من الموصل حتى الثرثار.. التحقيق مستمر

30 ابريل 2015
+ الخط -
قتل تنظيم الدولة الإسلامية قوة عسكرية من الجيش العراقي بكامل تعدادها 26 ضابطاً و126جندياً، كانوا على حراسة ناظم الثرثار في محافظة الأنبار العراقية، وكان من بين الضباط الذين قُتلوا في هذه المعركة قائد الفرقة الأولى في الجيش وآمرو اللواء والفوج الذي تمت تصفيته، بعد أيام من الحصار والمقاومة الشديدة لهجوم تنظيم الدولة، وبعد سيل من نداءات الاستغاثة التي أطلقها قائد هذه القوة، مطالباً الحكومة العراقية ومرجعيته العسكرية بإمداده بالعتاد (فقط) من دون جدوى، وكانت النتيجة اقتحام قوات تنظيم الدولة الموقع العسكري، ومن ثم قتل كل أفراد القوة وبطريقة بشعة.
يمثل ناظم الثرثار الذي يقع شمال شرق الفلوجة حلقة وصل بين محافظتي الأنبار وصلاح الدين، وعن طريق هذه المنطقة، تتحرك الأرتال العسكريّة والإمدادات المسلحة للجيش العراقي والحشد الشعبي، كما يمثل هذا الموقع مصدر خطر وتهديد بغرق مساحات واسعة من محافظات الأنبار وصلاح الدين والعاصمة بغداد، فيما لو قام التنظيم بتفجير بوابات الناظم، أو بإغلاقها نهائياً، بما يفضي إلى تعطيش المناطق نفسها المشار إليها.
السؤال الذي يجب أن يطرح بشكل رئيسي على الحكومة العراقية، وهي تكاد تفقد قدرتها على السيطرة والتحكم بالمشهد الأمني والعسكري والسياسي، وبعد أن بات الموقف يتقاطع تماماً مع التصريحات المطمئنة التي يطلقها رئيس الوزراء، حيدر العبادي، مراراً، والتي يؤكد فيها أن تنظيم الدولة في حالة من التقهقر، وأن قطعاته تحقق الانتصارات في الأنبار، كما حققتها في تكريت. السؤال هو: لماذا تنهزم قوات الجيش العراقي بشكل متكرر، في مواقع يفترض أن تكون غاية في الأهمية السوقية والاستراتيجية؟ والأهم، لماذا تمر هذه الهزائم مرّ الكرام، فيما يوعد الشعب العراقي بعد كل هزيمة وفقدان لجزء من الوطن بأن الحكومة والبرلمان شكلوا، أو سيشكلون لجاناً تحقيقية لدراسة أسباب الهزيمة ومحاسبة المقصرين؟
منذ الهزيمة النكراء والمخزية لقطعات الجيش العراقي وفرقه، في العاشر من يونيو/حزيران 2014 في مدينة الموصل ذات المليون ونصف المليون نسمة، وما تبعها من سلسلة هروب جمعي لقطعات لم تطلق رصاصة تجاه بضع مئات فقط من مقاتلين، كانوا، في حينها، خليطاً من عدة قوى ومرجعيات فكرية وعقائدية. منذ ذلك الحين، والعراقيون يسمعون عن لجنة تحقيقية لدراسة أسباب هزيمة الموصل، ومحاسبة المسؤولين عنها، وحتى اليوم لم يقدم أي شخص كمسؤول أول عن قرارات أفضت إلى (هروب) آلاف الضباط والجنود باتجاه العاصمة بغداد.
 
وبعد أن سيطر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق على أهم مدن الأنبار وأبرزها، قبل عملية الموصل وصلاح الدين وبعدها، مثل مدينة القائم الحدودية بين العراق وسورية وهيت وراوة وكرمة الفلوجة القريبة من حدود العاصمة بغداد، إضافة إلى مدينة الفلوجة، ثم البغدادي، والآن ناظم الثرثار وغيرها من الأقضية والقصبات، والتي تعني فيما تعنيه، هيمنة شبه مطلقة لهذا التنظيم على مقدرات أهم محافظات العراق وأكبرها استراتيجياً وأمنياً واقتصادياً، لم يتحرك رئيس وزراء العراق الحالي، حيدر العبادي، لدراسة أسباب تقدم تنظيم الدولة في معاركه، وأسباب اندحار القطعات العراقية (بصنوفها كافة) أو هزيمتها في معظم مناطق القتال! اكتفى بترديد نغمة "تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة أسباب الهزيمة في ...". وعلى الرغم من أهمية ما يقول العبادي، إلا أن شيئاً مما يقوله لم يتحقق على واقع العمليات على الأرض، فما زال تنظيم الدولة من يحدد مكان المعركة وتوقيتها، وهو من يحدد وقت الانسحاب، مكلفاً القوات العراقية خسائر كبيرة في الأرواح، وخرقاً هائلاً في المعنويات، إضافة إلى إرباك غير محدود في خطط الحرب التي لا تملك القيادات العراقية، فيما يبدو أيضاً، أي أفق واضح، أو مهنية عسكرية ذات استقلالية في وضع الخطط وتحريك القطعات فيها.
نجح تنظيم الدولة في تشتيت القوى المسلحة في العراق، والتي تتبع شكلياً في معظمها للإدارة العراقية الرسمية، فما زال القتال على أشدّه في محافظة صلاح الدين، سواء في بيجي أم في تكريت والضلوعية وأطراف أخرى من مدينة سامراء وسواها، كما أن سياسة الكر والفر في فلسفة تنظيم الدولة العسكرية تعني السيطرة على منطقةٍ، ثم تركها، بعد تحريك قطعات عسكرية تجاهها وتكبيدها خسائر كثيرة، لتعود، بعد فترة وجيزة، إلى استهداف المنطقة نفسها بغية تثبيت هذه القطعات أولاً، ومنع الإدارة العسكرية في العراق من تحشيدها مع قطعات أخرى، باتجاه أهداف محددة، ثم لتكبيد القوة المرابضة في المنطقة خسائر إضافية، بما يشيع حالة من الرعب والصدمة لدى بقية القطعات الموجودة في مناطق أخرى، والتي يسري لها إحساس بأن دورها قادم لا محالة.
المسؤول الأول عما يجري في العراق هو الحكومة، ممثلة بكل أطيافها، الوزارية والبرلمانية، ولن ينفع أحد القول إن رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، هو سبب كل هذا الوضع المأساوي للعراق، فالجميع يعلم ذلك، إلا المكابرين لأسباب غير نزيهة البتة. ولم يوفق حيدر العبادي إلى الآن في معالجة أي من المشكلات والأزمات التي ورثها من المالكي، بسبب افتقاره، أولاً، إلى ملكات القيادة ومؤهلاتها، بما جعله أسيراً ضعيفاً للقوى الأخرى، والتي تمتلك مليشيات مسلحة قوية، أو التي تحتفظ بعلاقات متينة وحازمة مع طهران. نعم، فالعبادي الذي وقف أمام حشد من الوزراء وأعضاء البرلمان وشيوخ العشائر وغيرهم، وقف في حفل تأبين ذكرى مقتل محمد باقر الحكيم، ليقول "لا وجود للمليشيات في العراق"، فيما يسجل بشكل علني وجود 43 مليشيا مسلحة في العراق، على اختلاف قدرتها الفعلية وتعداد أعضائها.
تلك هي المشكلة الحقيقية باختصار، وبدون تحقيق أو لجان تحقيق، فعندما لا يقول المسؤول الأول في العراق الحقيقة لشعبه، خوفاً من تبعاتها، وعندما يكون المسؤول الأول بلا قدرات حقيقية على إدارة مسؤولياته، حينذاك، يمكن توقع كل أمر سيئ، وصدق من قال "إذا آلت الأمور لغير أصحابها فانتظروا الساعة".
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن