موجة رفض عراقية لتعيينات الكاظمي في المناصب الرفيعة: عودة للمحاصصة

15 سبتمبر 2020
تظاهرات شعبية ضد المحاصصة (حيدر حمداني/فرانس برس)
+ الخط -

أثارت التغييرات التي أجراها، أمس الاثنين، رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، والتي شملت عدداً من المناصب الرفيعة والدرجات الخاصة، موجة غضب بين القوى السياسية، وامتعاضاً شعبياً بالوقت ذاته، إذ حملت التغييرات الجديدة أسماء شخصيات متّهمة بجرائم فساد، وأخرى تم تكليفها في مناصب سابقة ولم تقدم شيئاً، عدا عن كون التقسيم طائفياً راعى فيها مصالح أحزاب وقوى سياسية مختلفة.
واليوم الثلاثاء، توالت ردود الفعل السياسية الرافضة للتغييرات وسط مطالبات باستدعاء الكاظمي إلى البرلمان، ومساءلته حول معيار اعتماد تلك الأسماء في التغييرات الجديدة،
وتمثل المناصب التي شملها التغيير، والتي طاولت تسع هيئات مستقلة وثمانية وكلاء وزارات، نقطة صراع وتنافس شديد بين القوى والأحزاب السياسية، لما لتلك المناصب من دور في إدارة مؤسسات الدولة العميقة التي تسعى الأحزاب للسيطرة عليها.
 وضمت قائمة التعيينات شخصيات جدلية بخلفيات سياسية مختلفة لا علاقة لها بالمناصب التي تمت تسميتها لها، خاصة تلك المتعلقة بوزارات الداخلية والأمن الوطني والمخابرات، والبنك المركزي وهيئة الأوراق المالية والنزاهة، والمصرف التجاري العراقي.
 نائب بارز في البرلمان العراقي قال لـ"العربي الجديد" إنّ الكاظمي حاول من خلال التغييرات الأخيرة تحريك الركود بالمؤسسات المستهدفة، إذ إن الذين تمت إقالتهم مكثوا في هذه المناصب سنوات طويلة، ونسجوا لهم علاقات مع كتل وأطراف مختلفة.

وأقر بأن التغييرات فيها محاباة لكتل وقوى سياسية تم من خلالها استقدام شخصيات بلا أي دراية عن المنصب الذي تسلمته، مثل عبد الرحمن اللويزي وكريم النوري وفالح العيساوي وآخرين، معتبراً أن خطوة الكاظمي فيها ترسيخ لمبدأ المحاصصة الطائفية والحزبية، وكان عليه أن يستغل دعم النجف الأخير له وكذلك الشارع في تسمية شخصيات مهنية بعيداً عن عباءة الكتل السياسية والدولة العميقة.
واكد البرلماني أن التغييرات أوقعت الكاظمي في مطب اعتراضات كتل لم تحصل على مناصب، وأخرى تجد أنها لا تريد أن تتورط بمنصب في هذه الحكومة كونها مؤقتة.
ورفض زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، من جهته، التغييرات، واعتبرها عودة للمحاصصة، وقال المقرب منه صالح محمد العراقي، في تغريدة، نقلاً عن الصدر "خاب أملنا، وعدنا للمحاصصة، وعدنا لتحكم الفاسدين، وعدنا لإضعاف البلد والمؤسسات الخدمية والأمنية والحكومية". وأضاف "أكرر  خاب أملنا، وإن لم تتم محاكمة الفاسدين وإلغاء تلك المحاصصات فنحن لها، ولن يرهبنا أي شيء ولن نركع إلا لله"، بحسب تعبيره.
ووجه دعوة لتحالفه، قائلاً "على الإخوة في سائرين التبرؤ فورا، وإلا تبرأنا من الجميع".

بدوه، انتقد زعيم "تحالف الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، هادي العامري، التغييرات، معتبراً أنها "عودة للمحاصصة".
وقال إن "التغييرات في الدرجات الخاصة عودة إلى المحاصصة، وأننا نعلن براءتنا منها، ولا علم لنا بها"، مبيناً أن "الكاظمي يريد أن يجامل تحالفنا بتعيين الشيخ سامي المسعودي رئيسا لهيئة الحج والعمرة، وهو معين أساسا بالوكالة من زمن رئيس الوزراء السابق".
وشدد على أن "كل ما نريده من هذه الحكومة أمران، الأول جدولة انسحاب القوات الأميركية في أقرب فرصة ممكنة، والثاني إعادة هيبة الدولة وخلق المناخات المناسبة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وعادلة بعيداً عن تأثير المال والسلاح".
أما ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، فقد حذّر حكومة الكاظمي من تجاوز مهامها كـ"حكومة مؤقتة".
وقال الائتلاف في بيان رسمي إن "التعيينات الجديدة جذّرت التحاصص، وجرت بعيداً عن المهنية والتحري عن الكفاءات والخبرات الوطنية"، مضيفاً "هذا ما حذرنا منه منذ بداية تشكيلة الحكومة الحالية والتي لم تستطع مغادرة المحاصصة، ما دفعنا إلى التحفظ على التشكيلة الحكومية".
ودعا الحكومة إلى "الالتزام بالمهام الحصرية المناطة بهذه الحكومة الانتقالية في استعادة هيبة الدولة، والإسراع في تهيئة مستلزمات الانتخابات المبكرة، كما كررت المرجعية الدينية العليا الرشيدة الدعوة إلى ذلك".
 شعبياً، لاقت التغييرات موجة اعتراضات واسعة من قبل ناشطين ومواطنين، وقال الإعلامي العراقي عامر إبراهيم إن "التعيينات أتت دليلا دامغا على فشل النظام في إصلاح ذاته، تدوير واجترار للمحاصصة بعد عام من انطلاق ثورة الأحرار الشرفاء ضد المحاصصة والفساد".

 فيما وصف الناشط علي فرحان التغييرات الجديدة بأن "أحزاب السلطة ضربت عصفورين بحجر"، موضحاً "رشحت شخصيات تابعة لها وتعمّدت أن تتبرأ منهم أمام الرأي العام حتى تثبت للشعب أن الكاظمي حاله حالنا. ثانياً أرادت أن توصل رسالة إلى الداخل والخارج مفادها، ترى بعدنا متحكمين بكل شيء، ولا تحاولون تفكرون بشيء اسمه التغيير".

 حسام الطائي بدوره اعتبر أن "تغيير الشخصيات في المناصب الأمنية أو غيرها لن يغير واقع العراق ما دامت الإرادة السياسية مفقودة"، مضيفاً أن "القرار السياسي الحاسم مفقود أيضاً فكل قرار يدخل في منظومة (الكتل السياسية) ليتم تغييره أو تخفيفه ليخرج قراراً ضعيفاً". 


يجري ذلك في وقت يشهد فيه العراق ارتباكاً سياسياً، لا سيما أن بعض الأطراف تتعمد تعطيل عمل الحكومة والبرلمان، من خلال عدم التوافق بشأن توجهات الحكومة وتعطيل تمرير القوانين التي تحتاجها البلاد، كقانوني الانتخابات والمحكمة الاتحادية وغيرهما، الأمر الذي انعكس سلباً على أداء المؤسستين التشريعية والتنفيذية.