مهن صعبة لمغاربيات فرنسا

13 ديسمبر 2018
عثرت على وظيفة في دار العجزة هذه (Getty)
+ الخط -

النساء من أصول عربية في فرنسا، خصوصاً المغاربية، يبدونَ أفضل حالاً من غيرهنّ من النساء المهاجرات، في حياتهنّ المهنية. لكنّ كثيرات منهنّ وصلنَ إلى البلاد من دون تحصيل علمي مناسب، فوجدنَ سوق العمل شبه مُغلق أمامهنّ. وهؤلاء يعملنَ غالباً في الخدمة المنزلية أو طباخات في بيوت الأثرياء، خصوصاً اليهود منهم، على خلفية اللغة المشتركة بين هؤلاء النساء وبين العائلات اليهودية الفرنسية ذات الأصول المغاربية. وإلى جانب ذلك، ونتيجة المجالات المحدودة جداً، فإنّهنّ يعملنَ حاضنات أطفال أو ممرضات في دور عجزة أو بالقرب من مرضى مستقرّين في بيوتهم.

وتشكو النساء من قسوة تلك المهن، في حال مقارنتها بمهن أخرى، ليس فقط بسبب المردود المالي الضئيل، إنّما كذلك بسبب الظروف النفسية التي ترافق أداء أعمالهنّ تلك. ماجدة، على سبيل المثال، مغربية وصلت إلى فرنسا قبل سبعة أعوام بعد زواجها من عامل مغربي في سكك الحديد. تقول لـ"العربي الجديد": "أنا أشتغل في إحدى دور العجزة في إحدى ضواحي باريس، وألتقي يومياً بأكثر من أربعين عجوزاً، بعض منهم ظروفه بالغة القسوة. ثمّة من يعاني آلاماً شديدة، وثمّة من يبدو كأنّه يعيش في عالم آخر، وثمّة من يشبه الأطفال في تصرفاته، وعلينا مراقبتهم كمن يراقب إبريق حليب على النار". وتقرّ ماجدة بأنّها حين تعود إلى المنزل، لا تستطيع منع نفسها عن التفكير بهم، خصوصاً بالذين سوف تودّعهم قريباً. تضيف: "أراهم في منامي أحياناً. في النهاية، نحن بشر ونتأثّر بعضنا ببعض. أمّا الشيخوخة فهي مصيرنا كلّنا".

بدورها، تعمل سمية وهي تونسية في دار للعجزة. تقول لـ"العربي الجديد" إنّ "العمل في مثل مهننا يستلزم من المرء أن يكون أكثر انخراطاً بما يفعل، بالمقارنة مع العمل في مهن أخرى"، شارحة أنّ "صحة الأشخاص الذين نعمل لمصلحتهم تتغيّر بسرعة كبيرة وغير متوقعة، وهو ما يفترض حضوراً دائماً إلى جانبهم. وبما أنّ هؤلاء يقتربون من نهاياتهم، فإنّه يتوجّب علينا البقاء متيقّظين لاستدعاء الأطباء في حال تدهور أوضاعهم الصحية فجأة".




تجدر الإشارة إلى أنّ أيّ تقصير يستوجب محاسبة صارمة، خصوصاً بعدما ظهرت في وسائل الإعلام حالات سوء معاملة لمرضى في بعض دور العجزة حرّكت الرأي العام الفرنسي ودفعت إدارات تلك المراكز إلى الضغط على عمّالها وموظفيها. والمحاسبة لا تأتي فقط من قبل الإدارات، إنّما كذلك من قبل عائلات هؤلاء المرضى، خصوصاً في دور العجزة الخاصة التي تتقاضى بدلات عالية. فهؤلاء يُفترَض أن يعيشوا مثلما يعيش السيّاح في فنادق فخمة، بالتالي يأتي تدخّل العائلات أكثر تأثيراً ممّا هو عليه في دور العجزة التي تديرها الدولة. في هذا السياق، تخبر سميرة وهي مغربية تعمل كما ماجدة وسمية في دار للعجزة، أنّها بدأت تشتغل مع هؤلاء المرضى قبل أكثر من ثلاثين عاماً. لكنّها تشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "الظروف تغيّرت كثيراً اليوم، فالعائلات تسأل عن أدقّ التفاصيل. وبما أنّ وسائل الاتصال تطوّرت، فإنّ المريض يستطيع بسهولة التواصل مع عائلته وإبلاغها بحالته".

من جهتها، وبعد بحث طويل عن فرصة عمل، راحت مريم وهي جزائرية تشتغل ممرضة خاصة لرجل عجوز. تقول لـ"العربي الجديد" إنّه "على الرغم من أنّ الاعتناء بشخص واحد يبدو سهلاً، فإنّ الأمور في الواقع ليست يسيرة. عنايتي به تشتمل على كل شيء، لذا فإنّ حضوري دائم إلى جانبه، ونادراً ما أجد لنفسي لحظة استراحة". لكنّ الصعوبة لا تكمن فقط في ذلك، فبمجرّد أن يتوفّى الله المريض، لا سيّما وأنّه يكون متقدماً في السنّ، فإنّ هؤلاء النساء يفقدنَ أعمالهنّ ويبدأنَ من جديد البحث عن فرص أخرى.

أمّا آمنة وهي مغربية، فقرّرت إنشاء دار حضانة في بيتها لتستقبل بالتنسيق مع قسم العمل الاجتماعي في البلدية ما بين طفلَين وأربعة أطفال. في الصباح تحضر عائلات فرنسية أبناءها ثمّ تعود في المساء لاصطحابهم إلى المنزل. ربّما يبدو عملها سهلاً، إلا أنّ آمنة تتحدث لـ"العربي الجديد" عن "مصاعب كثيرة. مزاج الأطفال متقلب في معظم الأحيان ولهم نزواتهم، لذا فإنّ تربيتهم لا تكون بنمط واحد، وعليّ بالتالي أن آخذ بعين الاعتبار كل طلباتهم". تضيف: "أنا أحضّر لهم الطعام وأجعلهم ينامون لبعض الوقت، وأحرص عادة ألا يتعاركوا في ما بينهم. الويل لي إذا ظهرت كدمات على أجسادهم، فسوف أوقف عن العمل فوراً". يُذكر أنّ نساء كثيرات تراوح أعمارهنّ ما بين الثلاثين والخمسين يميلون إلى حضانة الأطفال التي تتطلب جهداً جسدياً وكذلك نفسياً بالإضافة إلى يقظة دائمة. ومن هؤلاء النساء أمّهات يربّينَ أبناءهنّ مع الآخرين الذين يستقبلنَهم.




وتؤكد هؤلاء النساء جميعهنّ أنّهن لجأنَ إلى أعمالهنّ تلك، نظراً إلى ضعف مستواهنّ التعليمي ووصولهنّ في سنّ متأخرة إلى فرنسا، بالتالي عدم إلمامهنّ بالثقافة الفرنسية. هنّ قدمنَ بمعظمهنّ من مناطق ريفية من المغرب والجزائر وتونس، الأمر الذي يُعَدّ تفسيراً منطقياً لحالاتهنّ، في حين نرى فرنسيات من أصول عربية يمارسنَ بحرية أيّ مهنة متوفّرة في سوق العمل. لكنّ هؤلاء النساء لا يخفينَ سبباً آخر لتوجّههنّ إلى تلك الأشغال، فهنّ بمعظمهنّ يتحدّرنَ من مجتمعات محافظة وكذلك هي حال أزواجهنّ. وتقرّ سميرة في السياق أنّ "زوجي رفض كل عمل خارج دور العجزة"، في حين تقول مريم إنّ "زوجي رجل غيور، وقد رأى أنّه قدّم تنازلاً حين سمح لي بالعمل في منزل الرجل العجوز". أمّا آمنة فتشير إلى أنّ "زوجي يكبرني بعشرين عاماً، وبعد اطّلاعه على كلّ فرص العمل الممكنة ارتأى أن أستقبل أطفالاً في بيتنا".
دلالات