آلاف المهاجرين السريين في طرابلس مهددون بالخطر، لا سيّما الموت، في داخل مراكز الاحتجاز التي تؤويهم وسط ظروف إنسانية متدهورة.
مثّل الاعتداء على أحد مراكز احتجاز المهاجرين السريين في تاجوراء، الواقعة شرق العاصمة الليبية طرابلس، في الثالث من يوليو/تموز الجاري، مؤشّراً واضحاً على أنّ مئات المهاجرين في مثل تلك المراكز مهددون بالموت في ظلّ كثافة الغارات الجوية. وقد لقي نحو 60 مهاجراً سرياً حتفهم في تلك المجزرة فيما أصيب نحو 130 آخرين بجروح، بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، وذلك وسط استنكار دولي، في حين اتهمت حكومة الوفاق الوطني في ليبيا التي تشرف أجهزتها الأمنية على ذلك المركز طائرات اللواء المتقاعد خليفة حفتر بارتكاب المجزرة.
وفي التاسع من يوليو الجاري، ترك عشرات من المهاجرين السريين مركز تاجوراء وتوزّعوا في شوارع تاجوراء، بعد تخوّف من معاودة قصف المركز، في حين أكدت وزارة الداخلية في حكومة الوفاق أنّها اتخذت إجراءاتها لإعادة المهاجرين الفارين من المركز، مطالبة المجتمع الدولي بضرورة العمل على نقل المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية وإنقاذهم من خطر الموت بالغارات الجوية. يُذكر أنّ قوات حفتر تتّهم، من جهتها، قوات حكومة الوفاق بتخزين أسلحة وذخائر في مقار المهاجرين السريين، الأمر الذي يجعلهم "هدفاً مشروعاً" لنيرانها.
وبينما أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنّ إخلاء مركز تاجوراء يجري تدريجياً بالتنسيق مع حكومة الوفاق، أكّد الاتحاد الأوروبي أنّه ماضٍ في عمله مع حكومة الوفاق والمنظمات الدولية، لحماية ودعم المهاجرين واللاجئين في ليبيا. وقد أشار الاتحاد، في بيان أخير له أصدره في العاشر من يوليو الجاري، إلى أنّه ملتزم بشدّة بمحاربة الاتّجار بالبشر والمهرّبين وتعزيز قدرات حرس السواحل الليبي لإنقاذ الناس في عرض البحر.
في السياق، يقول الضابط في جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية بطرابلس، محمود الهواري، لـ"العربي الجديد" إنّ "حكومة الوفاق طالبت منظمات دولية بضرورة فتح تحقيق عاجل في مجزرة تاجوراء"، مضيفاً أنّ "من بين مطالبنا في سياق التحقيق زيارة مراكز إيواء (احتجاز) المهاجرين". ويتابع الهواري أنّه "في الإمكان دحض ادعاءات قوات حفتر بزيارة تلك المراكز والتأكد من خلوّها من أيّ أسلحة أو ذخائر"، لافتاً إلى أنّ "ثمّة إجراءات تتّخذها مراكز بمبادرة فردية بهدف تفادي الفوضى، منها إخراج المهاجرين للنوم في العراء تحسباً لأيّ قصف".
ويتّهم الهواري "المجتمع الدولي، بالتغاضي عن عمليات حفتر الإجرامية"، مشيراً إلى أنّ "أحداً لم يتحدّث عن مركز أبو رشادة القريب من غريان، والذي يؤوي مئات المهاجرين، وعن مصير هؤلاء ومكانهم". ويكمل أنّ "مهرّبي البشر استغلوا اعتداء تاجوراء وأرسلوا مئات القوارب، علماً أنّ قوارب المنظمات الإنسانية تسهّل وصول المهاجرين السريين إلى عرض البحر تحت شعار إنقاذهم. بعد ذلك، يأتي من يلوم حكومة الوفاق ويطالبها بضرورة حماية المهاجرين". وكان المتحدث الرسمي باسم القوات البحرية الليبية، أيوب قاسم، قد صرّح، نهاية الأسبوع الماضي، بأنّه تمّ إنقاذ 53 مهاجراً سرياً كانوا على متن قارب مطاطي قبالة سواحل ليبيا الغربيّة.
في خارج مركز الاحتجاز (محمود تركية/ فرانس برس) |
على الرغم من دفاع الهواري، فإنّ منظمات حقوقية تؤكد عيش المهاجرين السريين في أوضاع مزرية في داخل مراكز الاحتجاز التي ينتهون فيها بعد اعتراض خفر السواحل الأوروبيين والليبيين قواربهم في عرض البحر. وقد عبّرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مراراً عن قلقها إزاء مصير نحو 3500 مهاجر وطالب لجوء، مؤكدة إمكانية تعرّضهم إلى خطر الموت بسبب وجودهم في مراكز احتجاز قريبة من مناطق المعارك المستمرة إلى جنوب طرابلس.
من جهتها، كشفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بالتفصيل أنّ نحو ستة آلاف مهاجر وطالب لجوء محتجزون في مراكز الإيواء الليبية، من بينهم ثلاثة آلاف شخص يتعرّضون للخطر وسط القتال الجاري حول طرابلس. لكنّ الهواري يلفت إلى أنّ "بعض مراكز الإيواء رسميّ ويخضع لسيطرة الدولة"، فيما يعترف بوجود "مراكز أخرى تخضع لسلطة مجموعات مسلحة مختلفة"، موضحاً أنّ "حكومة الوفاق بالتعاون مع بعثات دولية وإنسانية تراقب كذلك تلك المراكز". ويؤكد الهواري "صحة البيانات الدولية التي تشير إلى وجود أكثر من ثلاثة آلاف مهاجر في مراكز طرابلس".
تجدر الإشارة إلى أنّه عقب وقوع مجزرة تاجوراء، أعلنت حكومة الوفاق عن دراستها مشروع إقفال مراكز الاحتجاز وإخلاء سبيل المهاجرين السريين حفاظاً على أرواحهم وسلامتهم، منها مراكز في داخل نطاق طرابلس وصرمان والخمس. وقد أوضح بيان لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية أنّ تلك المراكز تقع في أحياء سكنية بمدن كبيرة قد يتعرّض فيها السكان المجاورون إلى خطر القصف الجوي إلى جانب تعرّض المهاجرين للخطر في داخلها.