يشكل زواج القاصرات في موريتانيا عرفا تقليديا يتزايد انتشاره بشكل كبير في المدن الداخلية، مستفيدا بذلك من محافظة المجتمع وبداوته التي تعطي الأولوية لكل ما هو قديم من عادات وتقاليد، مما جعل الظاهرة تسجل ارتفاعا ملحوظا في السنوات الأخيرة حتم على الجهات الرسمية، والمنظمات المعنية بحقوق القصر، التحرك لمنعه، أو التقليل من استفحاله تحت عناوين مختلفة، من أبرزها أضراره الصحية، وتأثيراته النفسية على البنات وكذا عوائقه التنموية للمجتمع.
ويعود زواج القاصرات في موريتانيا إلى عقود زمنية طويلة كانت المرأة فيها غير معنية بالعمل، كما أنها غير مشغولة بالتحصيل العلمي، لذلك تلزمها العادات والتقاليد بالبقاء في البيت وتربية الأبناء وطبخ الطعام لهم، لكن عجلة الزمن دارت ليجد الموريتانيون أنفسهم أمام واقع جديد تساوت فيه المرأة مع الرجل في التعليم، وشغل الوظائف، وتعالت أصوات الداعين للتخلص من كل تلك العوائق، لكن ظاهرة زواج القاصرات ما تزال مستمرة تتفوق على كل محاولات تشريع منعها ومحاربتها بكل الطرق.
أرقام مخيفة..
سجلت السنوات الأخيرة ارتفاعا مذهلا لمعدلات زواج القاصرات في موريتانيا، حيث تشير أرقام المسح متعدد المؤشرات الذي تقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة، إلى أنه في سنة 2011، رصدت نسبة 37%، من الفتيات المتزوجات قبل سن الثامنة عشرة، كما سجلت نسبة 15%، من الفتيات اللواتي تزوجن بالتحديد قبل سن الخامسة عشرة.
وحسب المسح نفسه، فإن هذه الأرقام ترتفع في الوسط الريفي، وهو ما أوضح أن نسبة 17%، من الفتيات تزوجن قبل سن الخامسة عشرة وحوالي 41%، تزوجن قبل سن البلوغ، أي قبل أن تصل أعمارهن إلى الثامنة عشرة.
ويرى الباحث الاجتماعي محمد الحسن ولد محمد، أن الإحصائيات الرسمية المتعلقة برصد زواج القاصرات في موريتانيا "غير دقيقة بالمقارنة مع استفحال الظاهرة في المدن والأرياف، حيث أن الزواج في الغالب يحدث مع قاصرات دون سن الثامنة عشرة، كما أنه يحدث بعيدا عن الضجيج المعارض للظاهرة، وبالتالي لن تتمكن الجهات المعنية من الحصول على إحصائيات تقرب النسب الحقيقة".
ويقول ولد محمد لـ(جيل العربي الجديد) أن ا"لبنات في موريتانيا يعانين من الانقطاع المستمر عن الدراسة بسبب الزواج المبكر، وتصاب العديد منهن بأمراض مختلفة، كما تقع أخريات ضحايا للطلاق بسبب عدم تمكنهن من القيام بالواجبات الأسرية لصغر أعمارهن".
أضرار متعددة..
ترافق ظاهرة زواج القاصرات عدة أضرار سلبية، فإلى جانب الآثار الصحية الإنجابية، والتسرب المدرسي، يؤكد العديد من المهتمين بدراسة الظاهرة أنها طريق سالك للطلاق المبكر الذي يجعل البنت بين فكي كماشة الجهل والمرض وانعدام المعيل نظرا لأن العادات والتقاليد لا تمنح المطلقة الكثير من الاهتمام، بحيث تتخلى أسرتها عن منحها الكثير من الامتيازات المادية والمعنوية التي كانت تحظى بها قبل الانفصال عن الزوج.
وتشير الاحصائية الرسمية لوزارة المرأة في موريتانيا إلى أن نسبة زواج القاصرات تترافق مع نسب مرتفعة للحمل المبكر، الذي تنتج عنه مضاعفات خطيرة مثل الإجهاض، حيث أن نسبة 23% من حالات الحمل المبكر صاحبتها تلك المضاعفات.
وتقول الاستشارية الصحية منينة ولد الطايع، إن "العديد من حالات الولادة التي تشرف عليها تكون فيها الأم تحت سن البلوغ، وإن بعضهن يصبن بأمراض في الجهاز التناسلي، كما يخضع عدد منهن لعمليات قيصرية".
يمكن القول زواج القاصرات عادة غير حميدة منتشرة بشكل كبير في غرب إفريقيا، كانت تلجئ لها المجتمعات لعدة أسباب منها ما هو اقتصادي بحت. كما أن هناك أسباب ثقافية ودينية لانتشار الظاهرة. والسؤال يتعدى الأسباب، اليوم، ليسلط الضوء على مصير الفتيات اللواتي يقعن ضحية هذه الدوامة النفسية الصحية الاجتماعية؟!