من الرغبة إلى دوار الشمس

13 سبتمبر 2018
أيمن بعلبكي/ لبنان
+ الخط -

لوعةٌ في حجرٍ يتفطّر؛ وإن تجد في نفسك قطرة يابسة على جدار أو فنجان فهذا إيقاعك في الوجود؛ وكلُّ ما رأيت خطيرٌ للغاية. حتى خروجُك من البيت وعودتك أمرٌ خطيرٌ جدًا؛ وكيف ترى وجهك في الآخر ما دمت ترى الوحشة كامنةً في ملامحه والكلام.

كان الحبُّ ضربًا من الرعب؛ ومفاجأة في طريقٍ حيث يظهر لك أمرٌ مجهول مثل قطّاع طرق، أو شيءٌ يتلصص عليك في السرِّ والعلن. هناك صفعةٌ قويةٌ لم تستطع أية يدٍ أن تقوم بها. صفعةٌ من كلامٍ لم تتوقع ومن أمرٍ لا يشبه أية مواقف ويترك شظيةً حادة في حنجرة الروح. فقد ساد التعفن في حياتي.

تعفنٌ في الرؤية وفي ما أبصر. تعفنٌ في اللغة والكلام العابر. تعفنٌ في المناخ وفي قصائد الحبِّ وفي ما يُسمى الحنين. كنتُ ذلك الوقت أقرأ كثيرًا. أجول في الشوارع؛ في الصيف والبرد القارس وفي المطر وفي رئة آب. كنتُ أبحث عن ضالةٍ في كلِّ شيء؛ حتى في المخطوطات الممنوعة التي وجدتُ فيها علمًا ليس بإمكاني أن أبوح به. لم أجد غير اللاشيء.

اللاشيء هو اللؤلؤ المكنون في قلبي. إنَّه يشبه صور الجنة في الفن المعماري القديم؛ ويشبه تمثالاً لرجلٍ جميل لا يبكي ولا يضحك؛ ويشبه جسرًا قويًّا يحبُّ أن يجلب الجميلين إلى تهلكات النَهَر؛ وذات مرةٍ بعثت بمظاريف كثيرة. مظروفٌ إلى بيتٍ غادره أهله وضاعوا في العقبة.

مظروفٌ إلى سيدة كانت فيما مضى شابةً جميلة وتعاني من العمى. مظروفٌ إلى بيتٍ فيه سدرةٌ ولكنها تقطعت وصارت دفاتر وصورًا وتلاميذ خاملين؛ وكيف ومتى وإلى أين تسير بي هذه العربات والرسالة التي كتبتُها إلى البيت الذي ولدتُ فيه لم تصل بعد؛ وقلتُ لي لا تقلقْ سوف تصل.

كنتُ قد كتبتُ أنني ذبحتُ أختي وكلَّ ليلةٍ كنتُ أرى سيدةً جميلة تناديني من السدرة. لم أر وجهها لأنني كلما كنتُ أسمع صوتَها أصابُ بالعمى ولكنني كنتُ أتصور أنَّها جميلة. سيدةٌ جميلةٌ كانت تناديني كلَّ ليلةٍ من خلف السدرة وتقول لي اغفر للسكين فإنَّها أختي الخائنة والصوت يتكرر ثلاث مرات كلَّ ليلة. ثمَّ أصابني مرضٌ آخر في تلك الفترة.

كنتُ كلما أفكِّرُ بشيء يحدث. فكَّرتُ ذات مرة أنَّ حبيبتي ستتركني فتركتني وفكَّرتُ بأن تأتي سيدةٌ جميلة عمياء فرأيتُها تمشي في الشارع؛ والآن أشعر بالخوف وأنا أروي هذه الترهات. أشعر بأنَّ شخصًا خلف السدرة يتلصص عليَّ ويحاول أن يقول لي شيئًا. لا تقلقْ قلتُ لي. هذه هو أنت. أنت تطاردك نفسك؛ أو بالأحرى نفسُك هي التي تطاردك. أنت أشدُّ خطورةً من أيِّ أمرٍ مجهول.

اشتعلتُ في ذاكرة النور وتصورتُ أنَّ القلق شيءٌ مائيٌّ مثل الزجاج أو غشاء الحلزون. القلق روحٌ سوداء تدخل في المرآة وتفتح طريقًا إلى مقاعد ومثوى؛ عاريةً من الصمت والزخرف والشرفات.


* شاعر من الأهواز

المساهمون