07 ديسمبر 2023
مهمة تصدير مشكلات اليمن إلى الخارج
كان الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح، لا يكفّ عن تهديد أميركا والسعودية بأن اليمن سوف يتحول إلى معقل للقاعدة، لو تخلتا عن دعمه. لاحقاً اعتمد الرئيس عبد ربه منصور هادي كلياً على الدعم الخارجي، مستنداً إلى خشية العالم من اليمن الذي قد يهدد أمن العالم وهدوئه، ثم صار يبني وجوده بإثارة مخاوف الخليج من التمدّد الإيراني. جاء الحوثيون من الداخل يستغلون هذا الفراغ الشاسع أمامهم، مستفيدين من ظرف إقليمي يخدمهم من خلال ركوب موجة معاداة "الإخوان المسلمين"، واستخدامهم ورقة رد على إسقاط نوري المالكي في العراق. بمجرد دخول الحوثيين لعبة التعامل مع العالم، بعد سيطرتهم على السلطة، تبنوا الخطاب التقليدي نفسه، مهمة قتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي قد يصبح اليمن مقرّه.
تقديم اليمن خطراً مقبلاً يهدد العالم ليس منطقاً طبيعياً في إيجاد علاقة بين هذه الدولة وبقية العالم، ويعبر عن حقيقة وحيدة إن نخبة هذه الدولة يبنون وجودهم على إحداث المشكلات، ولن يكونوا صادقين أبداً في القضاء على هذه المشكلات المفتعلة، لكي يستمروا في ابتزاز العالم.
كانت نتيجة عشر سنوات من الحرب ضد "القاعدة" مع علي عبدالله صالح ازدهار القاعدة، والأهم أن هذا التعاون لمكافحة الإرهاب كان أبرز روافع التوريث، حيث تأسست قوات أمنية وعسكرية خاصة، مستفيدة من التعاون العسكري والأمني مع أميركا كلها تتبع أحمد، نجل الرئيس صالح، وكذلك أبناء أخيه. لكن، انقلبت الآية وسقطت كل تحالفات واشنطن العسكرية والأمنية، وكذلك تقوضت كل أحلام التوريث على وقع تغيير داخلي، أجراه شباب ثورة 2011.
على الرغم من أن الرئيس هادي جاء على وقع أكبر حراك شعبي شهدته اليمن. ولكن، في
عهده أصبح اليمن بلداً تحكمه السفارات، وتلاشى الفعل التغييري للشباب في الشارع، ليحل محله شبابٌ لديهم نفوذ واسع في السياسة الداخلية، ليس بسبب حضورهم في الداخل، بل بسبب تأثيرهم على السفارات، تأسست لهذا أحزابٌ ومنظمات مجتمع مدني، كلها أنشطة وهمية، لعمل مدني وسياسي، حتى لو بدا إيجابياً في الظاهر، لكن طبيعة المحرّكات التي يعتمد عليها من نفوذ خارجي، وتحويل البلد إلى ساحة لتطبيق التجارب الأممية، ونظريات الرعاية الدولية، يجعل تلك التحركات منفصلةً عن الواقع، وبالتالي حضورها مؤقت، وغير حقيقي.
هكذا تأسّس مؤتمر حوار وطني برعاية أممية، سرعان ما انفصل عن أرض الواقع، بحكم طبيعة المظلة الأممية وترتيباتها، مهما حاولت أن تكون واقعيةً وشمولية، ثم لم يخف الرئيس عبد ربه منصور هادي سروره من إدراج اليمن ضمن بند الفصل السابع في الأمم المتحدة، والذي يتيح التدخل العسكري المباشر من الخارج في اليمن.
وبتطميناتٍ إقليمية ودولية، دخل الحوثيون صنعاء من دون أن يحرّك الرئيس هادي ساكناً، وسرعان ما فرّ الرئيس هادي إلى عدن، من دون اكتراث حقيقي للاستنفار الشعبي، والغضب الكبير ضد الحوثيين، ومحاولتهم فرض سلطتهم بقوة السلاح، متجاوزين كل الأطر السياسية والدستورية. مرة أخرى، كان الرئيس هادي يعوّل على الخارج، وهذه المرة الخوف الخليجي مما يسمى بالمشروع الإيراني، أو بسط نفوذ إيران في اليمن. لذا تم تضخيم العلاقة الإيرانية بالحوثيين، وتجاهل حقيقة أن سبب صعود هؤلاء استفادتهم من الوضع الداخلي المحتقن، غير معولين على نفوذ سفارات، كما لم تستطع القرارات الأممية وقف تقدّمهم.
مبكراً، نجح صالح في التلاعب بوضع اليمن للبقاء في السلطة، ففي البداية في الثمانينيات، لعب بجدارة دور الدولة الحاجز ضد المد الشيوعي القادم من الجنوب. ثم عندما انتهى هذا الدور، سرعان ما جاءت مكافحة الإرهاب مهمة كونية، سهلت عليه مهمة التوريث، لكن هذا كله من دون أن ينسي صالح الجبهة الداخلية، وكيفية التعامل معها بالتحايل أيضاً، ما ساعده على البقاء طويلاً في السلطة.
جاء الرئيس هادي بعد ثورةٍ شعبيةٍ، لكنه ظل مؤمناً بأن الخارج هو من أتي به وسيحافظ عليه، لم يكن هادي يحاول التلاعب بالخارج، لم تكن قدراته الشخصية تسمح بالتلاعب، لكنه كان مؤمناً بشكل مطلق بقدرة الفعل الخارجي، وغير واثق من الداخل. لذا ظل أسيراً للخارج، متصوراً أنه كلما قدم أكثر ضمن بقاءه في السلطة أطول، من دون أي حساسية تجاه الوضع الداخلي الذي سرعان ما انفجر بوجهه.
الحوثي بعد التداعي السريع لشعاراته الطوباوية من رفض الفساد والوصاية الدولية زاد تعويله
على الخارج، لأنه صار يعلم أن بقاءه مرهونٌ بقدرته في خدمة أطراف خارجية. لذا، يحاول إيجاد حاجة دولية لوجوده، من خلال تضخيم خطورة "داعش" باعتباره الطرف الجاهز الوحيد لقتالها.
تكشف هذه الحسابات السياسية للجميع في تعاملهم مع الخارج أمرين، أولهما أن هذه القوى تتعامل مع اليمن بوصفه بلدا يصدر أزماته إلى الخارج، وبقاء كل جماعة مرهون بهذه الأزمات. والثاني أن هذه القوى تحاول الحفاظ على وجودها من خلال الدعم الخارجي، لأنها تنظر إلى السلطة كأفضل طريقة للإثراء، أو تتمحور حول شخص ما، باعتباره زعيماً سياسياً أو قائدا دينياً.
هذا يضعف ارتباط هذه الأطراف المختلفة بالمجتمع، حيث لا تتبنّي أولوياته، ولا تعبر عن مصالحه. وفي بلد معقد وفقير الموارد مثل اليمن، تظل المشكلة مركبة، حيث لا يمكن حكمه بمنطق الغلبة، ولا يمكن لشخص أو جماعة التفرّد بحكمه. لذا يدفع الإصرار على هذه الأساليب في الحكم في اليمن الجميع إلى الخارج لتقوية حضوره.
اليمن بلد مأزوم، بسبب طبيعة النخب الحاكمة والمتحكّمة بأقداره، وحكم البلد بمنطق الأزمة المستدامة كان إرثا سياسيا لعلي عبدالله صالح، تم تطبيقه أزيد من ثلاثة عقود، وورثته جميع القوى السياسية الحاضرة. ترهن هذه الأزمات المتتالية اليمن للخارج الذي لا ينظر إلى اليمن بلداً فيه مصالح محتملة، بسبب عدم امتلاكه أية ثروة اقتصادية، كما أن موقعه يظل مهماً، لكن بشكل محدود. لذا، لا توجد مصلحة لدى العالم في اليمن، وبغياب الحديث عن المصالح، يبدأ الحديث عن المخاوف، وعوضاً عن منطق جلب المصلحة يأتي دفع الضرر، مبدأ يحكم علاقة العالم باليمن، وهذا يعني سياسة رد فعل فقط تجاه اليمن.
مهما كان للخارج من أدوات ونفوذ داخلي، سوف يظل عاجزاً عن حل أي قضية، هذا غير حساباته ومصالحه الخاصة التي لن تتفق، بالضرورة، مع الداخل أو حتى مع حلفائه داخل اليمن. وفي حالة اليمن، يظل العالم أسيراً لحالة رد الفعل بمنطق دفع الضرر، ما سوف يفاقم أزمات اليمن، ويظل جذر الأزمة متعلقاً دوماً بطبيعة النخب السياسية المأزومة في اليمن، وفقر خيالها السياسي، وانقطاع صلتها بالمجتمع ومشكلاته.
تقديم اليمن خطراً مقبلاً يهدد العالم ليس منطقاً طبيعياً في إيجاد علاقة بين هذه الدولة وبقية العالم، ويعبر عن حقيقة وحيدة إن نخبة هذه الدولة يبنون وجودهم على إحداث المشكلات، ولن يكونوا صادقين أبداً في القضاء على هذه المشكلات المفتعلة، لكي يستمروا في ابتزاز العالم.
كانت نتيجة عشر سنوات من الحرب ضد "القاعدة" مع علي عبدالله صالح ازدهار القاعدة، والأهم أن هذا التعاون لمكافحة الإرهاب كان أبرز روافع التوريث، حيث تأسست قوات أمنية وعسكرية خاصة، مستفيدة من التعاون العسكري والأمني مع أميركا كلها تتبع أحمد، نجل الرئيس صالح، وكذلك أبناء أخيه. لكن، انقلبت الآية وسقطت كل تحالفات واشنطن العسكرية والأمنية، وكذلك تقوضت كل أحلام التوريث على وقع تغيير داخلي، أجراه شباب ثورة 2011.
على الرغم من أن الرئيس هادي جاء على وقع أكبر حراك شعبي شهدته اليمن. ولكن، في
هكذا تأسّس مؤتمر حوار وطني برعاية أممية، سرعان ما انفصل عن أرض الواقع، بحكم طبيعة المظلة الأممية وترتيباتها، مهما حاولت أن تكون واقعيةً وشمولية، ثم لم يخف الرئيس عبد ربه منصور هادي سروره من إدراج اليمن ضمن بند الفصل السابع في الأمم المتحدة، والذي يتيح التدخل العسكري المباشر من الخارج في اليمن.
وبتطميناتٍ إقليمية ودولية، دخل الحوثيون صنعاء من دون أن يحرّك الرئيس هادي ساكناً، وسرعان ما فرّ الرئيس هادي إلى عدن، من دون اكتراث حقيقي للاستنفار الشعبي، والغضب الكبير ضد الحوثيين، ومحاولتهم فرض سلطتهم بقوة السلاح، متجاوزين كل الأطر السياسية والدستورية. مرة أخرى، كان الرئيس هادي يعوّل على الخارج، وهذه المرة الخوف الخليجي مما يسمى بالمشروع الإيراني، أو بسط نفوذ إيران في اليمن. لذا تم تضخيم العلاقة الإيرانية بالحوثيين، وتجاهل حقيقة أن سبب صعود هؤلاء استفادتهم من الوضع الداخلي المحتقن، غير معولين على نفوذ سفارات، كما لم تستطع القرارات الأممية وقف تقدّمهم.
مبكراً، نجح صالح في التلاعب بوضع اليمن للبقاء في السلطة، ففي البداية في الثمانينيات، لعب بجدارة دور الدولة الحاجز ضد المد الشيوعي القادم من الجنوب. ثم عندما انتهى هذا الدور، سرعان ما جاءت مكافحة الإرهاب مهمة كونية، سهلت عليه مهمة التوريث، لكن هذا كله من دون أن ينسي صالح الجبهة الداخلية، وكيفية التعامل معها بالتحايل أيضاً، ما ساعده على البقاء طويلاً في السلطة.
جاء الرئيس هادي بعد ثورةٍ شعبيةٍ، لكنه ظل مؤمناً بأن الخارج هو من أتي به وسيحافظ عليه، لم يكن هادي يحاول التلاعب بالخارج، لم تكن قدراته الشخصية تسمح بالتلاعب، لكنه كان مؤمناً بشكل مطلق بقدرة الفعل الخارجي، وغير واثق من الداخل. لذا ظل أسيراً للخارج، متصوراً أنه كلما قدم أكثر ضمن بقاءه في السلطة أطول، من دون أي حساسية تجاه الوضع الداخلي الذي سرعان ما انفجر بوجهه.
الحوثي بعد التداعي السريع لشعاراته الطوباوية من رفض الفساد والوصاية الدولية زاد تعويله
تكشف هذه الحسابات السياسية للجميع في تعاملهم مع الخارج أمرين، أولهما أن هذه القوى تتعامل مع اليمن بوصفه بلدا يصدر أزماته إلى الخارج، وبقاء كل جماعة مرهون بهذه الأزمات. والثاني أن هذه القوى تحاول الحفاظ على وجودها من خلال الدعم الخارجي، لأنها تنظر إلى السلطة كأفضل طريقة للإثراء، أو تتمحور حول شخص ما، باعتباره زعيماً سياسياً أو قائدا دينياً.
هذا يضعف ارتباط هذه الأطراف المختلفة بالمجتمع، حيث لا تتبنّي أولوياته، ولا تعبر عن مصالحه. وفي بلد معقد وفقير الموارد مثل اليمن، تظل المشكلة مركبة، حيث لا يمكن حكمه بمنطق الغلبة، ولا يمكن لشخص أو جماعة التفرّد بحكمه. لذا يدفع الإصرار على هذه الأساليب في الحكم في اليمن الجميع إلى الخارج لتقوية حضوره.
اليمن بلد مأزوم، بسبب طبيعة النخب الحاكمة والمتحكّمة بأقداره، وحكم البلد بمنطق الأزمة المستدامة كان إرثا سياسيا لعلي عبدالله صالح، تم تطبيقه أزيد من ثلاثة عقود، وورثته جميع القوى السياسية الحاضرة. ترهن هذه الأزمات المتتالية اليمن للخارج الذي لا ينظر إلى اليمن بلداً فيه مصالح محتملة، بسبب عدم امتلاكه أية ثروة اقتصادية، كما أن موقعه يظل مهماً، لكن بشكل محدود. لذا، لا توجد مصلحة لدى العالم في اليمن، وبغياب الحديث عن المصالح، يبدأ الحديث عن المخاوف، وعوضاً عن منطق جلب المصلحة يأتي دفع الضرر، مبدأ يحكم علاقة العالم باليمن، وهذا يعني سياسة رد فعل فقط تجاه اليمن.
مهما كان للخارج من أدوات ونفوذ داخلي، سوف يظل عاجزاً عن حل أي قضية، هذا غير حساباته ومصالحه الخاصة التي لن تتفق، بالضرورة، مع الداخل أو حتى مع حلفائه داخل اليمن. وفي حالة اليمن، يظل العالم أسيراً لحالة رد الفعل بمنطق دفع الضرر، ما سوف يفاقم أزمات اليمن، ويظل جذر الأزمة متعلقاً دوماً بطبيعة النخب السياسية المأزومة في اليمن، وفقر خيالها السياسي، وانقطاع صلتها بالمجتمع ومشكلاته.