ينتشر في الحفلات الموريتانية المختلفة فن قرع الطبول، لكنّ كثيرين لا يعرفون أصل هذا الفنّ الذي كان ذا رمزية سياسية مهمة لدى قبائل البلاد في ما مضى، فتحول إلى وسيلة لكسب العيش.
ظل فن قرع الطبول في موريتانيا، حتى وقت قريب، يحتل مكانة كبيرة في نفوس الموريتانيين في مختلف الميادين الاجتماعية والثقافية، بوصفه آلة موسيقية ورمز سيادة تقليدياً بين القبائل، إذ يعبر عن سلطة شيوخها، والاحتفاء بكبار القوم، أثناء الحروب والأفراح على حد سواء. لكنّ التحولات المجتمعية فرضت على الطبل التحول إلى وسيلة للتكسب لدى الفقراء.
داخل خيمة أعدت لمناسبة اجتماعية في أحد أحياء العاصمة نواكشوط، تطلق فاطمة بنت محمود حنجرتها بالزغاريد ترافقها تصفيقات حارة من بعضهم، بينما تقرع الطبل بطريقتها الخاصة لبث الحماس في نفوس الحاضرين كي يبدؤوا الرقص على ألحانها. تؤكد بنت محمود لـ"العربي الجديد" أنّها تعمل منذ سنوات في هذه المهنة، متخذة من المناسبات الاجتماعية والسياسية ضالتها المنشودة للحصول على مقابل مادي يجود به منظمو الحفلات الاجتماعية وجمهورها، ما يساعدها في توفير القوت اليومي لعائلتها الفقيرة. تواصل بنت محمود التمايل على الطبل وإطلاق الكلمات الحماسية ما يسعد الجمهور ويهدف إلى منحها مزيداً من المال.
تعتبر زينب بنت البكاي، وهي منظمة حفلات اجتماعية، أنّ فن قرع الطبول لا يمكن الاستغناء عنه خلال المناسبات الاجتماعية والسياسية الجماهيرية، إذ تتحول في الغالب إلى سهرات فنية يشارك فيها الفنانون التقليديون ويطغى عليها طابع الحماس واستحضار تقاليد المجتمع الموريتاني. تضيف لـ"العربي الجديد" أنّ السهرات الاجتماعية لا تخلو من قارعي الطبول، إذ تحول هذا الفن إلى وسيلة لجمع المال. ويعود ذلك إلى الطلب المتزايد من الجمهور على هذا الفن في سهراتهم المتنوعة واحتفالاتهم، حتى بات جزءاً لا يتجزأ منها في الوقت الحاضر.
بدوره، يقول الباحث الاجتماعي، سيدي ولد سيد أحمد البكاي، إنّ "تمكن البعض من جمع المال عبر قرع الطبول سببه استغلال رمزيتها في المجتمع، فحلول ضيف جديد ذي مكانة معينة أو نظم قصيدة جديدة أو القيام بفعل بطولي، كان يستدعي قرع الطبل له في ما مضى، على سبيل التكريم والتبجيل. ولعلّ هذه الرمزية هي التي يحاول البعض اللعب على وترها لاستدرار جيوب الممدوحين مؤلفاً بذلك شكلاً جديداً من الأشكال المعاصرة للتسول".
يشير ولد سيد أحمد البكاي إلى أنّ "الطبل في موريتانيا مثّل أداة اتصال مميزة لدى المجتمع التقليدي، حتى أصبح وسيلة الاتصال الأكثر استخداماً في أهم المناسبات، سواء تعلق الأمر بالحرب من أجل شحذ الهمم وإعلام المقاتلين الذين يصلهم صوت الطبل أو صداه، أو في أوقات السلم و الأفراح". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "وجود الطبل في خيمة الزعيم التقليدي كان يشكل هو الآخر رمزية بالغة الدلالة، فالطبل في هذه الحال موجود في مكان الحل والربط، ومكان اتخاذ القرارات المصيرية للمجموعات القبلية. وقد شكل سلبه أو انتزاعه من مجموعة مؤشراً كافياً لهزيمتها أثناء الحروب، أو انتزاع المكانة والزعامة التقليدية منها". يعتبر أنّه "نظراً إلى التحولات التي شهدها المجتمع التقليدي الموريتاني وانتشار وسائط جديدة للاتصال وانحسار مفهوم الجماعات التقليدية بدأ دور الطبل في التراجع، محتفظاً في الكثير من الأحيان بأدوار ثانوية وسط الآلات الموسيقية التقليدية".
على الرغم من تحول قرع "الطبل"، في موريتانيا إلى وسيلة عيش وتكسب لدى بعض الفقراء، فقد استعمل سابقاً في عدة أساليب كحفلات الزفاف، والمدائح النبوية التي تنظمها النساء، وطلب التجمع، وإرشاد الضال إلى الطريق، واستقبال الضيوف، وإيقاظ النائمين على السحور في شهر رمضان.
تقول مريم وهي خبيرة في قرع الطبول، إنّ الطبل يتكون من قدح كبير يكون بمثابة قاعدة له يصنع من الشجر، ويغلف بجلد البقر، ويشد على القاعدة بحبال من جلد البقر أيضاً، ثم تسكب عليه دهون المسيلة من الشحوم ويمضي وقتاً طويلاً ثم يستعمل في المناسبات الاجتماعية أو السياسية. تعتبر مريم في حديثها إلى "العربي الجديد" أنّ الطبل يحتل مكانة مهمة في جميع المناسبات الاجتماعية والثقافية والسياسية بموريتانيا. وتشير إلى أنّ هناك رجالاً يقرعون الطبل في المناسبات الاجتماعية والمدائح النبوية، وحتى على قارعة الطريق. وكلّ ذلك من أجل التكسب خصوصاً في المدن الموريتانية الكبيرة ذات الكثافة السكانية المرتفعة.