حمل الأسبوع الأخير، نشاطاً إسرائيلياً محموماً لمحاولة تبييض النقاط الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، التي نمت بشكل متسارع منذ أن أطلق آرييل شارون بعيد توقيع اتفاق أوسلو، دعوته الشهيرة للفتية في المستوطنات إلى مسارعة "الاستيلاء" على كل تلة تقع عليها أياديهم، لافتاً إلى أن "كل تلة يتم الاستيلاء عليها سيتم إنقاذها من أيادي العرب".
في الفترة الأولى من أوسلو لم يكن مصير المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، محسوماً لجهة "بقاء كتل استيطانية" تحت السيادة الإسرائيلية، بل كان هناك تخوّف لدى اليمين الإسرائيلي بأن الغالبية العظمى، إن لم يكن كافة المستوطنات في الضفة الغربية، مصيرها إلى زوال، لكن حكومة إسحق رابين، ومن ثم حكومة شيمون بيريز، في فترة رئاسته القصيرة، انتهكت البند المتعلق بترك مصير المستوطنات لاتفاق الحل الدائم، وضاعفت من عدد المستوطنين من نحو 100 ألف أو ما يزيد عن ذلك بقليل، إلى مئات آلاف المستوطنين مع حلول عام 2000.
ومع مرور الوقت والعقبات التي اعترضت طريق المفاوضات، ثم اندلاع الانتفاضة الثانية (2000 ـ 2005)، بدأت إسرائيل تتحدث علانية عن الإبقاء على المستوطنات الكبرى كجزر إسرائيلية داخل الدولة الفلسطينية العتيدة، وكان من المفارقة أن أول من طرح فكرة "هذه الجزر" بين عامي 1994 و1995، هو عضو الكنيست دادي تسوكر من حزب ميرتس اليساري المناهض للاستيطان، على الأقل في أدبياته وتصريحات أقطابه.
اليوم وفي ظل الحماس الإسرائيلي، المتأثر بانتصار دونالد ترامب في الولايات المتحدة، لإعطاء حركة الاستيطان زخماً جديداً، من دون أي رادع وفق رؤية تيار المستوطنين، ممثلين بوزير التربية نفتالي بينيت، وبالتنسيق المسبق وفق منظور وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، سيكون على الطرف الفلسطيني أن يوضح علناً وعلى رؤوس الأشهاد، أنه لا مجال بعد الآن للتلكؤ في مسألة الاستيطان، وأن الأفكار عن تبادل أراض، والإبقاء على كتل استيطانية، مهما كان حجمها، ليس وارداً في أي حل دائم مستقبلي، لأن القبول بهذه "الكتل" يعني ببساطة الحصول على كانتونات تحيط بها كتل استيطانية، وليس دولة فلسطينية تقوم فيها جزر استيطانية صغيرة.
وعلى الجانب الفلسطيني أن يوضح أن الاستيطان ككل سواء في الضفة الغربية المحتلة أم في القدس يبقى جريمة حرب وغير شرعية، حتى لو سنّت حكومة الاحتلال عشرات القوانين، لا قانوناً واحداً لتبييضه، أو حوّلت مستوطنيها إلى "جماعات أصيلة" محمية.