مواقف دولية متباعدة بشأن ليبيا

27 ديسمبر 2019
فشلت مليشيات حفتر في تحقيق تقدم ميداني(عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -

تعيد مختلف الدول الإقليمية الفاعلة في المشهد الليبي ترتيب أوراقها استعداداً للمرحلة المقبلة وتطوراتها، ولا سيما بعدما سرّعت تركيا من حراكها الهادف إلى نشر قوات عسكرية في ليبيا دعماً لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج المعترف بها دولياً في مواجهة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يحاول منذ إبريل/نيسان الماضي دخول العاصمة طرابلس من دون أن يتمكن من تحقيق ذلك. ويضاف إلى طلب حكومة الوفاق، بشكل رسمي أمس دعماً عسكرياً من تركيا لصد هجوم حفتر. وقال مسؤول في طرابلس لوكالة "رويترز"، إن الحكومة طلبت رسمياً من تركيا الحصول على دعم عسكري جوي وبري وبحري لصد هجوم حفتر.

وقبيل ساعات من تقديم الطلب، حملت كلمة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمس خلال اجتماع لحزب العدالة والتنمية الحاكم في العاصمة أنقرة، وبعد يوم من زيارته إلى تونس والتي طغى عليها الملف الليبي، رسالة واضحة بشأن توجه أنقرة لنشر القوات في ليبيا، ما استدعى رداً فورياً من الكرملين، بما يظهر أن لقاءات الأيام الثلاثة التي جمعت الوفد التركي بمسؤولين روس، لإجراء مباحثات حول الملفين الليبي والسوري، لم تتمكن من تحقيق اختراقات قبيل القمة المرتقبة بين أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في أنقرة مطلع شهر يناير/كانون الثاني المقبل.
وفي موازاة ذلك أيضاً، تجري الدول الداعمة لحفتر، تحديداً مصر، اتصالات دولية للضغط على تركيا لمنع إرسال قوات إلى ليبيا لحين تهيئة الأجواء للحل السياسي الذي بات الجميع على ما يبدو على قناعة بأنه لا مفر منه، لكن كل طرف يسعى لأن يكون لصالحه.

وشهد يوم أمس سجالاً عن بعد بين تركيا وروسيا عكس استمرار الخلافات بين البلدين بشأن ليبيا. وقال أردوغان في كلمته أمس، "يسألوننا عمّا إذا كنا سنرسل الجنود إلى ليبيا... نحن نتجه إلى المكان الذي نُدعى إليه". وتابع: "سنلبي دعوة ليبيا (لإرسال الجنود) بعد تمرير مذكرة التفويض من البرلمان فور افتتاح جلساته". وأردف: "من المتوقع أن نمرر تفويض إرسال جنود إلى ليبيا من البرلمان في 8 - 9 يناير/كانون الثاني (المقبل) لكي نلبي دعوة حكومة الوفاق الوطنية الليبية". ومضى منتقداً المحور الداعم لحفتر والذي تتصدره القاهرة وأبوظبي، قائلاً "هؤلاء يدعمون بارون الحرب، ونحن نلبي دعوة الحكومة الشرعية في ليبيا، هذا هو الفارق بيننا". وبيّن أنه بعد موافقة البرلمان على التفويض لإرسال القوات، ستكون هناك إمكانية لتقديم دعم أكثر فعالية للحكومة الشرعية في ليبيا. وأضاف: "الجهات التي تزود الجنرال الانقلابي (حفتر) بجميع أنواع الدعم مثل الطائرات الحربية والدبابات والمرتزقة، تعارض هذه الخطوة التركية". ولفت إلى أن بلاده قدمت وستواصل تقديم جميع أنواع الدعم لحكومة طرابلس في كفاحها ضد الجنرال الانقلابي، المدعوم من دول أوروبية وعربية مختلفة. وأردف: "هؤلاء دعموا أيضًا انقلابيًا في مصر بدلًا من الحكومة الشرعية، وبإذن الله لن نسمح بتكرار هذا الأمر المخالف للمبادئ، وبالعداء للديمقراطية والقانون في ليبيا". وأوضح أن هناك نحو ألفي عنصر من مرتزقة فاغنر الروس، وخمسة آلاف سوداني، في ليبيا، تحت مسمى قوات أمنية، بدون دعوة من الحكومة الرسمية.
وفجر أمس الخميس، دخلت مذكرة التفاهم الخاصة بالتعاون الأمني والعسكري بين تركيا وليبيا حيز التنفيذ، بعد نشرها في الجريدة الرسمية التركية. ونشرت الجريدة قرار المصادقة على مذكرة التفاهم التي أبرمت بين حكومتي تركيا والوفاق الوطني الليبية في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وحول زيارته إلى تونس التي أثارت جدلاً، لفت أردوغان إلى أن تركيا وتونس متفقتان بشأن تحقيق الاستقرار في ليبيا، وأن حكومته تولي أهمية لموقف ووجهة نظر تونس التي ستحصل على العضوية المؤقتة في مجلس الأمن اعتباراً من 1 يناير 2020.
وأشار أردوغان إلى أن تركيا تصر على مشاركة تونس وقطر والجزائر في مؤتمر برلين المقرر عقده الشهر المقبل كما يفترض حول ليبيا. وأضاف: "قررنا مع تونس إقامة تعاون من أجل تقديم الدعم السياسي للحكومة الشرعية في ليبيا".
ولم يكد أردوغان ينهي حديثه حتى جاء الرد من موسكو. وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، تعليقاً على عزم تركيا إرسال قوات إلى ليبيا، "نعتبر أن أي تدخل لدول أخرى في الوضع الليبي لن يساعد في التوصل إلى تسوية، لكن نرحب بأي محاولات من دول أخرى من شأنها المساهمة في التوصل لحل ومساعدة أطراف الصراع للخروج من الأزمة". وفيما أكد أن "الوضع في ليبيا يثير قلقاً عاماً، بما في ذلك قلقنا"، أشار إلى أن "روسيا مهتمة بالتوصل إلى تسوية سلمية في أقرب وقت ممكن، ووقف إراقة الدماء هناك". وحول احتمال وجود مرتزقة روس في ليبيا، قال بيسكوف رداً على أسئلة الصحافيين إنه "نتيجة لتدخلات دول معروفة جيداً لتدمير بنية الدولة الليبية، أصبحت ليبيا ملاذاً للمرتزقة من عدد كبير من البلدان، والعناصر الإرهابية"، مشيراً إلى أن مواطني مختلف الدول يشاركون في النزاعات بليبيا كمرتزقة، وأن من المستحيل السيطرة على حركة جميع المواطنين.

وعقب ذلك، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، ضرورة حل الأزمة في البلاد عبر الطرق السلمية. كما حضر الملف الليبي أيضاً في اتصال هاتفي بين كونتي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وقال بيان الرئاسة المصرية إن السيسي أكد ما وصفها بـ"ثوابت الموقف المصري الداعم لاستقرار وأمن ليبيا، وتفعيل إرادة الشعب الليبي، وكذلك مساندة جهود الجيش الوطني الليبي في مكافحة الإرهاب والقضاء على التنظيمات الإرهابية التي تمثل تهديدًا، ليس لليبيا وحسب بل للأمن الإقليمي ومنطقة البحر المتوسط، مع رفض كل التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي الليبي".
وبحسب البيان المصري، أعرب كونتي عن مسعي بلاده لحل الوضع الراهن وتسوية الأزمة الليبية، التي تمثل تهديداً لأمن المنطقة بأكملها، وذلك بهدف عودة الاستقرار إلى ليبيا وتمكينها من استعادة قوة وفاعلية مؤسساتها، حيث تم التوافق على ضرورة تكثيف الجهود المشتركة في هذا الإطار.
وأكدت مصادر مصرية وخليجية رفيعة المستوى، على علاقةٍ مباشرة بالملف الليبي، وتحدثت مع "العربي الجديد" أن تلويح أردوغان المتواصل بإرسال قوات عسكرية تركية إلى ليبيا عقب الحصول على موافقة البرلمان بعد العودة من عطلته مطلع الشهر المقبل، يتسبب في اضطراب كبير داخل الأوساط العسكرية والسياسية في كل من مصر والإمارات والسعودية، في ظل استحالة إرسال القاهرة قوات إلى هذا البلد.


وفي السياق، قال مصدر خليجي إن "هناك مخاطبات متواصلة بين المسؤولين في مصر والدول الأوروبية الكبرى، وفي مقدمها فرنسا وإيطاليا والمانيا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة أخيراً، لممارسة ضغط على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمنع إرسال قوات إلى ليبيا، وتعطيل ذلك الإجراء لحين تهيئة الأوضاع على الأرض لحلٍّ سياسي يحفظ ماء وجههم، بعد التصعيد الإعلامي الكبير الذي أعقب توقيع الاتفاقيات الأمنية بين حكومة الوفاق وأنقرة".

من جهته، قال مصدر دبلوماسي مصري إن "المحاور الإقليمية على المستوى السياسي في الجانبين (مؤيدو حفتر وحكومة الوفاق)، باتت متوازنة بدرجة كبيرة، في ظل انحياز كل من المغرب وتونس والجزائر إلى حكومة الوفاق ودعْم فائز السراج، في مواجهة الدعم المصري الإماراتي السعودي لحفتر ومعسكر شرق ليبيا ومجلس النواب (المؤيد لحفتر)".

في هذه الأثناء، دافع وزير الداخلية بحكومة الوفاق الوطني فتحي باشاغا، من تونس أمس، وعقب يوم من زيارة أردوغان، عن الموقف التركي في الأزمة الليبية، قائلاً إنه لا يعتبر تدخلاً في ليبيا وإنما هناك اتفاق بين حكومة الوفاق الوطني مع تركيا من أجل حل يخدم الاستقرار في ليبيا ودعم الجانب الأمني والتعاون الاقتصادي.
وفيما ذكّر بأن حفتر منح قواعد عسكرية لدول أجنبية، قال إنه إذا ظل هذا الموقف يتصاعد "لنا الحق في أن ندافع عن طرابلس"، والطلب رسمياً من الحكومة التركية بتقديم الدعم العسكري. وأوضح أن حكومة الوفاق الوطني، هي حكومة شرعية معترف بها دولياً من قبل تونس والجزائر ومصر ومجلس التعاون الخليجي وأنه سيتم الدفاع عن هذه الحكومة الداعمة للديمقراطية إلى آخر قطرة دم في ليبيا ولا لحكم العسكر والشخص الواحد.
ميدانياً، أعلن عميد بلدية الزاوية جمال بحر، لقناة ليبيا الأحرار (خاصة) سقوط 10 إصابات في صفوف المدنيين تتراوح بين المتوسطة والحرجة نتيجة قصف طيران حفتر لمواقع في المدينة.

وأوضح شهود عيان من المدينة لــ"العربي الجديد" أنّ الغارة تكررت ثلاث مرات محاولة إصابة مقر عسكري بدخل المدينة الغربي، لكن القصف طاول محال تجارية بالمنطقة.
في هذه الأثناء، أكدت مصادر ليبية متطابقة استعداد قوات الجيش بقيادة حكومة الوفاق لإطلاق عملية عسكرية شاملة خلال الأيام المقبلة في محاور القتال جنوب طرابلس.
وأوضحت المصادر التي تحدثت مع "العربي الجديد" أن القيادة العسكرية تنتظر استكمال الاستعدادات في محاور الجبهات القتالية لإطلاق العملية العسكرية، مشيرة إلى إمكانية فتح محاور قتال جديدة باتجاه المناطق التي توجد فيها مليشيات حفتر في مدن الغرب الليبي.
وفيما كشفت المصادر عن وصول معدات وأسلحة نوعية جديدة، قال المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية بركان الغضب التابع للجيش، عبد المالك المدني، إن سرية المدفعية استهدفت، خلال الساعات الماضية، تجمعاً لمرتزقة فاغنر الروس الداعمين لقوات حفتر، بعد أن تمكنوا من التسلل إلى مبنى الجوازات في محور اليرموك، ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى.
وكان الناطق باسم المركز الإعلامي لعملية بركان الغضب، مصطفى المجعي، قد أكد وصول تعزيزات عسكرية إلى محاور القتال جنوبي العاصمة طرابلس، بعد إعلان عدة بلديات ليبية حالة النفير العام، م دون الإفصاح عن مكان التحاق كل التعزيزات.
يأتي هذا في الوقت الذي كشف فيه مصدر مصري عن سقوط طائرة مقاتلة مصرية في الأجواء الليبية خلال إحدى الطلعات نتيجة عطل فني، ومصرع طاقمها المكون من طيارين اثنين، موضحاً أن هناك حالة تكتمٍ شديد على الحادث، ساعد عليها سقوط الطائرة في المناطق الخاضعة لسيطرة حفتر.
المساهمون