01 أكتوبر 2022
من أين أتى 102 معارض في البرلمان المصري
فجأة ارتبكت صفوف المعارضين بالقادمين الجدد في البرلمان المصري. حين تسرّب الفيديو الذي يهتف به عشرات النواب "مصرية مصرية"، ضد اتفاقية نقل سيادة جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، صُدم كثيرون، واعتبروا المشهد مجرد تمثيلية.
لكن سرعان ما ظهرت الصورة: 102 نائب رفضوا، وحرصوا على توثيق موقفهم بسبب رفض مطلبهم التصويت نداءً بالاسم، فجمعوا توقيعاتهم على وثيقة رسمية لمضبطة البرلمان. هذا يعني نسبة 17% من إجمالي العدد، وستصبح النسبة أكبر لو حُسبت من الحضور، خصوصا بفضل تغيب أو تهرب نوابٍ كثيرين من الجلسة.
المفاجأة أن قائمة الرافضين تشمل ضباط جيش وشرطة، وفائزين على قائمة "في حب مصر" التي دعمها عبد الفتاح السيسي.
يوضع ذلك في سياق الصورة الأكبر. قبل التصويت، سرّب رئيس أركان القوات المسلحة السابق، سامي عنان، موقفه الرافض، وتلاه الفريق مجدي حتاتة، رئيس الأركان الأسبق الذي قال بدوره إن مصرية الجزيرتين "حقيقة عرفتها كمقاتل، وتأكدت منها كقائد"، في إشارة لاذعة إلى أنه من جيل حرب أكتوبر بعكس السيسي.
في مساء اليوم نفسه، ظهر من أبوظبي رئيس الوزراء الأسبق، الفريق أحمد شفيق، في مداخلة، أطلق بها سيلاً من الانتقادات. وكما شهد بدوره أنه شهد في حرب أكتوبر عمليات للطيران على الجزيرتين، مؤكداً أنه لا حل للأزمة إلا باستفتاء شعبي أو بانتظار حكمٍ من الدستورية العليا. وقبل نهاية الليلة، فوجئ المصريون بموقف الإعلامي عبد الرحيم علي، صاحب العلاقات الأمنية والإماراتية، بأن الجزيرتين مصريتان، "قلبي وعقلي يصرخان بذلك".
هناك تفسيرات مطروحة. ربما يتنافس رجال حسني مبارك على العودة إلى المشهد، أو ربما استجاب نوابٌ بالفعل لضغط الغاضبين بدوائرهم.
هنا تظهر عقلية "التطهرية السياسية"، حين يعجز عن طرح تفسيرات مركّبة، لأن التطهرية بطبيعتها سطحية ومبسطة، فإنه يلجأ إلى الحلول الأسهل: تمثيلية، مؤامرة.
لكن هذه السردية يتحدّاها الواقع، وهو ببساطة أننا لم نعد في عصر مبارك الذي كان يحب إتقان المسرحيات، بينما هذا هو السيسي الذي اختار أن يفوز بنسبة 98.5% وليس أية نسبة عاقلة أخرى. السيسي الذي مُنع في عهده مذيعون، مثل محمود سعد وعمرو الليثي، وغضب بشدة من مانشيت ببساطة "منورة يا حكومة"، لن يتيح الكلام ولو تمثيلية، ومن ضحّى بأقرب رجاله، مثل توفيق عكاشة، وأحمد الزند، ومحمد علي إبراهيم، بمجرّد أن ظهرت منهم بوادر تعامل ندّي، لن يسمح لأحد بالمعارضة، ولو ديكورية.
السياسة لا تعرف هذه الكُتل المصمتة الكاملة والسيطرة المطلقة.
لا يوجد أي نظام، أو كيان، أو حزب، أو جماعة بشرية، إلا وداخلها تناقضات سواء للمصالح أو للأفراد (كتضييق السيسي على رجال أعمال مبارك لصالح نخبة جديدة)، أو تناقضات في البنية القانونية والهيكل، كالتي سمحت بتسرب محسوبين على الثورة إلى المجلس، فقد أسفر التدخل الأمني المباشر عن منح قائمة "في حب مصر" بكامل المقاعد الـ 120 بالتزكية في قطاعاتٍ، لم يترشح أحد، بينما ظل هناك هامشٌ للمناورة في المقاعد الفردية، لأنها شهدت تنافساً بين قوىً كلها محسوبة على النظام.
وإذا كان حزب "مستقبل وطن" سيتنافس مع حزب "حماة الوطن"، فإنه يجب الحفاظ على نزاهة الصندوق، بمعنى استمرار القانون القديم للفرز والحصر داخل اللجان، وهي الآلية التي قدمت الحماية لصناديق انتخابات 2012 التي فاز بها محمد مرسي.
تسمح أمثال هذه التناقضات بتسريباتٍ صغيرة كهذه، كما قد تسمح بالأضخم بكثير، فأحد هذه التناقضات داخل النظام غير تاريخنا كله، حين قرّر الجيش الاستجابة للثورة، لأنه كان رافضاً توريث جمال مبارك. هذه ليست صحوة ضمير إلهية، وفي الوقت نفسه، ليست تمثيلية، وإنما هي ببساطة: سياسة. لكن، كان يجب أن ينزل الملايين إلى الشوارع، يُستشهد نحو ألف شخص، كي يتضخم هذا التناقض، وإلا لكانوا يقدّمون التحية العسكرية للرئيس جمال مبارك.
تزيد التناقضات وتظهر للعلن، لو وُضع النظام تحت ضغط حقيقي، وتقل وتختفي لو وجد أمامه استسلاما وسلبية. لا آمال كاذبة. سواء في "تيران وصنافير" أو غيرها من القضايا، نحتاج إلى استراتيجية للتعامل مع هذه الفئة، من دون استعداء مجاني، ومن دون تحالفات تُخسرنا أنفسنا أيضاً.
لكن سرعان ما ظهرت الصورة: 102 نائب رفضوا، وحرصوا على توثيق موقفهم بسبب رفض مطلبهم التصويت نداءً بالاسم، فجمعوا توقيعاتهم على وثيقة رسمية لمضبطة البرلمان. هذا يعني نسبة 17% من إجمالي العدد، وستصبح النسبة أكبر لو حُسبت من الحضور، خصوصا بفضل تغيب أو تهرب نوابٍ كثيرين من الجلسة.
المفاجأة أن قائمة الرافضين تشمل ضباط جيش وشرطة، وفائزين على قائمة "في حب مصر" التي دعمها عبد الفتاح السيسي.
يوضع ذلك في سياق الصورة الأكبر. قبل التصويت، سرّب رئيس أركان القوات المسلحة السابق، سامي عنان، موقفه الرافض، وتلاه الفريق مجدي حتاتة، رئيس الأركان الأسبق الذي قال بدوره إن مصرية الجزيرتين "حقيقة عرفتها كمقاتل، وتأكدت منها كقائد"، في إشارة لاذعة إلى أنه من جيل حرب أكتوبر بعكس السيسي.
في مساء اليوم نفسه، ظهر من أبوظبي رئيس الوزراء الأسبق، الفريق أحمد شفيق، في مداخلة، أطلق بها سيلاً من الانتقادات. وكما شهد بدوره أنه شهد في حرب أكتوبر عمليات للطيران على الجزيرتين، مؤكداً أنه لا حل للأزمة إلا باستفتاء شعبي أو بانتظار حكمٍ من الدستورية العليا. وقبل نهاية الليلة، فوجئ المصريون بموقف الإعلامي عبد الرحيم علي، صاحب العلاقات الأمنية والإماراتية، بأن الجزيرتين مصريتان، "قلبي وعقلي يصرخان بذلك".
هناك تفسيرات مطروحة. ربما يتنافس رجال حسني مبارك على العودة إلى المشهد، أو ربما استجاب نوابٌ بالفعل لضغط الغاضبين بدوائرهم.
هنا تظهر عقلية "التطهرية السياسية"، حين يعجز عن طرح تفسيرات مركّبة، لأن التطهرية بطبيعتها سطحية ومبسطة، فإنه يلجأ إلى الحلول الأسهل: تمثيلية، مؤامرة.
لكن هذه السردية يتحدّاها الواقع، وهو ببساطة أننا لم نعد في عصر مبارك الذي كان يحب إتقان المسرحيات، بينما هذا هو السيسي الذي اختار أن يفوز بنسبة 98.5% وليس أية نسبة عاقلة أخرى. السيسي الذي مُنع في عهده مذيعون، مثل محمود سعد وعمرو الليثي، وغضب بشدة من مانشيت ببساطة "منورة يا حكومة"، لن يتيح الكلام ولو تمثيلية، ومن ضحّى بأقرب رجاله، مثل توفيق عكاشة، وأحمد الزند، ومحمد علي إبراهيم، بمجرّد أن ظهرت منهم بوادر تعامل ندّي، لن يسمح لأحد بالمعارضة، ولو ديكورية.
السياسة لا تعرف هذه الكُتل المصمتة الكاملة والسيطرة المطلقة.
لا يوجد أي نظام، أو كيان، أو حزب، أو جماعة بشرية، إلا وداخلها تناقضات سواء للمصالح أو للأفراد (كتضييق السيسي على رجال أعمال مبارك لصالح نخبة جديدة)، أو تناقضات في البنية القانونية والهيكل، كالتي سمحت بتسرب محسوبين على الثورة إلى المجلس، فقد أسفر التدخل الأمني المباشر عن منح قائمة "في حب مصر" بكامل المقاعد الـ 120 بالتزكية في قطاعاتٍ، لم يترشح أحد، بينما ظل هناك هامشٌ للمناورة في المقاعد الفردية، لأنها شهدت تنافساً بين قوىً كلها محسوبة على النظام.
وإذا كان حزب "مستقبل وطن" سيتنافس مع حزب "حماة الوطن"، فإنه يجب الحفاظ على نزاهة الصندوق، بمعنى استمرار القانون القديم للفرز والحصر داخل اللجان، وهي الآلية التي قدمت الحماية لصناديق انتخابات 2012 التي فاز بها محمد مرسي.
تسمح أمثال هذه التناقضات بتسريباتٍ صغيرة كهذه، كما قد تسمح بالأضخم بكثير، فأحد هذه التناقضات داخل النظام غير تاريخنا كله، حين قرّر الجيش الاستجابة للثورة، لأنه كان رافضاً توريث جمال مبارك. هذه ليست صحوة ضمير إلهية، وفي الوقت نفسه، ليست تمثيلية، وإنما هي ببساطة: سياسة. لكن، كان يجب أن ينزل الملايين إلى الشوارع، يُستشهد نحو ألف شخص، كي يتضخم هذا التناقض، وإلا لكانوا يقدّمون التحية العسكرية للرئيس جمال مبارك.
تزيد التناقضات وتظهر للعلن، لو وُضع النظام تحت ضغط حقيقي، وتقل وتختفي لو وجد أمامه استسلاما وسلبية. لا آمال كاذبة. سواء في "تيران وصنافير" أو غيرها من القضايا، نحتاج إلى استراتيجية للتعامل مع هذه الفئة، من دون استعداء مجاني، ومن دون تحالفات تُخسرنا أنفسنا أيضاً.