من توخيل إلى بيتر بوس..السرّ في الشباب والمغامرة مستمرة

08 يونيو 2017
بوس أثبت أنه يمتلك فكراً كروياً جديداً (Getty)
+ الخط -
كان يسافر من روتردام إلى أمستردام أسبوعياً، لمشاهدة فريق أياكس في التسعينيات عن قرب، يدون كل كبيرة وصغيرة يقوم بها مدربهم لويس فان غال، ويرصد مقالات أسطورته كرويف وأبرز مقولاته عن كرة القدم. لم يمنعه لعبه في فينورد، المنافس القوي والخصم اللدود لأياكس من الإعجاب بالكرة التي يقدمها نادي العاصمة، ليقدم نفسه كمجنون بالتفاصيل التكتيكية منذ أيام لعبه، وبمجرد اعتزاله تحول سريعاً إلى حلمه القديم، أن يكون مدرباً لكرة القدم داخل هولندا وخارجها، هذا هو مسار بيتر بوس باختصار شديد.

رومانسي بطبعه
بيتر من المعجبين بأفكار الرومانسية الكروية ومدرستها الخاصة بالهجوم، يفضل الاستحواذ والضغط العالي طلباً للكرة، لكنه لا يطبق قاعدة الثواني الثلاث التي اشتهر بها برشلونة سابقاً، لأنه وفق منظوره لا يمتلك الجودة مثل نجوم الكامب نو، لذلك أعطى لاعبيه ثانيتين إضافيتين، وخلال تدريبه لأياكس، حاول قطع الكرة في نصف ملعب المنافس خلال خمس ثوان بعد فقدان الهجمة.

يحتاج الفريق الآخر إلى وقت مناسب للتفكير في تنفيذ الهجمة المرتدة، الخصم يحتاج أكثر أو أقل من خمس ثوانٍ للحصول على المواقف الصحيحة على مستوى التمركز. ويتحدث بوس عن فلسفته الهجومية مشيراً إلى تفضيله المغامرة على التحفظ، حتى لو اضطر في بعض الأحيان لدفع الثمن. المدرب الجديد لدورتموند من هواة اللعب التموضعي، ويركز على الضغط المرتفع مع قطع الكرات في نصف ملعب الخصم فيما يعرف بالغيغن برسينغ، ويمتاز بالمرونة الخططية أي لا يقف على رسم واحد طوال الموسم، ويضع خطته وفق قدرات فريقه وإمكانات الخصم.

هو أيضاً من هواة مشاهدة المباريات بالفيديو وتحليل الأداء، يركز على المنظومة ويقضي ساعات على المباريات للعثور على الأخطاء التي تبدو غير مهمة. يقول بوس: "أوضح لأول مرة للفريق كيف سنلعب، ثم سوف يُظهر للاعبين الرسوم المتحركة التي توضح التمركز دفاعاً وهجوماً، ثم مقاطع من التدريب ومدى تطبيق بعض الأفكار داخل المباراة، مع عرض الأخطاء التي يقوم بها كل لاعب، بالإضافة إلى عرض بعض المقاطع للفرق الكبيرة حتى يتم إعادتها بطريقة أو بأخرى". تؤكد كل هذه الأمور صبر المدير الفني وقيامه بدور المعلم وبراعته في التعامل مع الصغار، لذلك قدم موسماً ناجحاً مع أياكس رغم خسارته الدوري الأوروبي في النهائي ضد اليونايتد.

أسباب إقالة توخيل
استقبل الجمهور خبر إقالة توخيل بقدر من الدهشة والاستغراب، فالرجل قاد الفريق إلى كأس ألمانيا ووصل إلى ربع نهائي دوري الأبطال، رغم اعتماد الفريق على عدد كبير من الشبان، وبيع أكثر من نجم كبير كهوميلز وغاندوغان ومخيتاريان في موسم واحد. وبالعودة إلى الصحف الألمانية القريبة من دائرة صناعة القرار، بالتحديد صحيفة "كيكر" التي تحدثت عن الأسباب الحقيقية وراء إقالة توماس، وبدأت بالخلافات القوية التي وصلت إلى الاختلاف الحاد في وجهات النظر، بين توماس توخيل وسفين ميسلينتات، كبير الكشافين في النادي الألماني.

رشح الكشاف اللاعب الإسباني أوليفر توريس للانضمام إلى بروسيا، ومع دخول المفاوضات حيز التنفيذ، أفسد توخيل الصفقة بعد رفضه اللاعب وعدم اقتناعه بقدراته، الأمر الذي لم يعجب رئيس النادي هانز واتزه، ليقف في صف سفين ويقوم بترقيته لرئاسة قسم التطوير بالنادي ككل. وبعد قرار الجهاز الفني بضرورة جلب مهاجم إضافي للفريق، رشح توماس اللاعب الروسي فيدور سمولوف، لكن الإدارة تجاهلت توصياته وتعاقدت مع السويدي الصغير ألكسندر إساك، ليرد توخيل الصفعة بإبعاد اللاعب تماماً عن مخططاته حتى نهاية الموسم.

توخيل مقتنع بضرورة التعاقد مع لاعبين كبار، وعدم التفريط في أي نجم حتى يصنع فريقاً تنافسياً، لكن الإدارة تفضل الاستثمار في اللاعبين صغار السن، وعدم دفع مبالغ كبيرة في التعاقدات الجديدة، بسبب صعوبة مقارعة أباطرة أوروبا كبايرن وريال وبرشلونة وأندية إنكلترا. أمر آخر خاص بالناحية الخططية، فالمدرب الشاب مولع بالجديد تكتيكياً، ويلعب بأكثر من رسم كروي في المباراة الواحدة، كأنه يلعب الشطرنج وليس كرة القدم، مما يرهق لاعبيه كثيراً ويتسبب في خسارة بعض المباريات الهامة، كلقاء ليفربول في الدوري الأوروبي.

لماذا بوس؟
مع كل هذه الخلافات بين توخيل وإدارة دورتموند، فقد المدرب أعصابه بعد عدة مباريات، وهاجم لاعبيه في بعض المؤتمرات الصحافية عند الخسارة، مع التحدث بلهجة حادة ضد المديرين واليويفا بعد حادثة دورتموند قبل مباراة موناكو، لينتقد بشدة قرار لعب المباراة بعد 24 ساعة، ويعلن الحرب ضد الجميع في إشارة واضحة إلى رغبته هو الآخر في عدم الاستمرار، وسعيه إلى فك الارتباط مع واتزه وشركائه.

وبدراسة الأسباب التي أدت إلى رحيل توخيل، سنجد كل الدوافع التي أجبرت إدارة دورتموند على التفكير في بيتر بوس، بعد فشل التعاقد مع لوسيان فافر بسبب تمسك نيس بالمدرب الألماني.

الهولندي بوس رجل عمل من قبل كمدير رياضي في فينورد، وبالتالي لديه خبرة عريضة في كيفية التعامل مع الكشافين، ويمتلك الحس الإداري الذي يساعده على فهم قرارات الرؤوس الكبيرة، مما يبعده تماماً عن الوقوع في مشاكل سلفه السابق.

يفضل بيتر أيضاً التعامل مع اللاعبين الصغار، لقد صنع مجموعة رائعة في أياكس مع عدد كبير من اللاعبين تحت 23 سنة، لأنه يعمل دائماً مع المتاح دون خلق الأعذار، وتعد هذه الصفة بمثابة النقطة الأساسية التي استندت إليها إدارة بروسيا من أجل التعاقد معه، مع التأكيد على عدم براغماتيه الشديدة مقارنة بلوسيان فافر، حيث أنه يلعب أيضا بطريقة هجومية جريئة مثل توخيل، لكنه ليس من هواة تغيير الخطط لأكثر من مرة في نفس المباراة.

طريقة اللعب
يلعب بوس مثل معظم الهولنديين بطريقة لعب 4-3-3، معتمداً على رباعي دفاعي صريح أمامه لاعب ارتكاز واحد، ثم ثنائي وسط متقدم في المركز 8، مع ثلاثي هجومي بالثلث الأخير. ويستطيع المدرب اللعب بهذه الخطة في بروسيا، مع وجود عدة أسماء تجيد اللعب على الأطراف كالبرتغالي غيرويرو والبولندي بيتزيك مع بقية العناصر، كذلك يوجد فيغل الذي يعرف في ألمانيا ببوسكيتس الأيدونا بارك برفقة مجموعة المواهب غوتزه وكاغاوا، مع تمركز ديمبلي ورويس على الطرفين، وأوباميانغ في المركز 9 داخل منطقة الجزاء.

خطة أخرى استخدمها بيتر بوس أيام فريق هيراكليس الهولندي وأفردها موقع "سكواكا" الإنكليزي، رسم 3-1-2-1-3 عن طريق اللعب بثلاثي دفاعي صريح، لاعب بالعمق كليبرو وثنائي بين الأطراف والمركز، مع خط وسط أشبه بالجوهرة، يبدأ بلاعب الارتكاز الدفاعي وينتهي بلاعب الوسط المهاجم، وبينهما ثنائي في المنتصف، رفقة الثلاثي الهجومي المتقدم بالأمام. وبعد التعاقد مع لاعب بقيمة محمود داهود، يمكنه اللعب مع رودي أو كاسترو بين فيغل ورويس، دون نسيان قيمة بوليسيتش وديمبلي وإيمري كان على الأطراف، خلف المهاجم الغابوني السريع.

يحب بوس اللاعبين الأذكياء، يقول عنهم بأنهم مبادرون بالفطرة، عكس أقرانهم الذين يهتمون فقط برد الفعل في أغلب الأحيان. إذا كنت تفكر بشكل سريع، ستكون أسرع في الميدان، إما إذا كنت تتفاعل متأخراً، فستجبر مدربك على عمل إضافي لمساعدتك، اعرف ما سيحدث، وليس ما حدث بالفعل.

ومع كل هذه الإيجابيات، هناك سلبيات تحوم حول مدى نجاحه في البوندسليغا، لأن بوس لا يلعب كثيراً بالمرتدات، بينما الدوري الألماني هو الأساس لهذه الاستراتيجية، بالإضافة إلى ميله المستمر تجاه التسديد من بعيد، وهذا الأمر معقد بعض الشيء في ألمانيا، نتيجة الضغط المتواصل الذي يطبقه الجميع دون استثناء، مما يجعل الفراغات أقل في وبين الخطوط. في كل الأحوال ستكون تجربة مثيرة، خصوصا أن توخيل وقبله كلوب تركا أثرا جيدا مع أسود الفيستفالين.

المساهمون
The website encountered an unexpected error. Please try again later.