مواجهات "داعش" والنظام في البادية السورية تثير التساؤلات

06 يوليو 2020
استغل النظام ظهور "داعش" لضرب الثورة (أمين سنسار/الأناضول)
+ الخط -

لم تهدأ الاشتباكات على مدى الأيام الماضية بين فلول تنظيم "داعش" من جهة، وقوات النظام ومليشيات محلية مساندة لها من جهة أخرى، في البادية السورية مترامية الأطراف، والتي تحول جزءٌ كبيرٌ منها إلى معاقل لخلايا نشطة من التنظيم، الذي يعتمد استراتيجية قتال تقوم على الهجمات المباغتة والكمائن. هذه الاستراتيجية أدّت إلى استنزاف قوات النظام التي تبدو عاجزةً عن مواجهة حاسمة مع "داعش". في المقابل، تثير تحركات التنظيم تساؤلات عدة، لا سيما لجهة توقيتها، الذي يتزامن عادةً مع كل نشاطٍ سياسي غايته التوصل إلى حلٍّ سياسي يرفضه النظام.
وارتفع إلى أكثر من 50 عدد القتلى في صفوف قوات النظام والمليشيات الموالية لها و"داعش"، نتيجة المواجهات المستمرة بين الطرفين منذ يومين، قرب بلدة السخنة في ريف حمص الشرقي، في البادية السورية. 30 من القتلى هم من عناصر التنظيم، بينما من المرشح ارتفاع عدد القتلى في صفوف قوات النظام، بحسب ما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، وذلك لسقوط جرحى لديه في هذه المواجهات، بعضهم في حالات خطرة. وقال المرصد إن قوات النظام فقدت الاتصال بنحو 25 عنصراً في صفوفها، ما يرجح وقوع هؤلاء أسرى لدى "داعش"، الذي لم تردعه غارات جوية مكثفة نفذتها طائرات حربية روسية، ولم تمنعه من مواصلة اشتباكاته مع قوات النظام في البادية، وهي اشتباكات تندلع بين كلّ فترة وأخرى.

ارتفع إلى أكثر من 50 عدد القتلى في صفوف قوات النظام والمليشيات الموالية لها و"داعش"، نتيجة المواجهات


وبحسب المرصد أيضاً، فإن حصيلة خسائر النظام والمليشيات المساندة له، سواءً أكانت محلية أو إيرانية، جرّاء الاشتباكات المستمرة مع "داعش" في البادية خلال الفترة الممتدة منذ 24 مارس/آذار الماضي حتى اليوم، ارتفعت إلى ما لا يقل عن 590 قتيلاً من قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية، من بينهم اثنان من الروس على الأقل، و127 قتيلاً من المليشيات الموالية لإيران من جنسيات غير سورية. كما وثّق المرصد مقتل 4 مدنيين عاملين في حقول الغاز، و11 من الرعاة وامرأة، خلال هذه الفترة، مؤكداً مقتل 221 من عناصر تنظيم "داعش" خلال الاشتباكات والعمليات العسكرية.
ومنذ هزيمته أمام قوات النظام والمليشيات الإيرانية تحت غطاء جوي روسي في جنوب نهر الفرات، وأمام "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) تحت غطاء من طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، اتجهت فلول "داعش" إلى البادية السورية، لا سيما في المناطق القريبة من مدينة تدمر. ولا يُعرف على وجه الدقة عدد عناصر التنظيم المنتشرين في البادية، لكن مصادر محلية من تدمر ذكرت لـ"العربي الجديد" أنهم يشكلون بضعة آلاف، ويتخذون من هضاب جبلية معاقل للتخفي، لا سيما جبل أبو الرجمين وجبل العمور وجبل البشري، حيث ينطلقون منها للقيام بعمليات عسكرية ضد قوات النظام والمليشيات الإيرانية. وأشارت المصادر إلى أن التنظيم يستفيد من تضاريس المنطقة الصعبة للهروب من قصف الطيران الروسي، مبيّنة أن فلول "داعش" تعتمد استراتيجية قتالية ترتكز على الهجمات المباغتة والكمائن، من خلال مجموعة محدودة العدد قادرة على التحرك السريع.

ولفتت المصادر إلى أن خلايا التنظيم تملك أسلحة خفيفة ومتوسطة، وتمتد منطقة عملياتها العسكرية الواسعة من بادية دير الزور، لا سيما في الريف الجنوبي لمدينة الميادين في ريف دير الزور الشرقي، إلى منطقة السخنة التي لطالما شهدت مواجهات دامية مع قوات النظام. وأوضحت أن عمليات "داعش" تمتد إلى ريف الرقة الجنوبي الغربي في منطقة الرصافة التي يقتل بالقرب منها بين فترة وأخرى عدد من قوات النظام المنتشرين على طول خطوط التماس مع "قسد" التي تصل مناطق سيطرتها إلى تخوم البادية السورية. ولا يقتصر التنظيم على هذه المناطق، إذ يُغير بين فترة وأخرى على منطقة جبل الضاحك في ريف حمص الشرقي، وصولاً إلى أطراف جبل البلعاس بريف حماة الشرقي.
ووصل "داعش" أكثر من مرة إلى مواقع المليشيات الإيرانية في ريف دير الزور، كما هاجم حقول غاز في ريف حمص الشرقي خلال العام الحالي، وخصوصاً حقل الشاعر، والذي يعد من أهم حقول الغاز السورية، وأكثرها إنتاجاً. وأوضحت المصادر أن "داعش" يعتمد على مليشيات تابعة للنظام وأخرى تابعة للحرس الثوري الإيراني في سورية، في عمليات شراء أسلحة وذخائر ومواد غذائية، مشيرة إلى أن لدى قادة التنظيم في البادية كتلة مالية كبيرة جلبوها معهم حين انسحابهم من العراق والشرق السوري منذ أكثر من عامين.
لكن اللافت أن خلايا "داعش" تنشط بكثافة في البادية عند كل منعطف سياسي تمر به القضية السورية، ما يثير تساؤلات عن توقيت هذا النشاط ودوافعه. ومنذ بدء الثورة السورية في بدايات عام 2011، يحاول النظام السوري إظهار نفسه أمام الرأي العام العالمي بمظهر المحارب للفكر المتطرف، في حين تؤكد الوقائع أن النظام نفسه أسهم، بل دفع إلى تشكيل ودعم تنظيمات متطرفة منها "داعش"، لخلط أوراق ما يجري في الساحة السورية وضرب الجوهر الأخلاقي للحراك الثوري في البلاد.
وفي ظلّ تحركات طفت أخيراً على السطح الإعلامي تهدف للتوصل إلى حلول سياسية للقضية السورية، يبدو أن بعضها يدعو إلى استبعاد رئيس النظام بشار الأسد من السلطة، يعاود "داعش" نشاطه في البادية، ما يدفع البعض إلى الاعتقاد بأن للنظام دوراً في ما يجري، إذ يحاول تعطيل المسار السياسي تحت ذريعة القضاء أولاً على الإرهاب.

عاد التنظيم  إلى استراتيجيته القديمة القائمة على الاستقرار في البوادي النائية لحماية ما تبقّى من كوادره


ورأى الباحث السياسي السوري حمزة المصطفى، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التنظيم "بعد هزيمته في آخر معاقله في منطقة الباغور في ريف دير الزور الشرقي مطلع العام الماضي، عاد إلى استراتيجيته القديمة القائمة على الاستقرار في البوادي النائية لحماية ما تبقّى من كوادره أو نواته الأيديولوجية الصلبة، وإعادة تنظيم نفسه بانتظار فرصة جديدة لإعادة التغلغل". ورأى المصطفى أن "قادة التنظيم السابقين والحاليين يدركون أن التنظيمات الجهادية تنمو في الفوضى الأمنية وضمن أجواء المظلومية السياسية أو الدينية، وهما عاملان لا يزالان قائمين في مناطق تمدد التنظيم في سورية والعراق، لذلك فهو ينشط عند الاستحقاقات السياسية من أجل تأكيد هذه المظلومية واستغلالها، في ظلّ استمرار الأزمات البنيوية التي تعصف بسورية والعراق". كما رأى الباحث أن النظام السوري "استفاد من وجود التنظيم منذ تأسيسه، ما أسهم في تحول الاهتمام الدولي إلى محاربة الإرهاب"، غير أنه أعرب عن اعتقاده بأن "استحقاقات التنظيم وحساباته ذاتية بحتة، ولا علاقة لها مباشرة بحسابات النظام السياسية".