من الخلل إلى الفوضى

08 فبراير 2017
تهجير سكاني في الداخل (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -

سوف يمرّ بعض الوقت قبل أن تنطلق الدراسات والأبحاث حول المتغيّرات التي طرأت على وضع السكان في المنطقة العربية، خصوصاً تلك التي كانت وما زالت مسرحاً لأحداث كبرى لعبت دوراً في التأثير على بنيتها العامة. بالطبع، لم تتوقّف بعد حال الفوضى الأمنية القائمة، وما زالت دول عدّة تشهد أحداثاً عاصفة تجد ترجمتها على شكل حصارات واحتلالات للمدن، مع ما يرافق ذلك من عمليات قصف وتدمير للمنشآت العامة والخاصة وتهجير سكاني في الداخل وإلى منافي الخارج وما شابه. كلّ هذه عناصر ما زالت فاعلة وحاضرة في المجتمعات العربية، وسوف تظلّ كذلك ما دامت الحروب المركّبة الدولية - الإقليمية - الداخلية لم تضع أوزارها.

يمكن القول إنّ هناك معالم جديدة تتشكّل، تنتقل فيها المنطقة العربية من حال الخلل التي عرفتها قبل عام 2011، تاريخ تفجر الأحداث في تونس ثمّ مصر فليبيا، إلى حال الفوضى السائدة اليوم. إذاً، لم تستقرّ الأوضاع بعد. وعلى الرغم من عدم استقرارها وبعيداً عمّا يقال حول رسم خرائط جديدة لهذه الدولة أو تلك وتمزيقها شذر مذر خلافاً لما كانت عليه سابقاً، إلا أنّه يمكن التأكيد بأنّ المعالم الأولية أخذت في التشكل على النحو الذي يذكّر بعملية تحميض الصور بالأسود والأبيض والتي جرى التخلّي عنها قبل وقت قصير. فيها، تظهر الصورة تباعاً وبالتدرّج قبل أن تنكشف تفاصيلها كاملة.

نبدأ حلقات عن الديموغرافيا العربية، وهي ليست دراسة بل تستفيد بالتأكيد من دراسات موضوعة. وهي لن تسقط في فخّ فقدان الشخصية الصحافية، بما هي متابعة لواحدة من أكثر المسائل تعقيداً والتي كان من المفترض مواجهتها منذ العقود الماضية. ولأنّ هذه المسألة لم تعالج أو تواجه على نحو علمي ودقيق - إلى جانب أسباب أخرى - كان هذا الأمر في صميم الحرائق التي اشتعلت في الديار العربية. وعليه، يمكن القول إنّ الانفجارات العنيفة كالتي نحيا معالمها، لا تخرج من جوف الجبال كزلازل مباغتة. حتى الزلازل يحاول العلماء اليوم رصد تطوّرها من مرحلة الخمود إلى المرحلة التي تصبح فيها خطراً على الحياة البشرية والمجتمعات. إذاً، لم يحدث ما حدث بفعل المصادفات العجيبة. مع ذلك، كانت النُذر تتجمع في جوف الناس حتى فاض بهم الكيل، فكان ما كان مما نراه اليوم ماثلاً أمامنا للعيان.

يمكن التأكيد أنّ الأزمة كانت أكبر من حجم السلطات. والأخيرة في الأساس راكمت خللاً على خلل موروث منذ عهود بعيدة، ثم إنّها لم تفكّر ولم تسمح لمن يملكون حداً من التطلعات والمعطيات العلمية بالشروع في رسم خطط ومحاولات علاج، إن لم تكن قد حاربتهم وشرّدتهم إلى المنافي البعيدة.

يمكن القول إنّ كلّ هذا لزوم المقدّمات التي لا بدّ منها قبل الشروع في تقليب صفحات الواقع كما يتراءى الآن لكلّ ذي نظر، وهم قلة بين أصحاب القرار وكثرة بين من لا يملكونه على أيّ حال من الأحوال.

*أستاذ جامعي

دلالات
المساهمون