من حكايات صيف "30 يونيو"

26 يونيو 2015

في مظاهرة في القاهرة ضد الانقلاب العسكري (23 يونيو/2015/Getty)

+ الخط -
لم تكن مظاهرات 30 يونيو 2013 في مصر سوى واجهة خبيثة لسيناريو محكم، كان يجري إعداده والتخطيط له قبل فترة من أجل الانقلاب على ثورة 25 يناير، بذريعة التخلص من حكم جماعة الإخوان المسلمين. وقد تورطت كل أجهزة الدولة في صناعة هذا السيناريو، بالتنسيق مع أطراف إقليمية ودولية، كانت حريصة على إسقاط "الإخوان" وإجهاض الثورة. صحيح أنه كانت هناك حالة تذمر وغضب شعبي من الفشل الذريع للإخوان، فضلا عن غرورهم الذي جعلهم منفصلين عن الواقع، لكن هذا الغضب تم استخدامه وتوظيفه من مؤسسات الدولة العميقة، من أجل تنفيذ سيناريو الانقلاب. وهنا، أورد واقعتين كنت شاهداً عليهما، أثارتا لديّ شكوكاً كثيرة بشأن مصداقية تلك التظاهرات، وأكدتا هواجسي بأن ثمة شيئاً ما يجري التخطيط له في الخفاء. 

الواقعة الأولى، التقيت نفراً من المثقفين والباحثين في مكتب أحد رؤساء تحرير إحدى الصحف الرسمية، وكانوا جميعا ضد جماعة الإخوان، ورافضين استمرار الرئيس، محمد مرسي، في السلطة. وقد أجمع هؤلاء على أن الثلاثين من يونيو سيكون آخر يوم لـ"الإخوان" في السلطة. وحين سألت أحدهم عن مصدر تلك الثقة المفرطة، رد متفاخراً بأن أحد الأجهزة السيادية على اتصال معهم، وأكد لهم أن أيام مرسي في السلطة باتت معدودة. انعقد لساني من الدهشة، ومن حجم اختراق تلك الأجهزة أوساط المثقفين والصحافيين الذين يبدو أن بعضهم كان ضالعاً، ومتورطاً حتى النخاع، في الترويج والتمهيد لمؤامرة 30 يونيو. خرجت من ذلك اللقاء، وكان الأول لي بعد عودتي من بريطانيا بعد رحلة استمرت خمس سنوات، وأنا في حالة من الذهول وعدم التصديق لما يحدث.
كانت الواقعة الثانية في الفترة نفسها، حين اتصل بي زميل يعمل في صحيفة حكومية، وربطتني به علاقة صداقة، كانت لا تزال في بداياتها. سألني عما إذا كان لدي مانع في مقابلة قريب له كان يعمل في أحد الأجهزة السيادية المهمة، وتقاعد قبل شهور، حسب روايته، وقرر السفر خارج البلاد للاستمتاع بما تبقى له من حياة مع أولاده وأحفاده. سألته باستغراب: إذا كان قريبك قد ترك عمله، وقرر ترك البلاد، فلماذا يريد مقابلتي؟ فرد بأن لدى قريبه فضولاً لمعرفة المزيد حول جماعة الإخوان المسلمين وطريقة تفكير قياداتها. وباعتباري أحد الدارسين والمتخصصين في الجماعة، كان يرغب في أن يقابلني ويسمع مني، هكذا قال لي ذلك الزميل. فكان ردي عليه أن ينصح قريبه بأن يقرأ كتابي عن شيخوخة الإخوان، وسوف يجد فيه معلومات وتحليلاً كثيرين عن الجماعة وطريقة تفكيرها. ظل صاحبنا يطاردني بالاتصالات، كي أستجيب لطلبه، لكني رفضت بشدة. بعد انقلاب 3 يوليو 2013 اتصلت به، لكي أعرف موقفه مما حدث، فوجدته فرحاً ومبتهجاً، وحين سألته عن قريبه، قال إنه عاد إلى عمله، وقرر البقاء في البلاد بعد سقوط "الإخوان". وبعد فترة قصيرة، اكتشفت أن ذلك الزميل كان على اتصال وتعاون دائم مع ذلك الجهاز السيادي، وأن من كان يدّعي بأنه قريبه لم يكن سوى كذبة، كان هدفها معرفة رد فعل قيادات "الإخوان" إذا ما وقع الانقلاب، كي يقوم بتوصيلها لمن وظّفوه. لذا، لم يكن غريباً أن يحصل ذلك الزميل على مقابل لخدماته للانقلاب، حيث تمت ترقيته في تلك الجريدة، وأصبح من المقربين لدى السلطة، والمدافعين عنها، والمبررين لسياساتها وجرائمها.
قد لا يكون ما سبق مفاجئاً الآن، بعد أن وضحت الصورة وانكشف المستور، لكنه يظل جزءاً مهماً من ذاكرة الوطن التي يحق للجميع أن يعرفها.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".