مهدّدون بالطرد من "سيسيليا تونس"

11 فبراير 2017
بنيت المنطقة بشكل عشوائي (العربي الجديد)
+ الخط -
أن يُطرد سكان منطقة سيسيليا في تونس العاصمة بأحكام قضائية بسبب اعتدائهم على الأرض وإقامتهم فيها بشكل غير قانوني فهو أمر يمكن تفهّمه، لكنّ المتضررين يؤكدون امتلاكهم وثائق ملكية

لغز سيسيليا أو صقلية الصغرى في تونس العاصمة ما زال محلّ جدل كبير بين الأهالي المهددين بالطرد والتشرد وشركة أجنبية يدّعي السكان أنّها وهمية. جدل أدّى إلى شكاوى وقضايا متواصلة منذ أكثر من عشر سنوات، لا سيما بعد طرد بعضهم من أماكن إقامتهم ومحالهم التجارية بالرغم من امتلاكهم عقود ملكية.

سيسيليا أو صقلية الصغرى كما سمّيت هي منطقة شعبية في قلب العاصمة، قريبة من مقر وزارة الداخلية، وتتكون من منازل ومتاجر بسيطة. تعود قصتها إلى عام 1865 حين منح باي تونس (لقب الحاكم في ذلك العهد) عائلة فاشيوتي قطعة أرض هبة نظير القضاء على المستنقعات وتصريف المياه وتأهيل المنطقة. وجرى تسجيل ملكية الأرض رسمياً في فبراير/ شباط 1897 باسم "كارلوتا فاشيوتي- غنيشو" وقد تصرفت العائلة في العقار حتى سنة 1951. بذلك، نشأت مساحة واسعة تمتد على قرابة 13 هكتاراً، فوفرت مكاناً للتوسع العمراني في غياب مساحات أخرى صالحة للبناء.

سمحت "كارلوتا فاشيوتي- غنيشو" بتشييد عدّة أبنية على أرضها مقابل بدلات إيجار بسيطة. تأسس حيّ فوضوي بعد بناء السكان أغلب بيوتهم ومحلاتهم في شكل أكواخ من القصدير والأخشاب. ثم ارتفع عدد المساكن خصوصاً مع إقامة الميناء في تلك المنطقة من المدينة. فكان أغلب السكان من المهاجرين السردينيين والصقليين الفقراء الآتين من جنوب إيطاليا، لذلك سمّيت صقلية الصغرى.

تنازلت عائلة فاشيوتي عن جزء كبير من الأرض لصالح الدولة التونسية مقابل تأهيل أجزاء من العقار. كذلك، تولّت البلدية تحديد الضرائب المترتبة بالتوازي مع تقدّم عمليات البيع.
أما باقي العقار فقد استمر ملكاً لعائلة فاشيوتي حتى سنة 1951 تاريخ إدماجها في رأسمال الشركة العقارية "المغرب تونس" ومقرها في الدار البيضاء. وبالرغم من أنّ العقار لم يكن يومها يتعدى هكتارين، إلا أنّ قيمته ارتفعت بشكل كبير جداً.

بعد الاستقلال هدمت الورش والمساكن البسيطة تلك، وبدأ شكل الحي الأصلي يتغيّر. لكنّ بلدية تونس أطلقت عام 2002 مشروعاً لتنمية جنوب العاصمة، وتأسيس مركز تجاري وسكني ذي مواصفات عالية، وفق ما أشار إليه فتحي بن سعيد وهو أحد المتضررين من قرارات الهدم والإخلاء.


يقول بن سعيد لـ"العربي الجديد" إنّ والده طرد بقوة الشرطة في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي رفقة عدد من الأهالي، بعدما رفعت شركة "ليونيداس" 200 قضية في المحكمة التونسية، وحكمت لها المحكمة بـ120 قرار إخلاء جرى بمقتضاها تشريد العديد من السكان من منازلهم، كما خسر آخرون موارد رزقهم بعد طردهم من محالهم التجارية. وما زالت بعض العائلات الأخرى مهدّدة إلى اليوم بإخراجها بقوة الشرطة.

يتابع: "الشركة التي تقاضي السكان شركة وهمية يقف وراءها بلحسن الطرابلسي صهر بن علي وبعض الأطراف الذين كانوا متنفذين قبل ثورة 2011. تأسست في فترة حكم النظام السابق من جانب مافيا العقارات التي كانت تبحث عن ربط هذا المشروع بمشروع سما دبي القريب". يضيف: "جرى طرد والدي بالرغم من أنّه اشترى العقار منذ 1970 بطريقة قانونية من امرأة إيطالية تدعى راؤولا باولا دومينيكوا بمقتضى عقد بيع مسجّل في دوائر العاصمة. لكن جرى إخراجه بالرغم من ذلك، وبالرغم من الشكاوى التي رفعها إلى المسؤولين".

قدّم بن سعيد رفقة عدد من الأهالي ملفاً إلى لجنة تقصي الحقائق منذ سنة 2011 للمطالبة بفتح تحقيق في هذه القضية والبحث في قانونية وجود الشركة أو عدمها. كذلك تقدّم بملف إلى هيئة الحقيقة والكرامة تمسكاً بحقوقهم وإصراراً على كشف حقيقة الشركة والأطراف النافذة التي تقف وراء طردهم.

من جهتها، تشير منوبية همامي، وهي من السكان الحاليين في سيسيليا، لكنّها مهددة بالطرد، إلى أنّ القضية أثيرت قبل 6 سنوات. تطالب بالتدخل لكشف الحقائق حول مافيا عقارات تريد تدمير المنطقة ككل، وتحويل المكان إلى مدينة بأبنية عالية ومراكز تجارية كبيرة شبيهة بمشروع "سما دبي".

نفس المشكلة تعرضت لها نادرة طقطق (47 عاماً) التي طرد والدها عام 2005 بقوة الشرطة من متجره الذي يملكه منذ 1986 ومعه شهادة ملكية. تشير إلى أنّ المحل التجاري استحوذ عليه أشخاص آخرون من دون وجه حق. وتطالب بتدخل هيئات مكافحة الفساد "لأنّ هناك شبهات فساد حول الملف" مع تشديدها على ضرورة تعويض المتضررين من قرارات الطرد والهدم والتشرد.

على صعيد متصل، يؤكد أغلب السكان أنّ قرارات الإخلاء بالقوة تطبق على الفقراء فقط، أما بعض السكان من أصحاب النفوذ فلم يُطردوا. وقد نظّم الأهالي في مارس/ آذار 2013 وقفة احتجاجية في شارع الحبيب بورقيبة بحضور الجمعية التونسية للدفاع عن أملاك الأجانب. كذلك، قدّموا ملفاً عام 2015 إلى الجهة القضائية المختصة في قضايا انتهاكات وتجاوزات النظام السابق.

في المقابل، يشير الممثل التجاري السابق لشركة "ليونيداس" منصف الأصرم إلى أنّ "الشركة قانونية ويعود تسجيلها إلى عام 1961. وإخراج سكان المنطقة من منازلهم بالقوة العامة أمر قانوني، لأنّ السكان لا يملكون شهادات ملكية، إنمّا استحوذ أغلبهم على المساكن والمتاجر من دون وجه حق، فيما يعمد البعض الآخر إلى تأجير المكان". يتابع أنّه "سيجري التعويض على السكان بحسب وضعياتهم الاجتماعية خصوصاً المسنين والفقراء".