من يبيع الأمل لهذا الشعب؟

02 مارس 2016
+ الخط -
قبل واحد وعشرين عاماً، كتب نزار قباني مرثية للعرب ولأحوالهم، بمناسبة توقيع اتفاقية أوسلو التي هزت الوجدان القومي للأمة، وكتب تحت عنوان المهرولون مقطعاً دراماتيكياً: لم يعد ثمة أطلال نبكي عليها/ كيف تبكي أمة أخذوا منها المدامع؟ صرخة من قلب كان يخفق بحب فلسطين، وعقل كان يحلم بوحدة العرب، ورئة كانت تبحث عن نسيم الحرية والمساواة والديمقراطية والكبرياء بين الأمم. من لطف الله بالشاعر الدمشقي أنه مات قبل أن يرى سورية، وقد كسرت مثل جرة فخار وقعت على الأرض، سماؤها تتكلم الروسية، وأرضها تتكلم الفارسية، وقوميتها صارت علوية، وبعثها صار شبيحة، وأسدها تحول إلى جزار، هوايته أن يلقي البراميل المتفجرة على شعبه. حاكم رضي بهوان الغريب، ولو أعطى للقريب من شعبه ربع ما أعطاه لإيران وروسيا وحزب الله وعصائب الحق، لأنقذ البلاد من الدمار، والإنسان من القتل والشعب من التشرد، لكن بشاراً أبى إلا أن يظل حاكماً، ولو على الأطلال، زعيما فوق القبور، قائدا لشعبٍ نصفه في مخيمات اللاجئين، ونصفه يقاتل ببنادق للإيجار...
(لا نقود شعباً إلا إذا كنا دليله إلى المستقبل، ولا يحكم زعيم أمةً إذا لم يكن تاجراً يبيع الأمل للناس). صاحب القول الحكيم هذا هو نابليون بونابرت الذي عاش وسط الحرب والسلم، وقاد أمته في ظروفٍ صعبة للنصر والهزيمة.. أي أمل يبيعه الحكام العرب اليوم لشعوبهم؟ وأي أمل يحمله الأسد اليوم لسورية؟ وأي مستقبل يعد به علي عبد الله صالح اليمن؟ وأي مشروع يوجد في حقائب عبد الفتاح السيسي وحيدر العبادي وخليفة حفتر لمصر والعراق وليبيا أو ما بقي من ليبيا...
عندما غاب الأمل حضر اليأس، وعندما اختفى من يبيع الأمل، جاء من يبيع الموت، ولمّا فشلت النخب العربية في الدفاع عمّا يستحق الحياة على هذه الأرض، جاء أبو بكر البغدادي يبشر بالموت على هذه الرقعة الجغرافية الغارقة في الاستبداد والفساد والعصبية والتخلف والتحلل والتعصب. ألا يقول قانون الكون إن الطبيعة تخشى الفراغ؟ هو الفراغ، إذن، ما فرّخ الإسلام الراديكالي، وهو من أخرج الوحش من القمقم، وهو ما يهدد اليوم ما بقي من معالم الدول العربية وكياناتها. جميع الدول العربية مهددة بمآل الصومال، حيث الدولة غائبة، والفوضى تصنع كل يوم حكاماً جدداً على الأرض. إنه شبح الدولة الفاشلة التي تعرف في أدبيات العلوم السياسية كالتالي: (تصبح الدولة فاشلةً، إذا ظهر عليها عددٌ من الأعراض، أولها أن تفقد السلطة القائمة قدرتها على السيطرة الفعلية على أراضيها، أو أن تفقد احتكارها حق استخدام العنف المشروع في الأراضي التي تحكمها. وثانيها فقدانها شرعية اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها. وثالثها عجزها عن توفير الحد المعقول من الخدمات العامة. ورابعها عجزها عن التفاعل مع الدول الأخرى كعضو فاعل في الأسرة الدولية).
كم دولة عربية ينطبق عليها هذا التعريف؟ العراق وليبيا وسورية واليمن ولبنان. هذا مؤكد. لكن، هناك دول عربية أخرى مرشحة قريباً لدخول لائحة الدول الفاشلة، مثل مصر والجزائر وموريتانيا.. وهناك دول أخرى ستلتحق بأخواتها حتماً، إذا عجزت عن مباشرة الإصلاحات الديمقراطية، وعن بناء شرعيةٍ حديثةٍ لنظم حكمها، وإلى مصالحةٍ تاريخية مع شعبها. لا يمكن للعرب أن يظلوا استثناء من القاعدة. ينسى الحكام العرب أن القرن الماضي، وقبل أن تنطفئ أنواره سجل دخول 120 دولة من أصل 193 دولة مسجلة في الأمم المتحدة إلى نادي الديمقراطيات الحديثة بهذا الشكل أو ذاك، وأن العرب هم الجنس الوحيد الذي بقيت دوله خارج هذا النادي إلى الآن. صار الحكم الديمقراطي اليوم شرطاً لاستقرار الدول وتقدمها وقدرتها على إدارة تناقضات مجتمعها وتطلعات شعبها. هذه حقيقة لها ما بعدها، وليس تفصيلاً بلا أثر على مصير الدول والشعوب.

A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.