يسخر السائق الموريتاني محمد المختار، من مسمى طريق "الأمل"، الذي يعد أطول الطرق الموريتانية طولا (يصل إلى 1107 كيلومترات)، إذ يرى المختار أن الطريق صار عنوانا لموت محقق يطارد المسافرين القادمين من وإلى العاصمة نواكشوط، وأن مسماه ينبغي أن يصبح "طريق الحزن"، بعد أن توفي العديد من الموريتانيين عليه من جميع الشرائح والأعمار (سياسيون ورجال أعمال ومثقفون وبسطاء).
يرى المختار أن الطريق شر لا بد منه، إذ لا يمكنه توصيل المسافرين من العاصمة نواكشوط إلى مدن الشرق الموريتاني، دون استخدام الطريق الذي كثيرا ما شاهد بعينيه حوادث فوق الكثبان الرملية، أو في الأودية المنتشرة على طول الطريق، الذي كان أمل الموريتانيين الوحيد في ربط الشبكة الطرقية وتخفيف معاناة آلاف المسافرين عبره، كما يقول.
ما ذكره السائق الموريتاني، يدعمه ما جرى صبيحة 22 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إذ توفي نجل الرئيس الموريتاني أحمدو ولد عبد العزيز والصحافي الشيخ عمر انجاي، في حادث سير مروّع غرب مدينة الطينطان نحو (723) كلم شرقي البلاد، وأصيب ثلاثة من رفاقهم بجروح متفاوتة الخطورة، أثناء رحلة عمل خيرية تستهدف توزيع مساعدات إنسانية لصالح أبناء فقراء المناطق التي يربطها طريق الأمل بموريتانيا.
اقرأ أيضا: البيض و"الحراطين".. صراعٌ يهدّد وحدة موريتانيا
ارتفاع عدد الحوادث على طريق الأمل
يعتبر طريق الأمل الأطول بموريتانيا، إذ يمتد على مسافة (1107) كلم، ويعرف بهذا الاسم لكونه يربط بين العاصمة نواكشوط ومدينة النعمة في أقصى الشرق، كما يربط بين ثماني ولايات (محافظات) داخلية، ساهم الطريق في فك عزلتها وربطها بالعاصمة نواكشوط.
وبدأ العمل في طريق الأمل عام 1975، وهو يقطع موريتانيا من الغرب نحو الشرق، ويمر بعدة ولايات، ومقاطعات، ومراكز إدارية، ويعتبر شريان الحياة لسكانها، وطريقاً معبّداً لعبور كافة السلع المستوردة عبر موانئ موريتانيا باتجاه دولة مالي المجاورة.
قبل 3 أعوام عمل سائق سيارة الأجرة أحمدو سيدي، على طريق الأمل. خلال تلك الأعوام، شاهد في مرات كثيرة العديد من حوادث السير، إذ لا يكاد يمر يوم بدون أن يحصد الطريق ضحايا قادمين من أقصى الشرق، أو مسافرين منطلقين من العاصمة نواكشوط باتجاه المناطق الداخلية.
يقول سيدي لـ"العربي الجديد"، إن حوادث السير على طريق الأمل ناجمة عن السرعة الفائقة لسائقي السيارات، ولتقادم الطريق، وخاصة السريعة، وافتقادها للصيانة، وانتشار المناطق غير الممهّدة جيدا، وكذا انتشار الكثبان الرملية على جنباتها.
بحسب وزير التجهيز والنقل الموريتاني السابق، إسلك ولد أحمد إيزيد، فإن تفاقم حوادث السير ناتج عن تسهيل منح رخص السياقة، وعدم الالتزام بقواعد المرور، والسرعة الجنونية على الطريق.
بحسب إحصائيات مرورية، فإن العام 2009، شهد 6044 حادثا، وتوفي 228 شخصاً، وفي العام 2010، توفي 256، في 5349 حادثا، وفي العام 2011، بلغ عدد قتلى حوادث السير بموريتانيا نحو 171، وفي العام 2012 وقعت 1600 حادثة وراح ضحيتها 168 شخصاً، وارتفع الرقم بشكل كبير في العام 2013 إلى 1028 حالة وفاة، قضوا في 653 حادث سير.
وبحسب وزير التجهيز والنقل الموريتاني السابق، فإن العام 2014 شهد 5843 حادثة سير تم تسجيلها لدى المصالح المختصة، أسفرت عن 1850 ضحية. ويرى الوزير الموريتاني ضرورة انتهاج سياسات مبنية على التعاون مع مختلف القطاعات الحكومية وهيئات المجتمع المدني للحد من حوادث السير.
اقرأ أيضا: سلفيو موريتانيا.. على خطى حزب النور المصري
أسباب الحوادث على طريق الأمل
يؤكد الخبير المروري الموريتاني الشيخ ولد محمد، أن الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع حوادث السير على طريق "الأمل" بموريتانيا تعود إلى السرعة المفرطة من طرف السائقين، وتقادم الطريق، معتبرا أن السيارات الفارهة تغري أصحابها للسير بسرعة مفرطة وبالتالي تزداد احتمالات انقلاب السيارة في حال تعرضها لأي خلل فني.
ويؤكد ولد محمد، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن وجود الحيوانات بكثرة على طريق الأمل، سبب آخر يضاف إلى أسباب الحوادث، بالإضافة إلى تقادم عمر بعض السيارات، وعدم التزام السائقين بشروط السلامة المرورية.
ويتفق الباحث المروري أحمد ولد المامي، مع الرأي السابق، معتبرا أن طريق الأمل صار طريقا للموت، بسبب إهمال الجهات المختصة له، والسرعة المفرطة، وتقادم المركبات، وانتشار الغبار الكثيف والحيوانات، وتعطل المركبات.
وذكر ولد المامي، لـ"العربي الجديد"، أن الدراسات المرورية حول حوادث السير بموريتانيا تؤكد أن مخالفات المرور وتهوّر السائقين وعدم مراعاة ظروف المركبات الفنية والطرق المهترئة، تعد الأسباب الرئيسية لوقوع الحوادث.
اقرأ أيضا: موريتانيا .. شبكات الفساد تحرم الفقراء السمك
من المسؤول؟
يحمّل عضو البرلمان الموريتاني، لقطب ولد محمد مولود، الجهات الحكومية المسؤولية عن وضع حد للخطر المحدق الذي يشكله طريق الأمل، مؤكدا أن الطريق شريان حياة بالنسبة لكل الموريتانيين، وهو طريق يربط أغلب المدن والولايات الموريتانية ببعضها، لكنه تحوّل إلى معبر سريع نحو الموت والألم للمسافرين.
وقال مولود إن طريق الأمل أصبح يشكل ركاما كثيرا من الدموع، والجراح، والآلام، بعد الأرواح البريئة التي صعدت إلى بارئها بسببه، معتبرا أن الجزء الرابط بين مدينة (نواكشوط وبوتلميت) يمثل أخطر مقاطع هذا الطريق، وأكثرها قدرة على إنهاء الرحلات السعيدة بنهايات من الموت والألم، متابعا "وضعية هذا الطريق باتت أكثر خطورة من ذي قبل".
ودعا عضو البرلمان الموريتاني عن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعارض بموريتانيا، السلطات الرسمية إلى التعامل بسرعة مع هذا الوضع الخطر، الذي لا يمكن السكوت عنه، لكونه تسبب في إزهاق أرواح عدد هائل من الموريتانيين.