من حافة الفقر إلى حافة القبر

28 مايو 2015
يموت هؤلاء الفقراء مهملين مرة أخرى
+ الخط -

في دولة بشار الأسد "الرئيس الحداثي محارب الفساد وقائد الإصلاحات"، انتقل المدنيون المهمشون القابعون تحت خط كل شيء، من الحياة على حافة الفقر إلى الحياة على حافة القبر، على مدى أربعة أعوام من حرب هوجاء خاضها دفاعاً عن "عرشه".

كل الموت قبيح، إلا أن لموت الفقراء طعماً أكثر مرارة، خاصة وهم يموتون على أيدي ذات الأشخاص الذين أفقروهم، ونهبوا مقدرات بلادهم، وتركوا لهم التراب ليدفنوا تحته لا أكثر.


وللصدفة أو التواطؤ أو ربما مجرد سوء الحظ، يستمر تهميش هؤلاء حتى في تغطية حدث موتهم، فبينما تسرق أخبار المعارك في المناطق الساخنة اهتمام كل وسائل الإعلام، يواصل المدنيون في دير الزور والرقة والحسكة وعشوائيات دمشق، الموت بهدوء، دون أن يزعج موتهم أحداً.

في دير الزور، التي عانت كل أشكال التهميش والإفقار على مدى 40 عاماً من "الحركة التصحيحية"، يقضي فيها مَن عجز عن النزوح أو الهرب، تحت أنقاض براميل وقذائف النظام، أو برصاص وسكاكين تنظيم "داعش" ربيب النظام وابنه المدلل، أو بصواريخ التحالف الدولي "الذكية" التي تجد طريقها إليهم وتخطئ درب "الدواعش"، ويفتك المرض والجوع ببقية محاصرة في الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام في مدينة دير الزور، وسط فنتازيا الحرب المزعومة بين الأخير و"داعش"، اللذين لا يرحمان المدنيين ولا يتركان لهم سوى القبور.

كل هذا يدور غير بعيد عن الرقة، التي تشاركت التهميش والفقر مع دير الزور، كما تشاركتا مصير السبي على يد "داعش"، بات ما يحدث داخلها أشبه بحكاية من عالم آخر أو زمان غابر، في عصر الأقمار الصناعية والتنصت على دبيب النمل، وقبل كل شيء في عالم منشغل بجعل مدينة كوباني في ريف حلب الشمالي، مختبراً لتجارب القصف الجوي وحرب العصابات، وحتى الهدم الكامل وإعادة الإعمار، بذريعة القضاء على تنظيم "داعش"، الذي لا يؤذي ذنبه ما يحدث في كوباني طالما أن رأسه سليم، يسرح ويمرح في "عاصمة الخلافة" بالرقة.

أما الحسكة فلا أحد يتذكرها إلا ليسبّ "الأكراد الانفصاليين"، الذين كان من الممكن أن يقيموا لأنفسهم دولة، لولا حكم "الحزب القائد الحكيم"، الحزب ذاته الذي تركها اليوم لأهلها وشأنهم، ليتصدوا بأنفسهم للمد الداعشي، وبشكل من الأشكال تواصل السباب للأكراد الانفصاليين.


لطالما وسمت صفة "الشوايا" معظم سكان شرق سورية، بدءاً من ريف حلب الشرقي، مروراً بريف حمص الشرقي، ولم يكن هؤلاء "الشوايا" في يوم من الأيام محط أي اهتمام حكومي أو إعلامي، ولطالما عوملوا على أنهم "زيادة عدد"، فهم ليسوا بأي حال من الأحوال تجار حلب ولا دمشق، ولا مثقفي الحواضر "المتغربنين"، وليس فيهم ما يغري أحداً، بل فضل كثيرون غالباً وضع غطاء عليهم ونسيانهم، كمن يخفي تحت شرشف نظيف طاولة مهشمة.

واليوم في ظل الثورة، يستمر إهمال أو تجاهل ما يدور تحت الشرشف، ويموت هؤلاء الفقراء مهملين مرة أخرى، تمر أنباء موتهم "زيادة عدد"، كأنه كتب عليهم أن يزوروا هذه الدنيا ضيوفاً ثقال الظل، ويغادروا حفلة جنونها من دون أن يشعر أحد بغيابهم.

سأخرج قليلاً عن السرب المطالب بإنقاذ آثار البلاد، رغم الألم والخوف الكبيرين على تاريخ بلادي، لأطالب بإنقاذ الفقراء والمهمشين، إن كان لي أن أتبع سياسة "الهاشتاغ"، فلن أطلق إلاّ هاشتاغاً واحداً "أنقذوا_الفقراء_والمهمشين".


(سورية)

المساهمون