وتعيد هذه الانتصارات المتسارعة، في ظلّ مشهد هروب قوات النظام إلى مدينة صوران الموالية، جنوبي مورك، إلى الأذهان سيناريو مدينة إدلب وريفها، حين باشر "جيش الفتح" هجوماً واسعاً هناك، مانحاً ملجأً لقوات النظام لتهرب إليه، حتى خلت محافظة إدلب منهم، باستثناء كفريا والفوعة، في ريف المحافظة الشمالي.
على أن هذا السيناريو لن يُطبّق كما هو في حماة، على اعتبار أن "جيش الفتح" بدأ معركته في إدلب من المدينة إلى ريفها، في حين أنه يعمل بصورة معاكسة في حماة، إذ بدأ حملته للسيطرة على ريف حماة الشمالي أولاً قبل الدخول بعد ذلك إلى مدينة حماة ومطارها العسكري. وفي هذا الصدد، قد يترك "الجيش" الريفين الغربي والشرقي، إلى وقت لاحق، على قاعدة "السيطرة على المناطق الأكثر حساسية" في الوقت الحالي.
ويأتي التقدم الأخير بالتزامن مع حديث قائد القوات الجوية الروسية، فيكتور بونداروف، أمس الخميس، وقوله إن "روسيا أرسلت أنظمة صواريخ إلى سورية لحماية قواتها هناك". ويكشف بونداروف أنه "فكرنا في كل المخاطر المحتملة. لم نرسل مقاتلات وقاذفات وطائرات هليكوبتر فحسب، بل أيضاً أنظمة صواريخ".
ويبدو أن التدخل العسكري الروسي في سورية لمنع سقوط النظام وإيقاف تقّدم قوات المعارضة، بدأ يتحول من نعمة إلى نقمة. وبعدما فشلت حملات النظام بمساندة سلاح الجو الروسي، في التقدّم في كل من حماة وحمص واللاذقية وحلب، أخذت الخارطة الميدانية تشهد انقلاباً لصالح فصائل المعارضة، مما قد يمهّد لمزيد من الضغوط الإقليمية والدولية في فيينا 3، بغية تحديد زمن رحيل الرئيس الحالي بشار الأسد.
اقرأ أيضاً: موسكو تدعو "هيئة التنسيق" السورية المعارضة للتشاور حول فيينا
ومن شأن هذه التحوّلات أن تنعكس بصورة أكثر إيجابية على فصائل المعارضة في المرحلة المقبلة، بعد مرور حوالى ثلاثة أسابيع على إعلان "جيش الفتح" عن "غزوة تحرير حماة". لم يشهد هذا الإعلان في حينه ترحيباً واسعاً من قبل أوساط المعارضة، إما لجهة صعوبة المعارك في وقتها، بفعل التدخّل الروسي، وفتح النظام جبهات عديدة في وقت واحد، أو لجهة المراوحة التي شهدها "جيش الفتح" بحدّ ذاته وتراجع شعبيته، بعد سلسلة انتصارات في الربيع والصيف الماضيين، في مدن إدلب وجسر الشغور وأريحا ومعسكر القرميد والمسطومة وغيرها.
كما قد تُعالج الحملة المرتقبة الخلافات غير المعلنة بين فصائل "جيش الفتح" نفسها، أي بين "جبهة النصرة" و"حركة أحرار الشام الإسلامية". وتطوي الحملة أيضاً مرحلة انسحاب "جند الأقصى" من "جيش الفتح" قبل نحو 10 أيام، قبل أن ينضمّ للمعارك من جديد، ويساهم بشكل أساسي في السيطرة على مورك.
وعلى ضوء ذلك، أعلن القاضي العام في "جيش الفتح"، عبد الله المحسيني، يوم الأربعاء، عودة "الجيش" للعمل مجدداً، بعد توقّفه حوالى الأسبوعين عن العمل الموحّد، مشيراً إلى أن "معركة حماة التي كان من المخطط لها أن تنطلق قبل أسابيع، ستبدأ قريباً".
وبعد إفشال قوات المعارضة المسلّحة ممثلة بـ "جيش الفتح" و"الجيش السوري الحر"، الحملة المشتركة للنظام والطيران الروسي للسيطرة على ريف حماة الشمالي قبل أسبوعين، التي كبّدت النظام خسائر قدرّت بمئات الجنود، وعشرات الدبابات والآليات، جاء الدور على المعارضة لحسم المعركة في حماة، مع العلم بأن عمل المعارضة بدأ قبل ثلاثة أيام، من خلال السيطرة على قاعدة تل عثمان في ريف حماة الشمالي الغربي، التي تُعتبر من أهم القواعد العسكرية في هذا الريف، وخط الدفاع الأول عن الريف الغربي. كما تقدّمت المعارضة لتسيطر كذلك على كازية حميدي، غربي قاعدة تل عثمان، وقرية الجنابرة، جنوبي القاعدة.
وعليه، باشرت فصائل المعارضة تمهيداً عنيفاً بجميع أنواع السلاح الثقيل والمتوسط والخفيف، على أغلب نقاط النظام قرب مورك، وبينها كتيبة الدبابات، والنقطة السابعة الأساسية، والنقطة الثامنة، والنقطة التاسعة، وتل مورك، وحاجز مفرق اللحايا على الطريق الدولي، وتجمّع العبود والنقطة السادسة والنقطة الخامسة.
ثم وبسيناريو متسارع، ومن خلال هجوم واسع، فجر أمس، تمكنت قوات المعارضة، وعلى رأسها "جند الأقصى"، من السيطرة بشكل كامل على مورك، أهم مدينة في ريف حماة الشمالي، ثم كتيبة الدبابات المحاذية للمدينة. وذلك بعد معارك أسفرت عن مقتل نحو 70 عنصراً من قوات النظام، وتدمير عدد من الدبابات والآليات، في حين هرب بقية العناصر والمليشيات التابعة للنظام، إلى صوران.
ويُشدّد مدير مركز "حماة الإعلامي"، يزن شهداوي، على "أهمية مورك، لأنها تقع على الطريق الدولي بين حماة ودمشق، وتُعدّ بوابة لريف حماة الشمالي وبوابة لريف إدلب الجنوبي". ويشير في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، إلى أن "السيطرة على مورك تعني بداية عودة طريق حماة ـ حلب الدولي لسيطرة فصائل المعارضة، كما كانت عليه قبل استعادة النظام لمورك قبل سنة من الآن. وهو ما يتيح لمسلّحي المعارضة بدء عملياتهم باتجاه مدينة حماة بشكل فعلي".
ويضيف شهداوي بأن "السيطرة على مورك والنقاط فيها، ستُدشّن العمليات العسكرية إلى قرى وبلدات ريفي حماة الشمالي والشمالي الشرقي، وستقطع إمدادات خطوط النظام، التي تعمل على استعادة ريف إدلب الجنوبي. كما أن مورك تُعتبر خط الدفاع الأول عن مناطق الريف الغربي لحماة، وحاجز تل عثمان يُعدّ بدوره المركز الأساسي في قصف معظم قرى وبلدات ريف حماة الشمالي، بالإضافة إلى قرى وبلدات سهل الغاب بريف حماة. في المقابل، تحوي حواجز مورك مدفعيات ثقيلة وراجمات صواريخ، كانت تقصف قرى ريف حماة الشمالي".
وبقيت مدينة مورك مسرحاً للصراع عليها بين فصائل المعارضة وقوات النظام، إلى أن تمكنت الأخيرة من السيطرة عليها بشكل كامل في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2014، بعد حشدها لمجموعات عسكرية ضخمة، مدعومة بحملة جوية، أسفرت عن تسوية معظم أجزاء المدينة بالأرض.
وتأتي الانتصارات الأخيرة للمعارضة المسلّحة قبل نحو أسبوع من لقاء فيينا 3، الذي يتوقع فيه مزيداً من الضغط على الدول الداعمة للنظام، لحل مشكلة رحيل الأسد من عدمها، مع تحديد سقف زمني لذلك. وهو الخلاف الأبرز الذي تمّ تأجيله إلى مؤتمر فيينا 3.
ويقول، في هذا الصدد، عضو "الائتلاف الوطني" المعارض، خالد الصالح، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الانتصارات مهمة، خصوصاً في ظل تصعيد الاحتلال الروسي وقصفه المتواصل. ومما لا شك فيه أن قدرة كتائب الجيش الحر على تحرير مورك، مع وجود الطيران الروسي المحتلّ في الأجواء السورية، يُعدّ ضربة قوية لم تكن بالحسبان بالنسبة للروس. كما تُثبت القناعة التي توصلوا لها بعد الأيام الأولى من بدء احتلالهم المعلن، وهي أن جيش النظام ليست لديه أية قدرة حقيقية للوقوف أمام الجيش الحر".
وحول الأهمية السياسية لهذه الانتصارات العسكرية لقوات المعارضة قبل لقاء فيينا 3، في ظلّ الجهود الدولية والإقليمية الداعمة للنظام والمعارضة، لجهة الحسم الميداني، يشير الصالح إلى أن "هذا الجانب يهمل إنجازات المقاتلين السوريين، ويفترض أن دورهم ثانوي فيما يجري، وهو تحليل يُراد منه ترسيخ القناعة بأن كل ما يجري في سورية هو بإرادة دولية".
ويؤكد عضو "الائتلاف" على أن "الحقيقة تخالف ذلك، وإذا كان النظام قد استسلم بشكل كامل للمحتل الروسي، فإن شباب الجيش الحر وبسبب الدعم المحدود، مضطرون للتخطيط والتحرّك بناء على ما يملكون وما هو متوفر لهم". ويضيف بأنه "لا يظن أن فيينا سينتج عنها أي شيء حقيقي في هذه المرحلة".
ويختتم الصالح كلامه بالقول إن "الحديث يجري بمعزل عن مسلّحي المعارضة، وكأن اللاعبين الدوليين يسيطرون على ما يجري في سورية. وفيينا عبارة عن محاولة من الحكومة الأميركية، لتُظهر وكأنها تقوم بشيء، وإن كان وهمياً، بشأن سورية. وذلك بعد الضغط الشديد والانتقادات التي تعرض لها (الرئيس الأميركي باراك) أوباما. أما بالنسبة للمحتل الروسي فإن فيينا عبارة عن وقت مناسب لبدء الحديث عن انتقال سياسي، قبل أن يظهر فشل حملته العسكرية". ويُذكّر الصالح بأن "الائتلاف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وبعد أكثر من عام من القصف المتواصل، أثبت بأنه من دون قوة عسكرية على الأرض، ولا يبدو أن هناك تقدماً حقيقياً سيحصل".
اقرأ أيضاً: اجتماعات فيينا .. تلازم المسارين السياسي والعسكري في سورية