موريتانيا: سيطرة القبائل تُهدر الثروة الخضراء

18 مارس 2017
تتوفر موريتانيا على 1.2 مليون فدان صالح للزراعة (Getty)
+ الخط -
أدت سيطرة القبائل في موريتانيا على مساحات واسعة من الأراضي الخصبة، خاصة في جنوب وشرق البلاد، إلى تأثر النشاط الزراعي وانخفاض إنتاجية الكثير من المناطق التي كانت قد بدأت قبل أعوام تحقق طفرة في الإنتاج بفضل جهود الاستصلاح وجلب مياه الري من نهر السنغال.
وتدّعي بعض القبائل العربية ملكيتها لأراض شاسعة في بلد يعاني من ندرة الأراضي الفلاحية، ورغم أنها لا تملك سندا قانونيا يؤكد ملكيتها لهذه المساحات إلا أن سياسة وضع اليد التي اتبعتها هذه القبائل منذ زمن بعيد بسبب صراعاتها على الآبار وموارد العيش، أضاعت على الدولة تلك المساحات الخصبة بما تتوف عليه من آبار وأنهار وخزانات جوفية.

ونادرا ما تقوم القبائل بزراعة هذه الأراضي وتكتفي بحراستها كما تمتنع عن إيجارها للغير، خشية أن تفقد سيطرتها على مناطق نفوذها، وحتى المشاريع الزراعية التي يقوم بها أبناء القبيلة من المزارعين لا تحقق إنتاجية كبيرة وتفتقر للكفاءة الاقتصادية والإمكانات الضرورية لتحقيق ناتج زراعي مهم.
وتسيطر القبائل على الواحات في منطقة آدرار، حيث عشرات الآلاف من أشجار النخيل المنتج، كما تبسط سيطرتها على الأراضي الزراعية الخصبة في مناطق الجنوب والغرب، خاصة روصو وغورغول ولعصابة ولبراكنه.
أما في منطقة الشرق، فإن القبائل لم تتخل عن سياسة اختيار أهم الأراضي من حيث الموقع الاستراتيجي، سيما تلك التي تحوي الآبار والمراعي في منطقة الحوضين.

ويطالب المراقبون الحكومة الموريتانية بوقف كل أشكال الملكية الجماعية أو ملكية القبائل للأراضي الزراعية، معتبرين أن هذه الملكيات تُضعف الدولة وتكرس الطبقية بالبلاد، كما أنها تقوّض جهود الاستثمار الزراعي في بلد يستورد أغلب احتياجاته من الخضروات والفواكه من المغرب والسينغال.
ويقول الخبير الزراعي محمد محمود ولد الهيبة، إن الأراضي الزراعية الخصبة قليلة في موريتانيا البلد الصحراوي القاحل الذي يستورد حاليا أكثر من ثلثي حاجياته من الخضر والفواكه ونحو 90% من احتياجاته من الحبوب.
ويعتبر أن الحكومة فشلت في تحفيز الزراعة بسبب عدم تمكنها من جذب استثمارات في هذا القطاع، فضلا عن عدم دعم المزارعين، وضعف القدرة على استعادة الأراضي من القبائل.
ويضيف ولد الهيبة لـ "العربي الجديد" أن القبائل لا تستغل الأراضي التي تسيطر عليها كما ينبغي بسبب ضعف إمكاناتها وخبرتها إضافة إلى الثقافة الشعبية التي تجعل الموريتاني يفضل الرعي وتنمية المواشي على الاستثمار في الزراعة.

ويعتبر أن ملكية الأرض باسم القبائل تهدّ أركان الدولة وتسبب الكثير من المشاكل والصراعات وتقضي على حلم تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتج الزراعي أو تقليص فاتورة استيراد احتياجات البلاد من الخضروات والحبوب.
ويؤكد أن أكثر 95% من الأراضي التي تسيطر عليها القبائل غير مستغلة زراعيا، في حين أن أكثر من 90% من المزارعين الصغار من الطبقات الاجتماعية المهمشة لا يمتلكون أرضاً نتيجة المنح التقليدي أو الاستغلال الإقطاعي للأراضي الزراعية.
ويدعو الخبير الزراعيُّ الدولة الى تقديم المصلحة العامة على الفردية ونزع ملكية القبائل للأراضي وحل مشكلة الملكية العقارية للأراضي ودعم الفاعلين الحقيقيين في قطاع الزراعة وتفكيك طبقة الطفيليين التي تثقل كاهله.

وعرفت موريتانيا خلال السنوات الأخيرة ارتفاعا في نسبة التساقطات المطرية التي رفعت من منسوب البحيرات والمجاري المائية التي يستعملها الفلاحون، ما دفع الكثير من المستثمرين إلى الاستثمار في زراعة الأرز والخضروات التي تستوردها موريتانيا من المغرب والسينغال.
ولعل تعطل المشروع الزراعي الضخم لشركة الراجحي السعودية في الجنوب الموريتاني يؤكد صحة مخاوف الخبراء من عواقب استمرار سيطرة القبائل على الأراضي الزراعية، في وقت تحاول الحكومة جذب الاستثمارات الأجنبية لتطوير القطاع الزراعي الذي لطالما اعتبرته طوق نجاة ينقذها من استيراد 67% من الغذاء.

ويواجه مشروع الراجحي صعوبات كبيرة بسبب رفض القبائل، وهم السكان الأصليون في المنطقة، التخلي عن أراض قامت الدولة بتوقيع عقد تأجيرها لمجموعة الراجحي السعودية في ولايتي الترارزة ولبراكنة جنوب البلاد، لزراعة القمح والذرة الشامية وأنواع متعددة من الخضروات. وتستثمر المجموعة السعودية بموجب هذه الصفقة مليار دولار في مشاريع زراعية وأخرى تهتم بتنمية الثروة الحيوانية والسمكية بأنواعها.
ورغم مرور ثلاث سنوات على توقيع اتفاقية التعاون بين تحالف الراجحي والحكومة، إلا أن المشروع توقف تماما منذ الاحتجاجات التي قام بها السكان ضده.
وتتوفر موريتانيا على أكثر من نصف مليون هكتار صالح للزراعة (نحو 1.2 مليون فدان)، منها قرابة 137 ألف هكتار تُروى بمياه نهر السينغال.


المساهمون