحد أوراقها، تكون أوروبا قد ضمنت مرور الغاز الروسي إلى مواطنيها دون الانخفاض المعهود في ضغطه أثناء مروره في الأراضي الأوكرانية، فكثيراً ما اتُهمت كييف بسرقة الغاز المخصص لأوروبا، ويكون الأوكرانيون قد اطمأنوا إلى شتاء دافئ، بانتظار ربيع قد يكون ساخنا على الجبهات. الجميع يعيد ترتيب أوراقه بانتظار الربيع.
اتفاق في بروكسل
هكذا، وبعد جولات في المكاتب متزامنة مع معارك على الأرض، توصل الأوروبيون والأوكرانيون والروس في بروكسل، أمس الأول، عبر وفود تمثلهم إلى توقيع اتفاق حول "خطة الغاز الشتوي لأوكرانيا".
كما تم إبرام اتفاق بين شركة "غاز بروم" الروسية وشركة "نفط غاز" الأوكرانية حول شروط توريد الغاز الروسي لأوكرانيا، حتى نهاية مارس/آذار 2015. لتعود بعدها عجلة المساومات إلى الدوران من جديد، حيث الغاز ورقة في صراع روسي غربي جيوسياسي.
وفي السياق، نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، أن روسيا تأمل بالعودة إلى السعر الأساسي للتعاقد (أي غير المخفض) بدءاً من أبريل/نيسان 2015. إلا أنّ آمال روسيا ستعترضها عثرات أوروبية وأوكرانية، لن يكون واقع الصراع على الأرض بين جنوبي شرق البلاد وكييف آخر أوراقها، ولذلك فمن المستبعد أن يوافق الجانب الأوكراني على العودة إلى السعر القديم بعدما حظي بسعر مخفض.
المهم اليوم أن الشعب الأوكراني سينعم بالدفء، دون أن يعني ذلك عودة الدفء إلى العلاقات بين كييف وموسكو. فهل تتحوّل هدنة الغاز الشتوية إلى سلام غاز دائم بين روسيا من جهة وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، أم أننا سنشهد جولات قادمة من صراع الغاز بوصفه واجهة لصراع سياسي محتدم تلعب فيه واشنطن دوراً مركزياً؟
من جهته، أكد أليكسي ميللر، رئيس شركة "غاز بروم" الروسية، أن عملاق الغاز الروسي سيبدأ بإمداد أوكرانيا بالغاز، خلال 48 ساعة من لحظة استلامه مبلغ 1.45 مليار دولار سلفة عن الغاز الذي سيتم سحبه، علما بأن سعر الغاز المتفق عليه حتى نهاية العام الجاري هو 378 دولاراً للألف متر مكعب، بينما سيكون في الأشهر الثلاثة الأولى من العام القادم، 365 دولارا للألف متر مكعب.
وأما بعد ذلك فلكل حادث حديث. إلا أن ذلك لا يقلل من أهمية الفرصة التي حظي بها الجانب الأوكراني والمتمثلة بإمكانية سحب مزيد من الغاز بالسعر المخفض وتخزينه، فشركة "نفط غاز" الأوكرانية تمتلك الحق، وفقا للاتفاق، بشراء كميات إضافية من الغاز لدى "غاز بروم"، ولكن بالدفع مقدماً.
ليس بلا ضغوط
يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، العارف جيداً بالصعوبات التي يعانيها الاقتصاد الروسي جراء العقوبات الغربية، وانخفاض أسعار النفط الذي ترى موسكو أن لأميركا يداً فيه، اختار أهون الشرور الممكنة، أي القبول بالخسارة الأصغر تجنباً لخسائر أكبر. فجعل شركة "غاز بروم" تقبل بشروط لم تكن تقبل بها من قبل، ولكن على حساب مساهميها.
وهكذا، فقد اعترف فلاديمير بوتين، وفقا لموقع "بوليت.رو" بأنه مارس ضغوطاً على "غاز بروم"، من أجل الموافقة على أن تسدد أوكرانيا ديونها عن الغاز الذي استجرّته سابقا، بالسعر الأدنى، أي 268 دولاراً للألف متر مكعب.
وفي تأكيد لذلك، نشر موقع الكرملين الرسمي "كرملين.رو"، قول الرئيس بوتين، في الرابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أثناء منتدى "فالدالي" للحوار في سوتشي: "اضطررت للضغط على "غاز بروم"، فأرجو المعذرة من المساهمين بمن فيهم المساهمين الأجانب، راجيا غاز بروم عدم الإصرار على هذه الأموال (ويعني الدين الإجمالي لغاز بروم الذي يبلغ 5.3 مليار دولار مستحقة على الجانب الأوكراني، على أساس سعر 485 دولار للألف متر مكعب)، والقول لهم (للأوكرانيين) ليدفعوا على الأقل 3.5 مليار دولار. وبعد ذلك سوف نحل الأمر معهم، ونتناقش حول الفارق".
وهكذا يكون الرئيس الروسي قد ترك الباب مفتوحاً أمام التطورات المستقبلية، ما يعني أن تسوية الغاز المحتفى بها لا تتضمن تنازل روسيا عن الفارق في السعر، بمقدار ما تعني تسهيلاً مؤقتاً يسمح باستئناف ضخ الغاز، حيث زمهرير الشتاء لا يغير طبيعته تبعا للأهواء السياسية، وترك فارق الديون ورقة سياسية بيد موسكو تتداولها وفق التطورات على الأرض.
ومن الجدير بالذكر أن روسيا، وفقاً للعقد الذي تم توقيعه، ستبيع الغاز لأوكرانيا خلال الشتاء، بتخفيض يبلغ مائة دولار للألف متر مكعب. ولكن، خلافاً لتسديد الدين الذي ستتحمل شركة "غاز بروم" أعباءه، فإن هذا التخفيض لن يكون على حساب شركة "غاز بروم"، إنما على حساب خفض الحكومة لضريبة تصدير الغاز إلى أوكرانيا، أي على حساب الخزينة الروسية.
ويشار هنا إلى أن تاريخ تخفيض سعر الغاز بهذا المقدار يعود إلى اتفاقات خاركوف، التي تم إبرامها في الحادي والعشرين من أبريل/نيسان، 2010، بين الرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيدف والرئيس الأوكراني المخلوع فيكتور يانوكوفيتش، وذلك لقاء تمركز الأسطول الروسي في القرم. أما بعد انضمام شبه جزيرة القرم لروسيا، فقد ألغت موسكو التخفيض الذي سبق أن منحته لأوكرانيا، لزوال أسبابه.
وهكذا، وبصرف النظر عن دورة الصراع القادمة التي سيكون الغاز، كالعادة، أحد أوراقها، تكون أوروبا قد ضمنت مرور الغاز الروسي إلى مواطنيها دون الانخفاض المعهود في ضغطه أثناء مروره في الأراضي الأوكرانية، فكثيراً ما اتُهمت كييف بسرقة الغاز المخصص لأوروبا، ويكون الأوكرانيون قد اطمأنوا إلى شتاء دافئ، بانتظار ربيع قد يكون ساخنا على الجبهات. الجميع يعيد ترتيب أوراقه بانتظار الربيع.