مواجهة الإعلام المتساقط في حضن الاحتلال

30 ابريل 2020
+ الخط -
أذكر يوماً كنت أجري مقابلة مع أحد صناع الدراما العرب الملتزمين بالقضايا الإنسانية، وكان موضوعنا يومها عن الدراما في رمضان، وتحولها من دراما هادفة تتلائم مع كرامات الشهر الفضيل إلى دراما هابطة تملؤها الإيحاءات الجنسية والأفكار الهدامة اجتماعياً وأخلاقياً.

يومها وعلى هامش المقابلة أخبرني عن قصة حدثت معه، قال لي إنه ذهب يحمل ملف فكرة مسلسل لإحدى القنوات التلفزيونية في الخليج وكانت فكرة المسلسل تحكي الظروف الاجتماعية التي يعيشها الشعب السوري في ظل الحرب، يقول أغلق صاحب الشأن الملف، وقال لي بالحرف الواحد "إذا عندك شي عن الخيانة الزوجية الآن بوخذه منك"، للأسف اليوم وبعد أن روجت هذه المحطات لأفكار الخيانة الزوجية وانحلال الأخلاق التي تتنافى مع موروثنا الثقافي تطور بها الأمر إلى ترويج أفكار خيانة الأمة وقضاياها المركزية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، حرب شعواء تشنها هذه القنوات على مجتمعاتنا على كل الصعد تنخر أفكار الناس وتهدم قيم المجتمع وتنشر بذور الفتنة بين صفوف الأمة.

اليوم الإعلام السعودي الإماراتي الذي يمثل الأنظمة لا الشعوب، تجاوز موضوع التطبيع، بل صار إعلاماً موجهاً بشكل مباشر لاستعداء الشعب الفلسطيني والترويج لفكرة أنهم أعداء حقيقيون، بينما الصهاينة هم شماعة، ولا يوجد عداء حقيقي معهم، بل حتى أدخلوا الأطفال في مشروعهم كإشارة رمزية إلى الأجيال القادمة، وهنا يكمن الخطر الكبير تربية أجيال على هذه الأفكار وتصوير الشباب الذي لديهم انتماء إلى قضايا الأمة شخصيات ساذجة وسخيفة.


هذا الخطر يضعنا اليوم أمام معركة جديدة، فإذا كنا بالأمس نقول إن لدينا معركة خارجية مع الدعاية الصهيونية، بتنا اليوم أمام جبهة داخلية لمواجهة دعاية تلك المؤسسات الإعلامية، ولكن ما الذي أعددناه لهذه المواجهات؟

المواجهة ليست بالسهولة، دعونا نعترف أن هذه القنوات التي تحمل الخطاب العدائي لموروثنا الثقافي والاجتماعي وللقضية الفلسطينية، هي إمبراطوريات إعلامية عربية استطاعت أن تستحوذ على نسبة عالية من المشاهدات في عالمنا العربي، وباتت الرقم واحد كقناة المنزل في ظل "شيك" مفتوح مقدم لهم من قبل أنظمة متساقطة في حضن الاحتلال، ولذلك مطلوب من كل الجهات العربية والإسلامية التي تعتبر نفسها ملتزمة بالقضايا الإنسانية والأخلاقية والموروث الثقافي المستمد من ثقافتنا العربية والإسلامية أن تتكاتف بشكل عملي، لكي تكون قادرة على المواجهة، فنحن بحاجة اليوم لأعمال درامية قادرة على دخول كل بيت عربي للمساهمة في المحافظة على القيم الأخلاقية والدينية والثقافية، ولتساهم في صياغة خطاب شعبي موحد يرفض الاحتلال ويعتبر فلسطين قضيته المركزية، ربما نحن بحاجة لمبادرة يطلقها العقلاء لإنشاء اتحاد عربي وإسلامي للإعلام يصوغ خطابا جماهيريا يتناسب مع قيمنا ويكون قادراً على إنتاج الأعمال التي تعبر عن هذا الخطاب وإنشاء منصات قادرة على ترويجها.

أما فلسطينياً فيمكن القول إن الفلسطينيين أبدعوا في إنتاج الفيلم الوثائقي، وبرز منهم نجوم في صناعته باتوا مدارس لهذا الفن في عالمنا العربي، ولكن ما زال لدينا ضعف كبير في الإنتاج الروائي أو الدرامي، وربما السبب الرئيسي هو التمويل، فالأعمال الدرامية تحتاج إلى ميزانيات كبيرة، ولكن ما زال هناك متسع لسد هذه الفجوة، فمن الممكن العمل بشكل جاد على صناعة نجوم في التمثيل حتى يكونوا أرقاما صعبة، ولتكون التكلفة أقل إذا كان "نجمك منك وفيك".

كما وتعيدني هذه الحالة إلى فترة ما قبل النكبة، إذ كان قطاع السينما في فلسطين يشهد معركة حامية بين الفلسطينين والصهاينة، وبالطبع الصهاينة كان لديهم دعم مالي كبير، فما كان من السينمائيين الفلسطينيين الجادين في عملهم إلا أن أسسوا شركة وطنية لصناعة السينما الفلسطينية وطرحوا لها أسهما في السوق، وأطلقوا لها حملات التبرع لتقوم على أرجلها، وبالفعل استطاعوا انتاج بعض الأعمال السينمائية وبناء عدد من دور السينما الفلسطينية.

ويمكننا أيضاً أن نوفر مصروف مؤتمر إعلامي فلسطيني واحد وأن نستبدله بمسلسل أو فيلم، أو أن نقيم المؤتمر كون هناك من لا يستطيع أن يعيش دون مؤتمرات، ولكن ليكن هذا المؤتمر قاعدة أساسية للانطلاق بحيث نضع هدفه جمع ميزانية محددة لعمل روائي فلسطيني يروي حكايتنا ويثبت حقنا ويرمم أي خدش استطاعت إمبراطوريات الأنظمة المتساقطة إحداثه في صورتنا، فالحديد لا يفله إلا الحديد والفكر لا يفله إلا الفكر.
023AF5FA-7A4C-474F-A21A-D1358F64FF43
خلدون فحماوي

معد ومنتج أفلام وثائقية، ومهتم بالقضية الفلسطينية