03 نوفمبر 2024
من حق المرزوقي أن يغضب
اختلفت مع الدكتور المنصف المرزوقي في أكثر مناسبة، قبل الثورة التونسية وبعدها، لكني، هذه المرة، أنحاز إليه وأدافع عن ضرورة احترامه، مناضلاً سياسياً شرساً ضد الديكتاتورية، ورئيساً سابقاً لتونس لم يسع إلى إسكات الإعلام، على الرغم من الحرب المفتوحة التي دارت بين الطرفين طوال بقائه في قصر قرطاج.
أذكر أني التقيت مواطنا تونسياً، في الفترة الأولى التي أعقبت الثورة، رأى أن الديمقراطية لن تترسخ في تونس، إلا عندما يصبح التهجم على شخص رئيس الدولة حالة عادية. اعترضت يومها على هذا الرأي، لأني رأيت فيه سلوكا من شأنه أن يعرقل عملية تصحيح العلاقة بين التونسيين والدولة. لا يعني هذا أن للرئيس الحق في أن يتقمص الدولة في شخصه، إذ لو سمحنا له بذلك فسنشرع للاستبداد، ونضفي عليه نوعاً من " القداسة " التي تمكنه من إطلاق يديه في الناس، وفي الملك العام. وهذا ما حصل مع زين العابدين بن علي الذي صنع منه ذوو النفوس الضعيفة والأطماع الصغيرة ديكتاتوراً لا يعرف حدوده، فزادوه غرورا على غروره.
المقصود، في هذا السياق، أن احترام المواطنين الدولة ضرورة لحماية استقرار العمران البشري. ولن يتحقق ذلك إلا بقدر تسليمهم للرمزية التي يعبر عنه موقع رئيس الدولة، وكذلك الإقرار بالصلاحيات التي منحها الدستور لصاحب هذا المنصب، بعد اختياره من الشعب. هذا الاحترام مقيد بالدستور والقانون، ولا يجعل شخصه وممارساته فوق النقد، سواء من وسائل الإعلام أو المواطنين، شريطة أن يمارس هذا النقد بطريقة ضبطتها القوانين ومواثيق الشرف.
لا تنطبق هذه القواعد فقط على الرؤساء، عند مزاولتهم المسؤولية، وإنما يستمر جزء منها حتى بعد مغادرتهم السلطة، فاحترام الرؤساء السابقين جزء من تقاليد احترام الدولة واستمراريتها.
من حق المرزوقي أن يستأنف جهوده من أجل العودة إلى الحكم، ومن حقه أن يشكل قوة سياسية جديدة، تساعده على تحقيق هذا الهدف، ومن حقه أن ينتقد الذين يمسكون بالسلطة حالياً، وأن يتهمهم بالفشل، فكل ذلك جزء من نشاطه السياسي المشروع، بحكم أنه انتقل من السلطة إلى المعارضة، وإن كان مطالباً بأن يكون حذراً في حديث عن الشأن الداخلي، إذا كان خارج حدود الوطن. وفي كل الحالات، تبقى كلماته محسوبة عليه، ومن الطبيعي أن يولد كل هجوم يقوم به ضد خصومه ومنافسيه هجوماً مضاداً منهم، وتلك من قواعد اللعبة الديمقراطية. لكن، في كل الحالات، يجب التحذير من تحريف الكلم عن مواضعه، فالموضوعية تقتضي أن ننسب الحديث كاملاً ودقيقاً لقائليه، قبل أن نطلق النار عليهم. ولهذا، كان من الطبيعي أن يغضب الرئيس السابق، عندما تم تفكيك خطابه الذي ألقاه، أخيراً، في الدوحة، واقتطعت أجزاء منه في المواقع الاجتماعية بطريقة جعلت منه محرضاً بدائياً، يهدد الاستقرار السياسي والتجربة الديمقراطية في تونس.
وإذ أخالف الرئيس السابق في لجوئه إلى القضاء، لمحاكمة منشط برنامج "اليوم الثامن" الذي بث هذا المونتاج، ما أخرج حديث المرزوقي عن سياقه، من دون إشعار المشاهدين بذلك، فإني أتفهم الغضب الذي انتاب الرجل، وأقدر إحساسه بأنه من بين السياسيين الأكثر استهدافاً من وسائل الإعلام والاتصال، قبل وصوله إلى الرئاسة وفي أثناء ممارسته لها، وبعد خروجه منها، حتى كاد أن يصبح مداناً حتى قبل أن يتكلم.
حان الوقت لتصحيح هذه الوضعية الشاذة والغريبة، فعندما يخطئ الرئيس السابق، وفي ذلك أمثلة عديدة، من حق الجميع أن ينتقدوه ويحاسبوه، لكن الاستنفار الإعلامي المستمر الذي يمارسه بعضهم ضده يعتبر ظاهرة غير بريئة، لن تساعد على إرساء مناخ سياسي سليم، في بلد لا يزال عرضة للمخاطر والتهديدات.
المقصود، في هذا السياق، أن احترام المواطنين الدولة ضرورة لحماية استقرار العمران البشري. ولن يتحقق ذلك إلا بقدر تسليمهم للرمزية التي يعبر عنه موقع رئيس الدولة، وكذلك الإقرار بالصلاحيات التي منحها الدستور لصاحب هذا المنصب، بعد اختياره من الشعب. هذا الاحترام مقيد بالدستور والقانون، ولا يجعل شخصه وممارساته فوق النقد، سواء من وسائل الإعلام أو المواطنين، شريطة أن يمارس هذا النقد بطريقة ضبطتها القوانين ومواثيق الشرف.
لا تنطبق هذه القواعد فقط على الرؤساء، عند مزاولتهم المسؤولية، وإنما يستمر جزء منها حتى بعد مغادرتهم السلطة، فاحترام الرؤساء السابقين جزء من تقاليد احترام الدولة واستمراريتها.
من حق المرزوقي أن يستأنف جهوده من أجل العودة إلى الحكم، ومن حقه أن يشكل قوة سياسية جديدة، تساعده على تحقيق هذا الهدف، ومن حقه أن ينتقد الذين يمسكون بالسلطة حالياً، وأن يتهمهم بالفشل، فكل ذلك جزء من نشاطه السياسي المشروع، بحكم أنه انتقل من السلطة إلى المعارضة، وإن كان مطالباً بأن يكون حذراً في حديث عن الشأن الداخلي، إذا كان خارج حدود الوطن. وفي كل الحالات، تبقى كلماته محسوبة عليه، ومن الطبيعي أن يولد كل هجوم يقوم به ضد خصومه ومنافسيه هجوماً مضاداً منهم، وتلك من قواعد اللعبة الديمقراطية. لكن، في كل الحالات، يجب التحذير من تحريف الكلم عن مواضعه، فالموضوعية تقتضي أن ننسب الحديث كاملاً ودقيقاً لقائليه، قبل أن نطلق النار عليهم. ولهذا، كان من الطبيعي أن يغضب الرئيس السابق، عندما تم تفكيك خطابه الذي ألقاه، أخيراً، في الدوحة، واقتطعت أجزاء منه في المواقع الاجتماعية بطريقة جعلت منه محرضاً بدائياً، يهدد الاستقرار السياسي والتجربة الديمقراطية في تونس.
وإذ أخالف الرئيس السابق في لجوئه إلى القضاء، لمحاكمة منشط برنامج "اليوم الثامن" الذي بث هذا المونتاج، ما أخرج حديث المرزوقي عن سياقه، من دون إشعار المشاهدين بذلك، فإني أتفهم الغضب الذي انتاب الرجل، وأقدر إحساسه بأنه من بين السياسيين الأكثر استهدافاً من وسائل الإعلام والاتصال، قبل وصوله إلى الرئاسة وفي أثناء ممارسته لها، وبعد خروجه منها، حتى كاد أن يصبح مداناً حتى قبل أن يتكلم.
حان الوقت لتصحيح هذه الوضعية الشاذة والغريبة، فعندما يخطئ الرئيس السابق، وفي ذلك أمثلة عديدة، من حق الجميع أن ينتقدوه ويحاسبوه، لكن الاستنفار الإعلامي المستمر الذي يمارسه بعضهم ضده يعتبر ظاهرة غير بريئة، لن تساعد على إرساء مناخ سياسي سليم، في بلد لا يزال عرضة للمخاطر والتهديدات.